حرب النّاقلات تَشتَعِل بين إيران وإسرائيل في ميناء البحرين المتوسّط وخليج عُمان.. فلِمَن ستكون الغلبة؟
وهل تهديدات نِتنياهو الأحدث بضربات جديدة لسورية "هذَيان انتِخابي” أم في إطار خطّة لتوريط إدارة بايدن ومنع مُفاوضات الاتّفاق النووي؟
عبد الباري عطوان
نجح بنيامين نِتنياهو في تقسيم العرب إلى مُعَسكرين: الأوّل مُطبّع، والثّاني يَقِف في خندق محور المُقاومة، ويبدو أنّ خطّته الجديدة، بالنّظر إلى تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها في إطار حملته الانتخابيّة للفوز في انتِخابات "الكنيست” التّشريعيّة الرابعة، تتمحور حول احتِمال افتِعال مُواجهة عسكريّة مع إيران تحت ذريعة منع امتِلاكها أسلحة نوويّة، والتّهديد بأنّه قادرٌ على القيام بهذه المَهمّة دُون مُساعدة الولايات المتحدة وإدارتها الديمقراطيّة الجديدة.
التّقسيم هو أبرز أسلحة نِتنياهو وأحد أعمدة استراتيجيّته للبقاء في السّلطة لتجنّب الذّهاب إلى السّجن مُدانًا بتُهم الفساد والتّزوير، فقد نجح في اختِراق بعض الأحزاب العربيّة في فِلسطين المحتلّة عام 1948، وأضعف القائمة العربيّة المُشتركة وتقليص عدد مقاعدها بالتّالي، مثلما نجح قبلها في تقسيم الأراضي المحتلّة عام 1967، وهو يُحاول حاليًّا تقسيم الأردن، وإذكاء نيران الفتنة مُجدَّدًا بين مُكوّنيه الأساسيين، أيّ الشّرق أردني والفِلسطيني، ويَجِد في بعضِ الأدوات المحليّة ضالّته، وافتِعال أزَمة، وعرقلة زيارة وليّ العهد الحسين بن عبد الله للصّلاة في المسجد الأقصى أحد فُصول هذا السّيناريو.
ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال” يوم أمس، وأكّدته مصادر رسميّة إسرائيليّة، من أنّ وحدات البحريّة الإسرائيليّة استهدفت 12 سفينة ناقلة نفط إيرانيّة في العامين الماضيين كانت في طريقها إلى الموانئ السوريّة حاملةً شُحنات نفطيّة ومواد غذائيّة وربّما معدّات عسكريّة، آخِرها الأسبوع الماضي، يُؤكّد أنّ نِتنياهو يبحث عن مُواجهةٍ عسكريّة جُزئيّة أو كُلّيّة، لإطالة أمَد بقائه في السّلطة في حالِ فشله في الانتِخابات التشريعيّة بعد عشرة أيّام، وامتِصاص حالة القلق المُتصاعِدَة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي.
يرتكب نتنياهو "خطأ العُمر” إذا حاول تصعيد هذه الحرب، لأنّها مُقامرة قد لا تكون في صالحه، أو صالح داعميه الأمريكان، الذين يُريد توريطهم فيها، في وَقتٍ يخسرون مثيلاتها في أفغانستان والعِراق، ولا يَجِدون مَمَرًّا للهُروب ويُواجهون تحالفًا روسيًّا صينيًّا إيرانيًّا كوريًّا شماليًّا في جنوب شرق آسيا بات في طَور الاكتِمال.
"إسرائيل” باتت مُحاصرةً بأكثر من نِصف مِليون صاروخ دقيق من كُل الجِهات، كما أنّ مُعظم، إن لم يكن كُل خُطوطها المِلاحيّة باتت غير آمنة في حالتيّ السّلم والحرب، ولعلّ الهُجوم الذي استهدف سفينة إسرائيليّة في خليج عُمان قبل أسبوعين، هو بداية الرّدود على الاعتِداءات الإسرائيليّة.
إيران وحُلفاؤها في اليمن ولبنان والعِراق يُسيطرون على مياه البحرين الأحمر والمتوسط، ومِياه الخليج وفصائلها في مضيق هرمز وباب المندب وخليج العقبة، ومن يضرب سفينة إسرائيليّة في خليج عُمان يستطيع ضرب أُخريات في البِحار الأُخرى المَفتوحة، وربّما يُفيد التّذكير بتدمير صاروخ بحري أطلقه "حزب الله” على فرقاطة عسكريّة إسرائيليّة كانت تُرابِط قُبالة بيروت، وبدقّةٍ مُتناهية، في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006 بعض الأمثلة التي تدعم ما نقول.
إسرائيل لا يُمكن أن تكسب "حرب النّاقلات” إذا أشعلت فتيلها، كما أنّ تباهي نِتنياهو يوم أمس بأنّه سيمنع التّموضع الإيراني في سورية وعدم حُصول طِهران على سلاح نووي مهما كان الثّمن مُجرّد "هذيان” انتِخابي، فثلاث سنوات من القصف لأهداف إيرانيّة في سورية لم تُجبَر ايران على سحب مُستشاريها، وقوّات الفصائل التّابعة لها، بل زادت من أعدادها وعزّزت تواجدها وعمّقت شرعيّته.
المتحدّث باسم شركة المِلاحة الإيرانيّة اعترف، ولأوّل مرّة، بأنّ سفينة حاويات إيرانيّة تعرّضت لهُجومٍ إرهابيّ في البحر المتوسّط يوم الأربعاء الماضي، وبث صورًا للأضرار التي لحقت بها، ولعلّ هذا الاعتِراف غير المسبوق هو "تبرير” و”تشريع” لضربات انتقاميّة وشيكة.
نِتنياهو، الذي تُؤكّد استِطلاعات الرأي الأخيرة، أنّه لن يُحَقِّق فوزًا حاسمًا في الانتِخابات القادمة تُؤهّله لتشكيل الحُكومة الجديدة، والبقاء في السّلطة، بات أمام خِيارين أحلاهُما مُرّ، إمّا الذّهاب إلى انتِخابات خامسة، أو إلى السّجن، ونحن نُرَجِّح الثانية.. واللُه أعلم.