بين صلاحية الكونغرس والرئيس.. العدوان الأميركي مستمر
شارل ابي نادر
"أعبر عن قلقي الشديد من الغارة الجوية الأميركية في سوريا لأنها تضع بلدنا على طريق حرب لا نهاية لها بدلًا من إنهائها، وهذا هو نفس الطريق الذي اعتمد لأكثر من عقدين، كما ويجب أن ينتهي التدخل العسكري في الشرق الأوسط وفي أي مكان آخر، فصحيح أن مسؤولية الرئيس حماية الأميركيين إلا أن الدستور واضح بمنح صلاحية إعلان الحرب للكونغرس وليس للرئيس". هذا الكلام الواضح والصريح للسيناتور الأميركي الديمقراطي بيرني ساندرز، والذي من المفترض أن يكون له وقع مؤثر في سياسة الإدارة الأميركية، حيث يعتبر السيناتور المذكور والذي كان المرشح الأخير عن الحزب الديمقراطي بمواجهة الرئيس بايدن، والأقدم خدمة في مجلس الشيوخ كمرشح ديمقراطي مستقل، مر مرور الكرام على وسائل الإعلام وفي أروقة الكونغرس والإدارة الأميركية، وكأنه لم يكن، فهي ليست المرة الأولى التي نسمع فيها اعتراضًا نيابيًا أو إعلاميًا أو دبلوماسيًا داخليًا أميركيًا على قرار اعتداء خارج الأراضي الأميركية، تقوم به وحدات عسكرية أو أجهزة مخابراتية أميركية.
في الواقع، تاريخ السياسة الأميركية مليء بهذه الاعتراضات على قرارات الإدارة، من قبل الجمهوريين إذا كان الرئيس ديمقراطي أو العكس، وأحيانًا كانت تصدر هذه الاعتراضات من أعضاء بمجلس الشيوخ من حزب الرئيس، كما فعل السيناتور الديمقراطي ساندرز، ولكن عمليًا، لم تكن هذه الاعتراضات لتغير شيئًا في أية واقعة أو حادثة أو عدوان خارجي تنفذه الوحدات العسكرية بأمر من الرئيس، وكانت تتلاشى تأثيراتها مباشرة بعد كل عدوان، وتتابع الإدارة استراتيجيتها كما تعودت، بحجج أصبحت وكأنها نماذج ثابتة وجاهزة: "حماية الأمن القومي" كما يحدث في أغلب التدخلات الخارجية في كل أصقاع العالم، أو "لمنع خطر محدق أو مرتقب على الوحدات العسكرية"، كما كان تبرير ترامب في عملية اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني ورفاقه، أو "لحماية الرعايا الأميركيين أو المتعاملين مع تلك الوحدات.
هذه الاعتداءات الأميركية، والتي هي بالأساس تخالف القوانين الدولية وأغلبها لا تحصل على غطاء أو قرار من مجلس الأمن، كانت تحصل بقرار يتخذه الرئيس شخصيًا، بإقتراح من صقور إدارته، وزير الحرب أو وزير الخارجية أو مدير الـ"سي آي أي"، والمُقترِح الأول والأكثر تأثيرًا في قرارات الرئيس في أغلب الاعتداءت، يكون بالعادة مستشار الأخير للأمن القومي.
من ناحية أخرى، الإشكالية التي طالما استند إليها أغلب مدّعي الاعتراض على قرارات الرئيس العدوانية، أو منتقديها، لم تكن تدخل أو تركز على جوهر حصول الاعتداءات بمخالفتها للقوانين الدولية، أو بحجة ما تسببه عبر العالم من خسائر في الأرواح والممتلكات، بل كانت تركز على خصوصيات داخلية، تتعلق بالتنافس بين الحزبين وبالصراع على الصلاحيات، بين ما يحتاج لموافقة الكونغرس وما هو من صلاحية الرئيس الحصرية، وأين تتجاوز الثانية الأولى وأين تستطيع الإفلات منها.
حسب الدستور الأميركي، يمكن للرئيس إرسال قوات عسكرية إلى مناطق خارج البلاد لمدة 30 يومًا، لكن إذا أراد تمديد مهمة القوات المرسلة، فعليه الحصول على موافقة الكونغرس. ولا يملك الرئيس مبدئيًا صلاحية إعلان الحرب، لأن القرار يعود إلى الكونغرس، وله الحق (للكونغرس) بالاطلاع من وكالات المخابرات الأميركية على معلومات الأمن القومي العالية السرية، والتي تشمل بعضًا من أدق الأسرار الحكومية، ومنها تفاصيل عمليات التجسّس وطرق جمع المعلومات السرية، كعمليات التنصّت المثيرة للجدل التي تقوم بها وكالة الأمن القومي.
وهنا، يمكن استنتاج هذا الهامش الواسع في تفسير "الحرب" أو "الأعمال التي تدخل ضمن حماية الأمن القومي"، والتي مع تداخلها مع بعضها بعضاً، ينتج عنها حتمًا تداخل في الصلاحيات، وحيث يملك الرئيس صلاحية وسلطة إدارة وقيادة القوات المسلحة ووحدات الأمن والمخابرات، تكون له اليد الطولى في قرار الاعتداء، في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي تبرير.
من الطبيعي أن هذه الثغرة الدستورية لم تخفَ عن المشرّع الأميركي عند وضع الدستور، أو عمن تناوب لاحقًا على السلطة أو على الكونغرس، ولكن ما يحدث عمليًا، أن النظام الأميركي الذي يحميه وتديره الدولة العميقة، يرعى تلك الاعتداءات ويرعى أيضًا تلك الاعتراضات عليها، بشكل يبقي التوازن بين حماية ومصلحة الامن القومي أو أية مصلحة أخرى تقررها الدولة العميقة، وبين صلاحيات الرئيس التي لا يجب المس بها، لأن في ذلك مسّاً بعظمة الولايات المتحده الأمريكية، ومن جهة أخرى، تبقي الفرصة للنواب أو الشيوخ المعارضين وللإعلام المراقب كسلطة خامسة، للتعبير عن اعتراضاتهم، بشكل لا يمس جوهر قرارات الرئيس، بل فقط يبقي على صورة الديمقراطية، والتي هي عمليًا تكون هشة وغير مؤثرة بتاتًا، وخاصة في ما خص الاعتداءات الأميركية على الشعوب والدول والمجموعات المناهضة لسياستها.