شَمَّرنا السواعد لحربك...
حسين شريعتمداري
ايُّ آلية إعتمدها العدو وراهن عليها خلال القرون الماضية للحؤول دون يقظة الشعوب الاسلامية لاسيما الشيعة منها؟ وهل تجاهل هذه الآلية بعد ان تمكنت الثورة الاسلامية من تجاوزها وتحقيق مرادها؟ والاجابة على التساؤل نحصل عليها في طيات توجيهات كلمة سماحة قائد الثورة التي اوردها الخميس الماضي لمناسبة يوم المبعث النبوي الاغر. ولنتابع معا:
1 ـ ان سماحة قائد الثورة شدد في جانب من خطبته على ضرورة تشكيل الحكومة الاسلامية، الضرورة التي استلت من اسس ومتبنيات حقة لا الشعارات الرنانة.
فاعتبر سماحته الهدف من بعثة الانبياء عليهم السلام، حسب المنطق القرآني، خلق حياة طيبة، فانبرى لوصف هذه الحياة بالقول: "ما الذي نعنيه من الحياة الطيبة؟ القصد منها ازدهار العقل والعلوم البشرية وهذا جانب، يمازجه الصفاء الروحي والراحة المادية للبشر، وأمن ساحة الحياة والرفاهية والسعادة، وفوق كل ذلك الكمال المعنوي وتدرج سلم مرقاتها".
واستطرد سماحته مشيرا الى، "إن هذه الاهداف عالية المضامين"، وبخصوص تحققها، تفضل سماحته بالقول؛ "فان اراد نبي الاسلام، رسول الحق، ان يطابق هذه الاهداف والواقع فلا مناص من ان يوفر الارضية للساحة الاجتماعية التي تتماهى والاهداف هذه، والامر الاخر التوفر على القدرة السياسية، اي ان هذه الساحة الاجتماعية لا يحرزها شخص متقوقع يكتفي بسرد المواعظ، بل لابد من الاقتدار الا وهو الاقتدار السياسي".
2 ـ وبعبارة اخرى، فان خلق حياة طيبة ـ كما اسلفنا ـ تتحقق حصرا عبر انزال الدساتير الالهية المتبلورة في القوانين الاسلامية، على ذلك بديهي الاغفال عن هذه الوصفة يكلفنا الحرمان من الحياة الطيبة، فالعلم بالعلاج لا يشفي العليل.
3 ـ ولكن الدساتير الالهية وقوانين الاسلام الباعثة للحياة، لا تنحصر عرضها، كما روج له ـ وللاسف الشديد ـ لقرون خلت من قبل الحكام الظلمة وبعض ضعاف الهمم، بالشؤون الشخصية من احكام الوضوء والصلاة ، والغسل والطهارة والنجاسة و.....فالاحكام المتعلقة بالشؤون الفردية جانب لابد منه وضروري التطبيق، والتقصير فيها ليس غير مسموح البتة وحسب بل هو تجاف عن الاسلام، الا ان الاحكام الالهية لا تقتصر على هذه الشؤون.
4 ـ الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه، قال في الثاني من شباط عام 1979:
"تلاحظون اكثر من خمسين كتاباً فقهيا منها، 7-8، تتعلق بامور العبادات، والغالبية من هذه الكتب تتطرق للشؤون السياسية والاجتماعية وكيفية التعامل".
وكذلك تفضل سماحة الامام في التاسع من تموز عام 1981: "على مر الزمان، وما يقرب من ثلاثمائة عام، كم حشو في عقول الناس وحتى رجال الدين، ان لا تتدخلوا في السياسة. فانطلت على السادة من رجال الدين انفسهم، فان طرق سمعهم امر ـ مثلا ـ يتعلق بشأن سياسي فيه صلاح للامة، وهم بعضهم لمعالجة الامر، انبرى من نفس رجال الدين ليقول؛ لا علاقة لنا انه امر سياسي! واخذوا جانبا، او بالاحرى تم دفعهم جانبا، فترسخ لديهم ان وظيفة رجل الدين ذكر المسائل الشرعية، وان لا يتوسعوا بجميع المسائل بل بعضها. فان انسحب الامر على جميع المسائل الشرعية وكتب الفقه فاكثرها كتب سياسية".
5 ـ ونبلغ الان بامر مصيري وبديهي جدا من حديث سماحة الامام وقائد الثورة، اذ اولا؛ للوصول الى الحياة الطيبة ينبغي تطبيق الاحكام الالهية وقوانين الاسلام، وثانيا؛ ان تنفيذ هذه الاحكام والقوانين تفتقر الى القدرة السياسية، اي الحكومة الاسلامية.
فبعض الاشخاص والتيارات التي ترفض تشكيل الحكومة الاسلامية في زمان غيبة الامام المهدي ـ ارواحنا لتراب مقدمه الفداء ـ، سواء علموا وارادوا، او لم يعلموا ولم يريدوا فان تطبيق الاحكام الالهية والقوانين الاسلامية، وبعبارة افصح، هم شطبوا على الاسلام، مبلغين لهذا الاعتقاد المنحرف بان الناس لا تحتاج للاسلام في زمن الغيبة!
وبعد غيبة الامام (عج) ينبغي ان نضع الاسلام جانبا! اليس كذلك؟ فهل ان الاسلام منحصر بالشؤون الشخصية والفردية، وبمجرد القيام بها تتم العلة التي من اجلها بعث الانبياء ومن بعدهم الائمة (ع)!
فمن يؤمن بهذا وما يطرحه بالتاكيد هو بعيد عن الاسلام! وهذه الرؤية وان جُيرت في ايران باسم جماعة تدعى "الحجتيه" إلا ان القضية ابعد من ذلك ويطول شرحه هنا!
6 ـ جاء في الذكر الشريف الاشارة الى ضرورة القيام بالعدل كهدف للانبياء الالهيين؛ "لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط..." /الحديد /25 ومن البديهي حين تنزل هذه الوصفة لارض الواقع، ويعمل بالعدل والقسط، فان القوى المستكبرة وجميع من يرى ان بقاءه في سلب الشعوب ونهبها ولا يبقوا جريمة الا وارتكبوها لتحقيق مآربهم لمواجهة هذه الوصفة وما يتمخض عنها من تطبيق حاكمية الاسلام.
وسبق ان اشار سماحة قائد الثورة في توجيهاته لهذا الامر، بان؛ "وبالطبع ان هكذا دين وبهذه الرؤية تعرض للعدوان كذلك، ففي جميع الازمنة عارض الاشرار في العالم هذا الدين، فاما ان يسعوا لتقزيمه في هذه المنطقة العظيمة بالشؤون الشخصية او ان يقفوا وبشكل علني بوجهه، حيث يقول الكتاب في سورة الفرقان /31 "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين" واستطرد سماحته بالقول؛ "وكما تشهدون اليوم ما يتطرق الاعداء اليه في ادبياتهم عن شيء باسم "الاسلام السياسي"، فالاسلام السياسي هو ما تحقق في النظام الاسلامي الايراني ـ وهو ما سأشير اليه كحركة عظيمة قام بها إمامنا العظيم ـ، وان امواج حملاتهم انصبت على الاسلام السياسي. فالاسلام السياسي هو الاسلام الذي تمكن بتشكيله للحكومة من ايجاد مؤسسات مختلفة، وانظمة اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وعسكرية، وان توجد هوية دينية واسلامية لشعب؛ وهو ما يمكن اطلاقه على الدين. من هنا فان تعريف القران للدين بهذا الشكل، ولايمكن التقليل منه باعمال صغيرة، بطقوس عبادية محضة".
7 ـ ان نظرة عابرة ومنصفة لتاريخنا المعاصر تعكس بوضوح، ان الجمهورية الاسلمية الايرانية "المنبثقة من الاسلام السياسي اي هو الاسلام المحمدي الاصيل، النظام الحكومي الوحيد الذي تمكن ان يبقى في الساحة باقتدار يضرب به المثل، والتي لم تكن قد حافظت على المصالح القومية وسيادة تربة وعزة وشرف شعبه هذه الارض وحسب بل اوصلت ـ حسب تقرير جورج فريدمن الوثائقي ـ ايران الاسلامية الى المكانة الكبرى في المنطقة علميا وعسكريا. فالاخرون كل حسبه قد سلم جزءا من ارض ايران للاعداء، وجعلوا منها تابع للقوى الكبرى.
وتجدر الاشارة الى مسألة جربتها ايران في تاريخها المعاصر، وهي حركة علماء كانت لهم رؤية سياسية (اي شاملة) للاسلام، كل حسب مستواه وقف بوجه الاعداء الغزاة ومصاصي الدماء، امثال؛ ميرزا الشيرازي، والشهيد الشيخ فضل الله نوري، والشهيد مدرس، وآية الله محمد تقي نجفي اصفهاني، وآية الله محمد مجتهد، وآية الله كاشاني و... ولكن هؤلاء العظام ولعدم تمكنهم من الحكومة، كانت مساحة تاثيرهم ضيقة ومحدودة، فهم يمثلون نقاطا نورانية وهذه النقاط تحولت الى خط خلال الثورة الاسلامية.
8 ـ وهنا يمكن الحكم بوضوح انه لماذا انبرت القوى الاستكبارية مباشرة بعد تاسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، لمواجهتها من كل جانب وبكل قواها، ولماذا اصروا على ترويج الاسلام غير السياسي، ويعرفوا الفقه الذي له هوة مع الشؤون السياسية والاجتماعية بانه هو التشيع الاصيل؟! ان ايران العزيزة ومنذ الايام الاولى لانتصار الثورة الاسلامية ولليوم تواجه انواع المؤامرات والاحقاد من قبل القوى الصغيرة والكبيرة.
9 ـ وبالتالي لابد من التطرق الى اننا لا زلنا على مسافة مع النقطة المطلوبة ولكننا اجتزنا منذ البدء ولليوم، خطوات محمودة وفي مجالات كانت إعجازية، بحيث تربعنا في الكثير من الشؤون على القمة، في وقت الذي ووجهنا من كل صوب ودون توقف بهجمات ثقيلة. ومن يدعي عن حقد او عن غفلة ان الثورة الاسلامية قد قل وميضها مع مرور الايام عليهم ان يجيبوا على هذا التساؤل، انه لماذا يزداد حقد الاعداء كل يوم وبشكل متسارع، وثانيا ان يقارنوا بين نقطة البدء والنقطة التي نحن عليها اليوم وما سلكناه من درب،ولكن من الضروري الاشارة الى هذا الامر وهو ان مشاكل اليوم لاسيما الحاجة اليومية للمواطن، كالغلاء المتصاعد و... لا تحسب على وصفة الثورة والنظام، وانما هي حصيلة تراكمات من لا يعرفون وعدم اهلية بعض المسؤولين في مواجهة المطبات ونفوذ من عدم الهوية الوطنية في جوانب من المسؤوليات.