'تفاصيل صغيرة' قد تعيدها للمربع 'صفر'
حتى الآن، لم تتقدم المصالحة الخليجية خطوات أكثر من فتح الحدود والأجواء، على نحو يشبه السلام البارد بين الطرفين.
وفي حين تقول الاخبار ان برقيات تعزية وصلت من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، فضلا عن رفع علم قطر في سفارتها في المملكة، هناك أخبار أخرى بما يشير إلى وجود شوائب.
فقبل يومين، قال وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني، جملةً تشير إلى أن جُرحَ الأزمة الخليجية المنحلة لم يلتئم بشكلٍ تام.
وقد كشف الوزير عن تأخر قطر في الرد على دعوة بلاده لعقد مباحثات ثنائية لتسوية القضايا والمسائل العالقة بين البلدين، التزاما بما جاء في بيان العلا وحفاظًا على تماسك مجلس التعاون وتعزيز مسيرته.
ورغم أن الوزير نفسه قال سابقا إن الوضع سيعود مع قطر إلى ما قبل 5 يونيو/حزيران 2017، لا تزال هناك تراشقات إعلامية تشير إلى أن تلك العودة قد يطول انتظارها.
فخلافًا لتصعيد الهجوم ضد قطر من قبل البحرين على خلفية النزاع البحري حول الصيد، شن وزير الخارجية السابق خالد بن أحمد، والذي يعمل حاليا مستشارا للملك، هجوما حادا قبل أيام على قطر وعدد في تغريدات على تويتر ما وصفه بوقائع تثبت تآمر قطر على الدول الخليجية.
قد يبدو ذلك شيئًا منطقيًا لدى البعض، لكنّه قد يكون إشارةً لأمرٍ آخر إذا وضع مع تصريحات أخرى لطرفين آخين في الأزمة، أولها ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية سابقا، أنور قرقاش، الذي قال إن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر يتطلب مزيدا من الوقت ريثما تعمل الأطراف على إعادة بناء الثقة.
وقال قرقاش في مؤتمر صحفي عبر الفيديو، إن مسائل مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة ستستغرق وقتا نظرا لاستمرار وجود جوانب خلاف، من بينها قضايا جيوسياسية مثل إيران وتركيا وجماعات الإسلام السياسي، التي تعتبرها بعض النظم العربية خطرا وجوديا.
وتابع "بعض المسائل أسهل في إصلاحها وبعضها الآخر سيستغرق فترة أطول"، مضيفا أن مجموعات العمل الثنائية ستحاول تحريك الأمور. وقال "لدينا بداية جيدة جدا... لكن لدينا مشاكل تتعلق بإعادة بناء الثقة".
هذه التصريحات وصفتها قطر بأنها "محاولات هامشية متوقعة لتعكير صفو الأجواء الإيجابية للمصالحة الخليجية".
أما في مصر، فقد نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين مصريين، قولهما إنه جرى الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر على أن تكون "تحت الاختبار".
كما قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري إن "مصر تقيم حاليا إلى أي مدى هناك التزام بالتعهدات من قبل الجانب القطري، كما ترصد بشكل يومي كل ما يذاع على القنوات الإعلامية من دولة قطر حتى تكون محل مراجعة"
فإلى أي مدى وصلت المصالحة؟ وهل انتهت الأزمة الخليجية فعلا؟ أم أنها لا تزال حبرًا على ورق خصوصًا أن الأمر لا يزال حتى الآن مقتصرا على فتح الحدود والأجواء، ولم يشهد لقاءات دبلوماسية على مستوى رفيع؟
واقع الأمر أن المصالحة لم تتطرق لحل أسباب الانقسام بين الدول الخليجية، مما يشير إلى احتمالية نشوب خلافات في المستقبل القريب، وفق تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، يشير إلى أن إنهاء المقاطعة تطور إيجابي لكنه غير كاف، إذ إن الأزمة الخليجية لم تنته بعد.
وتوقع تقرير المجلة أن تشدد هذه الاختلافات الاحتكاك داخل مجلس التعاون الخليجي خلال فترة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويرى التقرير أن التنافس المستمر بين الإمارات وقطر قد يعرقل أي تطبيع للعلاقات في الدول الخليجية. وفي الوقت الذي تدين الإمارات حركات الإسلام السياسي، تدعم قطر هذه الحركات مثل جماعة الإخوان المسلمين.
ويخلص التقرير إلى أنه حتى لو حاولت هذه الدول تجاوز شروخها الإيديولوجية، فإن الأولويات الجيوستراتيجية المتضاربة قد تعرقل الوصول إلى مصالحة حقيقية.
وأشارت المجلة إلى أن مجلس التعاون الخليجي لا يزال منقسما وهو ما سيعيق التعاون في القضايا الأمنية.
وبحسب تحليلٍ آخر نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هناك حسابات عدة دفعت إلى المصالحة الخليجية بقرار سياسي مسبق، وليس لتوفر شروطها أو استيفاء أسبابها، وهناك عوامل ضاغطة على صناع القرار بالدول الخليجية دفعت لإنهاء الأزمة وتغليب المصالحة.
ووفقا للتحليل، فإن "اتفاق العلا" لا يتضمن أي قوة إلزامية لتنفيذه إلا تقديرات الأطراف لمصالحها الوطنية والمخاطر على أمنها القومي من جراء استمرار الأزمة، لأن أهم ضمانة فيه هي "الإرداة السياسية" وفق قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في المؤتمر الصحفي بعد القمة، ومن ثم فكل طرف يتصرف وفقاً لما يراه حفاظاً على ثوابته ومصالحه الوطنية.
وفي تحليل نشرته شبكة "الجزيرة"، فإن هذه الديناميات المركبة تقدم فرصة حقيقية للوصول إلى توافق بين أطراف الأزمة حول شكل من أشكال السلام البارد والمؤقت.
وبحسب التحليل، سيكون هذا الاتفاق المبدئي مجرد خطوة على طريق طويل وشائك ومُفخَّخ بألغام المصالح المتضاربة.
والأهم أن ذلك التوافق الهش من غير المرجَّح أن يصبح خطوة على طريق عودة مجلس التعاون الخليجي إلى فاعليته التقليدية، فرغم حاجة الدول الأعضاء في المجلس إلى استعادة مظهر الوحدة، فإن هذه الوحدة الظاهرية لن تفلح طويلا في إخفاء مصالحهم المتباينة، بحسب تحليل الشبكة.
ولن يستغرق الأمر أكثر من بعض الوقت -طال أو قصر- قبل أن يدب الخلاف في أوصال المنظمة التي تتنازع قيادتها اليوم ثلاثة مراكز قوى متباينة في الرياض وأبو ظبي والدوحة، وفقا للتحليل.
ويرى التحليل أنه من بين دول الحصار الأربع، تبدو السعودية هي الأكثر حماسا لإعادة العلاقات مع قطر خدمة لمصالحها، مصالح يرتبط معظمها بهوية الرئيس القادم للبيت الأبيض. فمن المتوقَّع ألا تُنهي إدارة جو بايدن شهر العسل الطويل الذي عاشته الرياض في عهد ترامب فحسب، ولكنها تنوي أيضا سلوك نهج جديد في علاقتها مع إيران.
وأشار التحليل إلى ما نشرته "دورية إنتلجنس أونلاين" الفرنسية التي قالت إن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان سافر إلى الرياض في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي لإبلاغ محمد بن سلمان بمعارضته الشديدة لاستئناف الحوار مع قطر، وأن هذا هو موقف القاهرة أيضا، غير أن المصادر أفادت أن كلا الطرفين شرع في تخفيف موقفه خلال الأيام اللاحقة بعد ضغوط أمريكية، حيث أفاد موقع "تاكتيكال ريبورت" أن ولي عهد أبو ظبي أبلغ نظيره السعودي لاحقا أنه سحب تحفظاته على جهود المصالحة، وأن الإمارات لن تسعى إلى عرقلة مسيرة المفاوضات ما دام العاهل السعودي، الملك سلمان، يرغب في حل الأزمة.
لكن مباركة الإمارات المتأخرة نسبيا لجهود التفاوض، التي انعكست سريعا على نبرة خطابها الرسمي والإعلامي الذي بدأ يتبنى نبرة تصالحية نسبيا مع الدوحة، لا تعني أن أبو ظبي لديها نية لطيّ صفحة الخلاف الخليجي بشكل كلي، فلا تزال الإمارات تعتبر قطر منافسها الرئيس في المنطقة، وفقا لتحليل "الجزيرة".
سبوتنيك