ما هو القرار الخطير الذي قد يتّخذه الرئيس بايدن بعد الكشف عن تفاصيل التّقرير السرّي “المُرعِب” عن اغتِيال خاشقجي بعد ثلاثة أيّام؟ وعلى أيّ أُسس سيتم تنظيم العُلاقة الجديدة بين البلدين؟ وما دخل الصين وأقليّة “الإيغور” فيها؟ ومن أبرز ضحاياها؟
السيّدة جين سكاي، المُتحدّثة باسم البيت الأبيض، "تطوّعت” يوم الخميس الماضي بالكشف في مُؤتمرها الصّحافي بالحديث عن عزم إدارتها إعادة "تنظيم” عُلاقتها بالمملكة العربيّة السعوديّة، وحصر تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع العاهل السعودي الملك سلمان فقط، والأهم من ذلك كلّه، التَّعهُّد بكشف النّقاب عن مضمون تقرير سرّي حول تفاصيل عمليّة اغتيال الصّحافي جمال خاشقجي في غُضون أيّام.
بالنّظر إلى ضبط العُلاقات المُتّبعة بين الدول، وخاصّةً بين دولةٍ عُظمى مِثل الولايات المتحدة، ودُول صُغرى، أو كُبرى في العالم، فإنّ المنطق يقول، بأنّ السيّدة سكاي لا يُمكِن أن تَكشِف عن مِثل هذه المعلومات إلا استِنادًا لوجود "مِلف” مُتكامِل حول فحوى "التّنظيم”، وأُسُس العُلاقة الجديدة مع المملكة العربيّة السعوديّة التي ستتمخّض عنه.
فرفع السّريّة عن تقرير اغتِيال الصحافي خاشقجي الذي يتضمّن وثائق وأدلّة مُدعّمة بالصّوت والصّورة عن تفاصيل عمليّة الاغتِيال وتقطيع الجُثمان المُرعبة داخِل قنصليّة السعوديّة في إسطنبول، لا يُمكِن أن يكون من أجل إشباع نهم الصّحافة فقط، وإنّما لإلحاقِه بقراراتٍ "محوريّة” في إطار عمليّة إعادة ضبط العُلاقة مع السّلطات السعوديّة أيضًا، خاصّةً أنّ السيّدة إفريل هاينز رئيسة "السي آي إيه” أكّدت أنّ خُلاصة هذا التّقرير تُؤكّد أنّ الأمير بن سلمان هو الذي أصدر الأوامر لفريق الاغتِيال بقتل الضحيّة وإخفاء جُثمانه حرقًا أو تذويبًا، وإلا لماذا يَحمِل فريق الاغتِيال مِنشارًا كهربائيًّا وأحماضًا مُذيبةً.
تركيز إدارة بايدن على إنهاء حرب اليمن التي وصفتها بأنّها "كارثة إنسانيّة” لا يُمكن أن يتم دون "مُعاقبة” الشّخص الأوّل المسؤول عن إشعال فتيل هذه الحرب وكُل ما تَرتّب عليها، أيّ الأمير بن سلمان، وليّ العهد ووزير الدّفاع في بلاده، وقد يتم توظيف عمليّة اغتيال خاشقجي كخطوة رئيسيّة في إطارِ هذا التوجّه.
الأمير بن سلمان تلقّى الرّسالة الأمريكيّة، وفَهِمَ جيّدًا مضمونها مثلما فَهِمَ توجّهات الإدارة الأمريكيّة الجديدة بتبنّي مِلفّات حُقوق الإنسان كسِلاحٍ جديد يُشَكِّل جوهر سِياستها في العالم، ولهذا بادر فورًا بإصدار مراسيم بإصلاح النّظام القضائي السّعودي، والإفراج عن بعض المُعتقلين، والمُعتقلات في سُجون بِلاده على رأسهم عدد من المُوظّفين السّعوديين الذين يَحمِلون الجنسيّة الأمريكيّة، والنّاشطة الحُقوقيّة الأشهر السيّدة لجين الهذلول، ولكن هذه الإجراءات، على أهميّتها، تظل نقطة في بحر بالنّظر إلى الأعداد الضّخمة للمُعتقلين السّعوديين، ومن بينهم أُمراء كِبار مِثل الأمير محمد بن نايف وليّ العهد السّابق، والحليف الاوثق لإدارة أوباما الديمقراطيّة في الحرب على الإرهاب، وعمّه الأمير أحمد بن عبد العزيز والقائمة تطول.
الرئيس بايدن الذي سيجعل من الصين العدوّ الأكبر على قائمة استراتيجيّته الجديدة، لا يُمكن أن يتحدّث عن اضّطهاد أقليّة الإيغور المُسلمة في غربها، ويُقيم في الوقتِ نفسه عُلاقةً وثيقةً مع المملكة العربيّة المُسلمة التي تملك واحد من أضخم مِلفّات انتِهاكات حُقوق الإنسان في مِنطقة الشّرق الأوسط، وربّما العالم بأسره، أو يتوصّل إلى حَلٍّ بوقف الحرب في اليمن.
بعد كشف تفاصيل هذا التّقرير السرّي حول اغتِيال خاشقجي في الأيّام القليلة المُقبلة، يُمكِن التَّكهُّن بأنّ العُلاقات السعوديّة الأمريكيّة بعده ستكون مُختلفةً كُلِّيًّا عمّا كانت عليه قبله، ومن المُستَبعد أن يكون للأمير بن سلمان الدّور الأكبر فيها، هذا إذا وجد هذا الدّور واستمرّ أساسًا.. واللُه أعلم.
"رأي اليوم”