هل تَقِف إيران خلف الهُجوم الصّاروخي على سفينةٍ إسرائيليّةِ المُلكيّة في خليج عُمان؟
وما مدى صحّة التّسريبات حول احتماليّة نقلها معدّات عسكريّة؟ وماذا كانت تفعل في ميناء الدمام السّعودي؟ وهل نقلت طِهران حربها الانتقاميّة لمقتل الجِنرال سليماني وعلى ذروتها إلى البِحار المَفتوحة؟
جاء الاهتِمام بالانفِجار الذي استهدف سفينة إسرائيليّة في خليج عُمان يوم الخميس الماضي محدودًا بسبب انشِغال وسائل الإعلام العربيّة والعالميّة، بالاتّصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والعاهل السعودي، والكشف بعده عن مضمون تقرير المخابرات الأمريكي الذي أكّد أنّ الأمير محمد بن سلمان هو الذي أرسل فريق تابع لاستِخبارات بلاده لاغتِيال الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول، ولكن الحال تغيّر بعد توجيه "إسرائيل” الاتّهام رسميًّا إلى إيران بالوقوف خلف هذا الهُجوم، ووجود علاقة قويّة بين مالك السّفينة ويوسي كوهين رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، والأهم من ذلك أنّ السّفينة كانت في طريقها من ميناء الدمام السّعودي إلى سنغافورة، الأمر الذي طرح العديد من علامات الاستِفهام حول أسباب توقّفها في الميناء السّعودي المذكور المُقابِل للسّواحل الإيرانيّة، وفي هذا التّوقيت بالذّات، ولأيّ غرض؟
لا نعرف مدى صحّة هذا الاتّهام الإسرائيلي لإيران وفي خليج عُمان على وجه التّحديد، ولكن ما نَعرِفه أنّ هذه المِنطقة البحريّة الحسّاسة القريبة من مضيق هرمز شَهِدَت في عام 2019 تفجير أربع ناقلات نفط إماراتيّة وسعوديّة ونرويجيّة في ميناء الفجيرة المُطِلّة على الخليج نفسه من خِلال إقدام فريق كوماندوز بحَري (ضفادع بشريّة) بالتّسلّل إلى المِنطقة وإلصاق ألغام بالجُزء المغمور بالمِياه فيها، ولم تَكشِف التّحقيقات التي أُجريت من قِبَل دولة الإمارات عن أدلّةٍ ثابتةٍ تُؤكّد الجهة التي نفّذتها، وإن كان الجانب الأمريكي الذي حقّق خبراؤه بالهُجوم أيضًا، وجّه أصابع الاتّهام إلى إيران وعلى لسان جون بولتون، مُستشار الأمن القومي الأمريكي في حينها.
هُناك تسريبات صحافيّة تقول إنّ السّفينة المُستَهدفة "هيليوس راي” يُمكن أن تكون ذات استِخدام مُزدوج، أيّ حمل السيّارات والمعدّات العسكريّة الثّقيلة مِثل الدبّابات أيضًا، ولكن لم يتم تأكيدها من قِبَل خُبراء النّقل البحري، رُغم أنّ الاهتِمام الإعلامي الإسرائيلي الكبير بالحادثة يُوحِي بأنّها لم تَكُن سفينةً عاديّةً لضخامتها، وخريطة سيرها.
السّؤال الذي لا يُمكِن تجاهله هو عمّا إذا كان هذا الهُجوم على السّفينة يأتي في إطار استراتيجيّة إيرانيّة للانتِقام لاغتِيال الجِنرال قاسم سليماني وعدد من الخُبراء النّوويين الإيرانيين على أيدي خلايا "الموساد” الإسرائيلي وكان آخِرهم العالم محسن فخري زادة، ومُقدّمة لنقل المعركة مع إسرائيل وحُلفائها الأمريكان والعرب إلى السّاحة الخارجيّة والبِحار المفتوحة؟
من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال في ظِل عدم صُدور أيّ رد فِعل إيراني على هذه الاتّهامات الإسرائيليّة باستِهداف السّفينة المذكورة، ولكن إذا صحّت، وهي تبدو "غير مُستَبعدة”، فإنّ الأسابيع المُقبِلة قد تشهد هجمات أُخرى ربّما تكون أضخم حجمًا وخسائر.
حتّى هذه اللّحظة لم تَكشِف التّحقيقات عمّا إذا كان الهُجوم تمّ بلُغمٍ بحريّ أو صاروخ، ورجّحت مصادر غربيّة خبيرة الاحتِمال الأخير، لأنّ الضّربة استهدفت الجُزء العُلوي من السّفينة، والتّرسانة الإيرانيّة حافِلةٌ بالصّواريخ البحريّة الدّقيقة، ولعلّ استِخدام "حزب الله” إحداها لتدمير بارجة عسكريّة إسرائيليّة كانت تُرابِط في المِياه الإقليميّة اللبنانيّة قُبالة بيروت أثناء حرب تمّوز عام 2006 أحد الأمثلة في هذا المِضمار.
الرّسالة التي ربّما أرادت الجهة التي تَقِف خلف هذا الهُجوم، أيًّا كانت هُويّتها تقول مُفرداتها إنّ البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب حيث الخُطوط الأكثر ازدحامًا للتّجارة البحريّة لن تكون آمنةً في المرحلة المُقبلة، خاصّةً للسّفن الإسرائيليّة والأمريكيّة، مدنيّةً كانت أو حربيّة، وبعد الهُجوم الذي شنّته طائرات أمريكيّة من طِراز "إف 15” قبل يومين على أهدافٍ لفصيل "حزب الله العِراق” المُوالي لإيران داخل الأراضي السوريّة قُرب الحُدود العِراقيّة وأسفرت عن مقتل 22 شخصًا، وإصابة العديدين.
لا نُجادل مُطلقًا بأنّ هذا التّصعيد له عُلاقة مُباشرة بالتّوتّر الحالي في العُلاقات الإيرانيّة الأمريكيّة على أرضيّة انسِحاب إيران من مُعظم التِزاماتها بالاتّفاق النووي، ووقف تعاطيها مع المُفتّشين الدّوليين لمُنشآتها النوويّة، والشّق المُفاجِئ من عمليّات التّفتيش خاصّةً، والتّهديد برفع مُعدّلات تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمِئة، وإصرارها على رفع جميع العُقوبات قبل الجُلوس على مائدة المُفاوضات مع الولايات المتحدة، وتهديدات بنيامين نِتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل” وجِنرالاته بتوجيه ضربات عسكريّة لتدمير هذه المُنشآت.
كُنّا، والكثيرون غيرنا، نعتقد أنّ حدّة التّوتّر ستَخِف بعد خُروج دونالد ترامب من البيت الأبيض ومجيء الديمقراطي جو بايدن، ولكن يبدو أنّ تفاؤلنا لم يَكُن في محلّه.. والأيّام المُقبلة قد تكون حافلةً بالمُفاجآت.. واللُه أعلم.
"رأي اليوم”