قبائل مأرب تكسر الخطوط الحمر: لا مكان للسعودية بيننا!
توازيا مع استمرار تقدمها في اتجاه مدينة مأرب، تكثف قيادة صنعاء اتصالاتها مع القبائل من أجل تجنيب المدينة القتال. وهو ما يقابَل بتجاوب ملحوظ من قِبَل الفاعليات القبلية، التي أبدت استعدادا غير مسبوق لكسر الخطوط الحمر السعودية. في هذا الوقت، تواصل الرياض استنفارها، محاولة بشتى الوسائل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في مأرب، من دون أي نتيجة لصالحها إلى الآن .
بالتزامن مع تحقيق قوات صنعاء مكاسب جديدة في الجبهتين الشمالية والغربية لمدينة مأرب، وتمكنها خلال الساعات الـ24 الماضية من التقدم في قلب وادي ذنة الواقع بين ضفتي سد مأرب، فضلا عن تقدم آخر مواز في البلق القبلي وصولا إلى نقيل مدرج، من شأنه أن يمكن الجيش واللجان الشعبية من عزل مناطق مراد عن جنوب المدينة، أكدت قبائل المحافظة أن الخطوط الحمر التي كانت رسمتها السعودية قد انتهت، وذلك بعدما فتحت حكومة الإنقاذ جميع قنوات التواصل مع تلك القبائل لتجنيب مركز المحافظة القتال، متيحة لمقاتلي الطرف الآخر فرصة «الخروج الآمن».
إزاء ذلك، جددت الرياض تهديداتها للقبائل الموالية لهادي باستهدافها في حال التعاطي مع أي مبادرات سلام جديدة صادرة عن قيادة صنعاء. وهو ما قوبل برد واسع رافض لتلك التهديدات؛ إذ عقد في صنعاء، خلال اليومين الفائتين، أكثر من لقاء بين قيادات عسكرية عليا في وزارة الدفاع في صنعاء والعشرات من كبريات قبائل مأرب ومن مشائخها وأعيانها. كما عقد، أمس، اجتماع موسع بين «لجنة المصالحة الوطنية» التابعة لـ»المجلس السياسي الأعلى» وعدد من كبار القيادات العسكرية والأمنية وأعضاء من مجلسي النواب والشورى و»هيئة شؤون القبائل». وأيدت جميع اللقاءات تحرير المدينة من سيطرة القوى الموالية لـ»التحالف»، وشددت على تجنيب النازحين فيها أي مخاطر.
وأوضحت مصادر قبلية، في حديث إلى جريدة «الأخبار»، أن سلطات صنعاء قدمت أكثر من خيار للمقاتلين في صفوف «التحالف»، من بينها العودة إلى صنعاء مقابل منحهم الأمان، أو فتح ممر عبور آمن لمن يريد منهم الخروج إلى المحافظات الشرقية. ونقلت المصادر عن رئيس جهاز الاستخبارات، اللواء أبو علي الحاكم، تأكيده أن «تكرار الدعوات للمغرر بهم يعبر عن تصميم وإرادة قويين لطرد المحتل والغازي من كل أراضي البلاد، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وهذه الدعوات ليست ضعفا كما يتوهم العدو، بقدر ما تؤكد حرصنا على حقن الدماء».
وأشار إلى أن «ما وصلت إليه القوات المسلحة من مهارات قتالية تكتيكية عالية ومتطورة»، يجعلها «قادرة على خوض أشرس المعارك»، مضيفا أن «الهدف الاستراتيجي من العملية العسكرية هو استعادة مأرب التاريخ والحضارة، ودحر الغزاة وأدواتهم في كل شبر من أرض الوطن». وفي حين كلفت وزارة الدفاع و»هيئة شؤون القبائل»، مشائخ مأرب، بالتواصل مع بقية القبائل المصطفة إلى جانب «التحالف» لإقناعها بالعدول عن موقفها، نقل موقع الجيش في صنعاء، عن نائب رئيس الأركان العامة اللواء علي الموشكي، دعوته أبناء مأرب إلى الوقوف مع الجيش و»اللجان» من أجل استعادة السيادة الوطنية، مؤكدا أن القادمين لتحرير المحافظة هم من أبنائها. ودعت الأمانة العامة لـ»حزب المؤتمر الشعبي العام» في صنعاء، من جهتها، أبناء مأرب ومشائخها وعلماءها وشخصياتها الاجتماعية إلى التعاون مع قوات صنعاء.
وجاءت لقاءات صنعاء تزامنا مع إعلان عدد كبير من القبائل اليمنية النفير العام، وتأييدها الجيش و»اللجان» في معركة تحرير مأرب. ووفقا لمصادر مطلعة، فإن تحريك «الإنقاذ» قنوات التواصل مع الجانب القبلي أتى بعد تلقيها اتصالات مكثفة من مختلف قبائل مأرب، أكدت وجود رغبة محلية في تجنيب المدينة الدمار، فضلا عن إدراك قيادة صنعاء حقيقة السخط الشعبي على ميليشيات «الإصلاح» التي احتلت المحافظة منذ ست سنوات، واستحوذت على الثروة والسلطة، وأمعنت في استخدام القوة ضد أبناء القبائل. وهو ما أكده رئيس «لجنة المصالحة» في صنعاء، يوسف الفيشي، أمس، بقوله إن «ميليشيات الإصلاح استهدفت كل قبائل مأرب بالسلاح الثقيل، ووضعت المحافظ المحسوب على الإصلاح، سلطان العرادة، واجهة لنهب ثروات مأرب والدفاع عن مصالح الإخوان»، مضيفا أن «أبناء مأرب لن يرفعوا بنادقهم في وجه الجيش واللجان».
بالتوازي مع ذلك، تستمر المحاولات السعودية، عبر القنوات الدبلوماسية الخلفية، لوقف تحرير مدينة مأرب، التي كانت الرياض حتى العام الماضي تعتبرها خطا أحمر... لكن آليات الضغط التي سبق لها أن استخدمتها خلال السنوات الماضية لإبقاء مأرب تحت وصايتها الكاملة، فشلت أخيرا، وحتى الورقة الإنسانية التي تحاول اللعب بها بحكم وجود العشرات من مخيمات النازحين في محيط مأرب، تتعامل معها صنعاء بحرص شديد على تجنيب المدنيين الخطر.
ويرى مراقبون أن تحرير مأرب يعد ضربة مزدوجة؛ لحكومة هادي التي سينهي ما تبقى لها من نفوذ وسيطرة على الأرض، وللسعودية التي ستخسر به آخر معاقل وصايتها في اليمن. ومن هنا، حذر موالون لحكومة المستقيل هادي، الرياض، من تداعيات سقوط كامل المحافظة، التي تعد بحسبهم خط الدفاع الأول عن مدينتي جيزان وشرورة السعوديتين، وسيفتح سقوطها الباب أمام حركة «أنصار الله» لتوسيع نفوذها إلى كامل الحدود السعودية المشتركة مع اليمن، فضلا عن أن وقوع محافظة نفطية تحت سيطرة قوات صنعاء سوف يتيح للأخيرة تطوير مهاراتها القتالية، والتحول إلى قوة عسكرية كبرى ستهدد أمن السعودية والخليج خلال السنوات المقبلة. وذهب مدير التوجيه المعنوي السابق لقوات هادي في مأرب، اللواء محسن خصروف، إلى حد القول إن سقوط مأرب مقدمة لسقوط الرياض.