kayhan.ir

رمز الخبر: 127632
تأريخ النشر : 2021February27 - 20:58

وصايا غربيّة تستنزف لبنان؟


د. وفيق إبراهيم

تدفع الوصايات الغربيّة بالتعاون مع وكلائها المحليّين الى استنزاف الأوضاع الداخلية في لبنان لأهداف متعددة.

أول هذه الأهداف وأبرزها خلق صراعات داخلية تعرقل انتقال لبنان نحو أدوار وطنية او تَحُدُ من أدواره الجانحة إلى إسناد الأدوار الوطنية في الجوار السوري ونجاح حزب الله في مقاومة العدو الإسرائيلي.

كيف تلعب الوصايات وكيف تجابهها الأدوار الوطنية؟ وهل تنجح الوصايات في عرقلة الأدوار الوطنية؟

الواضح حتى الآن أن حزب الله ومعه سلسلة أحزاب وطنية نجحت في عرقلة أدوار الوكالات الأجنبية بمسلسل انتصاراتها على العدو الإسرائيلي والوصايات التاريخية على الدولة اللبنانية.

تجسّد نجاحها في محاربة «إسرائيل» والادوار السياسية التي تمكنت فيها من التسلل الى قلب الدولة اللبنانية التقليدية وانتزاع حصة وازنة من القرار السياسي.

لكن انتشار جائحة كورونا أدى الى توقف صعود القوى الوطنية مع احتفاظ قوى التقليد بهيمنتها على الدولة.

لم تكتف بهذه الهيمنة بل ذهبت ناحية الوصايات الغربية والخليجية، تستعملها للقضاء على القوى الوطنيّة حتى أنها ذهبت ناحية قوى الدين الاسلامية والمسيحية لاستعمالها في مجابهة القوى الوطنية. فهل تنجح هذه الآليات؟

الواقع أن القوى الوطنية اللبنانية ليست معادية للدين، لكنها تجد نفسها مضطرة الى تجاهلها او الى الردّ الحذر جداً عليها.

واذا كان الرئيس نبيه بري قادراً على لجم الدور الديني للطائفة الشيعيّة، فإن الرئيس سعد الحريري نجح في الإمساك بالإفتاء السني واستعماله لمصلحة حزب المستقبل بتأييد أميركي – خليجي، وكذلك فإن البطريركية المارونية التي تعتبر لبنان من صنائعها، فكان بطريركها أبرز المحركين السياسيين ضد القوى الوطنية، وذلك عبر ولائه للغرب وإمساكه بالكنيسة وبعمقها الانتدابي، متمكناً من الإمساك بالكنيسة وتحالفاتها مع الاميركيين والفرنسيين والخليج.

نيافة الكاردينال بشارة الراعي هو أقوى مسؤول ديني وسياسي في لبنان يحاول لعب دوره المعرقل لتقدم القوى الوطنية وذلك بطرق عدة: تأليب المسيحيين على القوى الوطنية وبناء شبكة تحالفات مع سعد الحريري ووليد جنبلاط والمنهزمين من الشيعة والسنة وبعض الشتات المسيحي في حلف يردع تحالف الأحزاب الوطنية.

اما الوزير السابق وليد جنبلاط فيجب الإقرار أنه تمكن من إغلاق المناطق الدرزية في وجه الآخرين وعندما استكمل هذا التجميع انتقل الى الساحة الوطنية ليؤدي دور الحليف المستفيد من تحرّكات البطريرك والحريري.

بذلك تكتمل أشكال الصراعات في الساحة الوطنية اللبنانية بشكل يتسبّب بإحراج للقوى الوطنية التي تجد نفسها محرجة في أي من هذه الصراعات لأبعاده الطائفية والمذهبية.

لبنان اذاً في دوامة طائفية مستحيلة، تجد أحزابه الوطنية نفسها في الحد الأدنى المسموح به من النزال المقبول وغير المتسبب بعداءات وطنية، لذلك فهو صراع خفيف تعجز الاحزاب الوطنية عن أداء أدوارها الوطنية الكاملة بل بالاكتفاء بأدوار دفاعية لا تؤدي الى إلحاق هزيمة بالطرف الآخر.

لذلك فإن الوضع اللبناني اليوم منقسم بين أحزاب وطنية مدعومة سورياً وفلسطينياً وإيرانياً وبين قوى لبنانية اخرى طائفية تحمي نفسها من الأميركيين والفرنسيين وقوى الخليج بشبكة دعم مالية وتسليحية وسياسية هي الأضخم من نوعها، وتجمع في الداخل من الأحزاب الطائفية المختبئة بعباءات خليجية وأميركية وفرنسية.

فهل الحلول مسدودة؟

لا شك في أنها صعبة لكنها تجد طرقاً مفتوحة نظراً لقوة هذه الأحزاب الوطنية وتحالفاتها في سورية والجوار.

لبنان إلى أين اذاً؟ يتجه الى انسداد في الحوار الداخلي وعجز من كافة أطراف الصراع عن حسم المعارك الداخلية، لكن الأحزاب الوطنية تبقى الجسم الأساسي القادر على إرباك الدور الغربي في لبنان وتعطيل امتيازاته التاريخية من زمن الوصايات. والدليل ان هذه القوى الطائفية تجد نفسها مضطرة الى اللجوء الى الكاردينال الماروني لمزيد من حمايات للنظام السياسي اللبناني التاريخي أي لحماية اوضاعها المستولية على لبنان الوصاية الأجنبية.

هذا بالإضافة الى التحالف المتجه للتضامن بين سعد الحريري والبطريركية المارونية مع احزابها التقليدية وجنبلاط وآخرين من مختلف مذاهب الشيعة والسنة والمسيحيين.

هناك ملاحظة هامة تتعلق في أن تحرك هذه القوى التقليدية يحاصر الدور الوطني المعادي لـ»إسرائيل» والغرب، وكأنه مفتعل عمداً من اجل هذا المخطط.

فهل تنجح هذه الوصايات في الأدوار المنوطة بها؟ بإمكانها ان تتسبب بعراقيل نسبية، لكن استمرار تقدم الدور الإيجابي للقوى الوطنية، منوط بتحالفاتها الداخليّة الوثيقة ومدى الدعم الوطني الخارجي لها وهذا أمر ممكن نظراً لوحدة المسار والمصير بين قوى لبنانية وسورية وعربية تجد نفسها مضطرة لمزيد من التماسك من اجل منع الوصايات الغربية من مزيد من إلحاق الأذى بالدور الوطني للأحزاب الوطنيّة التي تتجه الى تعميق أدوارها في الداخل اللبناني على حساب تراجع أدوار الوصايات اللبنانية المرتبطة بالغرب.