ماذا وراء الضغط على العدوان بين مأرب والمطارات السعودية؟
شارل ابي نادر
ثمة من يتسائل عن سبب التصعيد الحالي الذي تمارسه وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية و"أنصار الله" في معركتهم الدفاعية عن اليمن بمواجهة العدوان، وعن جدوى متابعة الأعمال القتالية بنفس المستوى، حيث تحتاج هذه المرحلة الى التهدئة ومتابعة الاتصالات السياسية والانتظار الحذر.
هذا التساؤل يأتي في وقت تحركت فيه وعلى مستوى واسع، الاتصالات السياسية والديبلوماسية وخاصة الأميركية، للبحث عن حل للملف اليمني، وأيضًا في الوقت الذي تراجعت فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن قرار تصنيف "أنصار الله" على لائحة الإرهاب، وهذا التراجع نادرًا ما كان يحدث من قبل الإدارة الأميركية عن قرارت نافذة، على الأقل في وقت قريب من تاريخ إصدار القرار من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب.
عمليًا، لا تمارس وحدات حكومة صنعاء و"أنصار الله" تصعيدًا بالمعنى الحصري للكلمة، ولكنها تنفذ مناورة كاملة، تتطلبها دقة وخطورة وحساسية معركتها الدفاعية عن اليمن، ميدانيًا في تقدمهم الثابت والأكيد رويدًا رويدًا نحو أسوار مدينة مأرب وداخل مديرياتها الغربية أو الجنوبية أو الشمالية الشرقية، واستراتيجيًا في التركيز على استهداف أكثر من مطار سعودي، مدني أو عسكري أو مدني - عسكري.
طبعًا، هذا التصعيد ليس نتيجة ردة فعل عشوائية أو غير محسوبة من قبل أنصار الله، فهو مخطط ومدروس ويحمل كافة العناصر الإستراتيجية التي تتطلبها المعركة، والتي أصبحت تبرع بها حكومة صنعاء وحركة "أنصار الله"، بعد خبرة قاربت الست سنوات كاملة، من الدفاع والمناورة والصبر والتخطيط والصمود.
في الواقع، ليست المرّة الأولى التي يحكى فيها مع حكومة صنعاء وحركة "أنصار الله" عن طروحات للتفاوض والتسويات وايجاد حلول خارج الميدان، فقد فاقت هذه الفرص العشرات، والمشترك فيها كلها، أنها كانت تحدث عندما يكون هناك تقدم ميداني وعسكري لوحدات الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله"، في داخل جبهات اليمن أو على الحدود مع السعودية، أو كانت تحدث أيضًا، عندما تكون تلك الوحدات اليمنية مسيطرة على المسرح الاستراتيجي خارج اليمن، لناحية الاستهدافات (الدفاعية - الردعية) للمواقع الحيوية السعودية أو غيرها، بالصورايخ الباليستية أو بالطائرات المسيرة، وكان ذلك دائمًا يحدث في محاولة انتزاع التفوق الميداني أو الإستراتيجي من "أنصار الله".
اليوم، بالنسبة لـ"أنصار الله"، من الطبيعي أنها لن تغير مناورتها الناجحة في مواجهة مخطط العدوان من هذه المحاولات، لناحية فصل الموضوع السياسي عن الموضوع الميداني، وبالنسبة لها أيضًا، لم يتغير شيئ في مناورة العدوان، حيث الأخير اليوم مضغوط في وضعه الميداني في مأرب وفي أغلب خطوط المواجهة البرية في شمال شرق مارب، وامتدادا حتى الحدود مع السعودية، ومضغوط أيضًا في وضعه الخارجي إعلاميًا أو ديبلوماسيًا، حيث أغلب رعاة وداعمي العدوان بدأوا جميعًا يفقدون القدرة على متابعة الحرب على اليمن، دعمًا أو رعاية أو مشاركة.
عمليًا في الميدان، لا يجب أن يتغير شيء في قرار الدخول الى مأرب وتحريرها، مهما كانت نتيجة المفاوضات أو التسويات، فالمعركة في مأرب هي معركة ضد وحدات غريبة عن اليمن، حتى ولو كانت بتنفيذ شبه كامل من مرتزقة العدوان، وهذه المعركة هي حاجة وطنية لطرد الأغراب، وأيضًا لطرد أو لتدمير المجموعات المتشددة، من "داعش" أو "القاعدة"، والتي لها نفوذ وتواجد غير بسيط في محافظة مأرب، كمدينة أو كمديريات، حصلت عليه (النفوذ والتواجد) برعاية من العدوان، لاستغلال مقاتليها الإرهابيين في المعركة ضد حكومة صنعاء و"أنصار الله".
كما أن عودة حكومة صنعاء الى مأرب هي حاجة وطنية اقتصادية، لإعادة توزيع وضبط ثروات اليمن وخاصة من النفط والغاز، وهذا الموضوع غير مرتبط بأية تسوية سياسية، داخلية أو إقليمية، لأن حماية وحفظ الثروة الوطنية هو أمر واجب ولا مفر منه.
والنقطة الأهم أيضًا في ضرورة تحرير مارب، بعيدًا عن أي مسار سياسي مرتقب، أن المواطنين والقبائل اليمينة في محافظة مأرب، ينتظرون بفارغ الصبر رفع يد العدوان عن قرارهم الحقيقي وتوجهاتهم الوطنية مع الحكومة الشرعية في صنعاء، وليس مع السلطات الصورية المرتهنة للعدوان.
أمّا لناحية التركيز في متابعة الاستهدافات الردعية الإستراتيجية ضد مطارات معينة في السعودية، بالصورايخ والطائرات المسيرة، فإن هذه المناورة تحمل التفسيرين التاليين:
أولًا: من غير المنطقي التخلي عن نقطة الضغط القوية في الردع الإستراتيجي، والتي كانت حاسمة لناحية فرض تغيير الموقف الدولي من الحرب على اليمن، في الوقت الذي ما زالت فيه مناطق مدنية ومواقع عسكرية تابعة لحكومة صنعاء ولأنصار الله، على خط المواجهة أو في العمق اليمني، تتعرض لقصف جوي عنيف من قبل طائرات تحالف العدوان، وفي الوقت الذي لم تتبين حقيقةً، نوايا الأميركيين من هذه المبادرة نحو اليمن، هل هي فعلًا صادقة نحو وقف الحرب، أمّ أنها لا تخرج عن إطار الضغط على محمد بن سلمان ومحاولة المقايضة معه في ملفات أخرى.
ثانيًا وأخيرًا: طالما أن القوي هو الذي يفرض نفسه في هذا العالم، وطالما أن الحق والعدالة والتي من المفترض أن تحفظها وترعاها مواثيق ومؤسسات وقوانين المجتمع الدولي، تبقى غير مؤمنة وغير محمية لدى الطرف الضعيف، لا بد لليمنيين اليوم، وبعد أن فرضوا أنفسهم قوة صامدة وثابتة في الميدان من جهة، ومن جهة أخرى، فرضوا أنفسهم قوة مميزة في إدارة معركة الأسلحة النوعية الاستراتيجية، تصنيعا وتعديلا ومناورة واستعمالا، فمن الضروري والمنطقي ان يتابعوا مناورتهم القوية، لإيصال رسالة واضحة الى الإقليم والعالم، أنهم قوة أساسية في اليمن وفي الإقليم، ولا يمكن لأحد تجاوزهم أو تجاوز موقعهم وحقوقهم بعد اليوم، في أية تسوية أو مسار تفاوضي سياسي أو ديبلوماسي.