قراءة ما بين سطور جولة لافروف الخليجية
إيهاب شوقي
تعكس جولة وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" جانبا كبيرا من صورة المنطقة والتوازنات الراهنة، وتؤكد القناعة القائلة بأننا نمر بمرحلة انتقالية في النظام الدولي، والذي يبدو على أعتاب تشكل جديد.
وقبل الخوض في دلالات الزيارة وما تعكسه ومضمونها الأهم والذي يخالف على الأغلب ما هو معلن، ينبغي أن نشير إلى زيارة لافروف السابقة في نفس التوقيت تقريبا من العام 2019، وتوضيح الفروق بينها وبين الزيارة الراهنة:
أولا: قام لافروف في الفترة من 3 الى 7 آذار/ مارس 2019 بجولة خليجية شملت قطر والكويت والإمارات والسعودية، بينما الجولة الراهنة استثنت الكويت، ويبدو ان هناك تركيزا روسيا في هذه الفترة على الدول الثلاث بعد إعلان المصالحة، وبالتالي انتفاء دور الوساطة الكويتية الذي جعل منها محطة لازمة في الزيارة الأولى.
ثانيا: في زيارة لافروف للسعودية قبل عامين، التقى بالملك سلمان، ولم يلتق بمحمد بن سلمان، بينما في الزيارة الراهنة التقى بمحمد بن سلمان ولم يلتق بالملك!
ولعل السر في ذلك يكمن في حصار ابن سلمان قبل عامين وغيابه عن الساحة مطاردا بالاتهامات في قضية خاشقجي، ولم يكن وقتها له غطاء سياسي سوى ترامب وهو ما جعله بعيدا عن الروس، بينما الوضع الراهن معكوس، حيث التوتر العلني بين ولي العهد وإدارة بايدن، مما يجعل من لقائه بالروس غطاء سياسيا!
يمكن الولوج إلى صلب الموضوع، وهو استغلال الروس للأوضاع المستجدة واكتساب مواطئ قدم جديدة، وتناول الدلالات مرفقة ببعض الملاحظات على النحو التالي:
1ـ التحرك الروسي يأتي في وقت مرت به فترة كافية نسبيا لاستكشاف إدارة بايدن ونواياها ومدى تباينها عن إدارة ترامب، ولعل الإشارات الصادرة من تردد الإدارة الجديدة وتخبطها في بعض الملفات وخاصة ملف المنطقة، شجع الروس على انتزاع المبادرة وملأ الثغرات التي خلفها الغياب الأمريكي وتردد إدارة بايدن بين خيارات ترامب الفاشلة وبين المضي في التعهدات الانتخابية، حيث ترى مراكز الفكر الأمريكية أن بايدن لم يخرج حتى الآن من عباءة ترامب وأنه لا يزال محافظا على السياسات التي انتقدها وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وملفاتها الرئيسية وعلى رأسها الملف النووي الإيراني.
وهذا التخبط ولد مخاوف أمريكية من استمرار السياسة العقيمة ونذر المواجهة مع إيران من جهة، ومن جهة أخرى ولد مخاوف من خسارة السعودية في عدة ملفات لخصها تقرير المجلس الأطلسي نصا كما يلي:
"من المرجّح أن تؤدي الإجراءات الأمريكية التي تقوّض احتمالات تولي ولي العهد للحكم إلى ردود فعل من الرياض على جبهات متعدّدة. يمكن تقليص الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي في القطاع الخاص الأمريكي؛ يمكن إعادة توجيه مشتريات الأسلحة السعودية المعلّقة والمستقبلية من الشركات الأمريكية إلى الشركات الصينية أو الروسية أو البريطانية أو الفرنسية؛ والتّعاون السعودي مع الصين في البرنامج النووي المدني للمملكة وفي برنامج الصواريخ، الذي يشرف عليه حاليًا فرع كامل من القوات المسلحة السعودية بمساعدة مستشارين صينيين مقيمين، يمكن أن يكثف. يمكن للحكومة السعودية أن تتّخذ قرارات بشأن إنتاج النّفط من شأنها أن يكون لها تأثير سلبي على أجندة بايدن للطاقة الخضراء أو ترفع أسعار الوقود إلى مستوى يُثير استياء قاعدة بايدن السياسية.
وقد تنظر المملكة العربية السعودية في طلبات من قوى عظمى أخرى أو حلفائها لإنشاء قواعد داخل المملكة، وإرسال عشرات الآلاف من الطلاب السعوديين الذين يدفعون تقليديًا الرسوم الدراسية كاملة في الكليات الصغيرة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة للعثور على وجهات تعليمية أخرى. من المرجح أن ترفض المملكة العربية السعودية بأدب أي طلبات أمريكية للمساعدة في استقرار سوريا أو تنسيق الإجراءات في العراق أو لبنان. في عام 2018، استجابت المملكة لطلب مباشر من بريت ماكغورك، المنسق الأمريكي لمكافحة داعش في ذلك الوقت، للحصول على 100 مليون دولار كمساعدات لتحقيق الاستقرار في سوريا".
وهو ما يفسر الدخول الروسي على الخط لسد الفراغ الأمريكي واقتناص العديد من الصفقات، وربما تلوح السعودية بهذه الورقة الروسية لمساومة بايدن لتغيير توجهه بشأن وراثة العرش لولي العهد.
2ـ تم طرح الملف السوري كملف رئيسي في جدول الزيارة ومؤتمراتها، وربما كان الملف غطاء للصفقات التجارية والاستثمارات بين الخليج وروسيا، إذ لا يمكن تسوية الملف بمعزل عن محور المقاومة، ولا يمكن فصل سوريا عن إيران وغيابها عن التسويات.
3ـ زيارة لافروف أوضحت القراءة الروسية للأطراف الفاعلة بالمنطقة، وهو ما يبرز الغياب المصري والتراجع المحزن لدور مصر في المنطقة.
4ـ ترافقت الزيارة مع تصريحات روسية موازية بدت كترضيات لتركيا، حيث أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، "ديمتري بيسكوف"، تقدير بلاده لإبداء تركيا الإرادة السياسية لإيجاد حلول وسط لأصعب المشكلات، وهو ما يبدو طمأنة للأتراك بأن الزحف الروسي للخليج لن يهدد العلاقات مع تركيا!
المحصلة أن أمريكا يمكن أن تهتز مكانتها وتترك فراغات كبيرة، رغم صعوبة غيابها التام في هذه المرحلة على الأقل، بينما المقاومة حاضرة ولا يمكن عقد تسويات من دونها، بل لا يمكن انتزاع تنازلات عن مبادئها مهما كانت التسويات، والروس يعلمون ذلك جيدا وهم أصدقاء للمقاومة رغم أن روسيا ليست من محورها ولا محملة بمبادئها، ولكن احترام المقاومة ينعكس على تصريحات روسيا وتحركاتها الجيوستراتيجية، والتي لا تمس المقاومة رغم محاولات التلميح والوقيعة التي تبثها عدة أبواق مشبوهة.