لقاء الأديان أو لزوم ما لا يلزم!
د. وفيق إبراهيم
لا يذهب هذا العنوان نحو موقف شديد السلبيّة كما يعتقد البعض من زيارة يقوم بها حبر دينيّ عالميّ الى العراق في مسعى منه للتقريب بين المسيحيين في العالم مع الإسلام الشيعي.
لكنه قد يريد إيجاد عمق لها يبرر هذه الأهمية الإعلامية من ناحية وإمكانية تحقيق أهدافها من ناحية أخرى.
هنا لا بأس من التشديد على النيات الطيبة التي يحملها البابا فرنسيس ساعياً بواسطتها للوصول الى جهتين عراقيتين، وهما مسيحيو العراق الذين قاسوا طويلاً من ضربات منظمتي داعش والنصرة ومنظمات أخرى مدعومة من تركيا كانت تنفد من الوسط العراقي بدعم من مرسليها وكانت ترتكب كدأبها أعمالاً طائفيّة تنسبها الى داعش والنصرة.
كان المطلوب تفتيت العراق الى مذاهب وطوائف وعصبيات تحوز على مناطق صغيرة وكان لا بد من تزخيم هذه الأدوار الصغيرة للطوائف لتحصيل المراد.
ما منع هذه النهاية الدراماتيكيّة هم شيعة العراق، الذين نجحوا مرة جديدة مستلهمين آراء مرجعهم الأعلى السيستاني بحماية العراق بأسره بكامل مسيحييه وأقلياته الأخرى وسنته.
اليوم لديهم بابا روما فرنسيس في زيارة رعوية، تحاول إضفاء علاقات أخوية بين المكوّنات الداخلية للعراق من جهة، وبين هذه المكونات ومسيحيي الجوار من ناحية ثانية. هذا بالإضافة الى تشذيب علاقاتهم بالقوى الإقليمية والدولية من ناحية ثالثة.
فهل ينجح البابا فرنسيس في هذه المهمات أم يكتفي بتأسيس علاقات بين شيعة العراق والفاتيكان على أساس ودي صرف؟ وهذا ممكن في هذا الزمن الصعب الذي تتحكم به العلاقات التحالفية الدولية وصولاً الى حدود تطويعها واستعمالها كأدوات في حروب إقليمية.
الشيعة في العراق على علاقة تحالفية عميقة مع إيران سببها تعرّض الشيعة لهجمات متواصلة من فئات سنيّة مدعومة من الخليج.
كما أنهم يتعرّضون لهجمات من الأميركيين مباشرة أو عبر قوى سنية تتسلّح وتتموّل من الخط الأميركي – الخليجي. والدليل أن الدولة العراقية تنفذ في بعض الأحيان هجمات على قوى الدولة بقيادتها الشيعية وتنحاز الى القوى المضادة في محاولة مكشوفة لإظهار عجز الدولة العراقية عن التوحّد حول قيادة واحدة قوية.
اما لماذا؟ فإن الأميركيين حريصون على القول إن لا إمكانية لبناء دولة واحدة في العراق ما يظهر أن الأميركيين جانحون نحو تقسيم العراق الى ثلاث دول على الأقل شيعية على مقربة من حدود إيران وسنية في الوسط وكردية مستقلة تماماً.
فهل هذا يسير في العراق؟ يبدو أن أمور التقسيم أصبحت صعبة بين السنة والشيعة، الممكن هو التقسيم مع الأكراد فقط. وهذا ما هو حاصل عليه الأميركيون الذين لم يكتفوا بهذا الإنجاز الكردي لكنهم يسعون الى انجازات شيعية – سنية كأن يجري تفجير القيادة الأساسية وإعادة ارض السواد الى حالتها الاولى، وذلك بدعم خليجي يفعل المستحيل ليطبق مسألة تفجير العراق.
العراق إلى أين؟
إن الاشتباكات التي يقوم بها الأميركيون عند منطقة الحدود السورية العراقية يبدو انها مفبركة لغايات الصراع السني الشيعي. هذا بالإضافة الى اشتباكات داخل القيادة المركزية الاساسية.
لذلك في العراق تقف صراعات قاسية تضم الأميركيين والخليجيين الى جانب الإيرانيين وهؤلاء مصرّون على ان استمرار تدخلهم في بغداد لا يمرّ إلا باستمرار الصراعات في الداخل. وهذا يعني أن الموضوع العام ذاهب الى مناحٍ صعبة ويؤسس لقتال محليّ أو إقليميّ صعب بدوره.
إيران مثلاً ذات الدور الاساسي في العراق وسلطته المركزية لن تستكينا بمجرد مطالب أميركية بالانسحاب او المشاركة الاساسية في السلطة. فإيران ترمي بثقلها على نحو 10 في المئة من مساحة العراق موازية لانتشار قوته المركزية من السلطة. وهذا يبيح لها عدم تقديم تنازلات هامة يريدها الأميركيون والخليجيون لأن النظام الإيراني متيقن انه الأقوى في العراق الذي دفع فيه أكلافاً عالية من السلاح والتمويل والتدريب ويشكل مثابة قلب النفوذ الإيراني في المنطقة الغربية.
فهل يستطيع الأميركيون والخليجيون منافستهم فيه؟
هذا أمر صعب جداً لان حجم القوى الأميركية – الخليجية هي أكثر ضعفاً منذ ذلك، وتعجز عن مصارعة قوى إيران إلا على مستوى الدول، بمعنى أن الأميركيين يراهنون على الخليجيين لتأمين توازن وكذلك قوى الخليج فإنها تتحرّك مادياً لتأمين بعض ما تريده داخل العراق.
العراق إذاً رهن صراع أميركيّ خليجيّ إسرائيلي مقابل قوات عراقية تتلقى دعماً من إيران وسورية ولها تأييد كبير داخل الغالبية العراقية التي تنتمي إليها. فهل يستطيع الانتصار؟
إن عصر الاحتلال الاميركي ذاهب الى زوال وقد يحتاج الى وقت غير طويل، لكنه عائد على عراق السواد بدولة مركزيّة تشارك في صناعة سياسة المنطقة.