الناتو والإنزال خلف خطوط الروس وخادمهم باسط ذراعَيْه كالنار في الهشيم
محمد صادق الحسيني
أكثر من علامة غير حميدة أرسلتها أنقرة أردوغان مؤخراً في أكثر من اتجاه…
فبعد تحوّلها الى قوة احتلال بغيض في سورية، بدأت تتحوّل في العراق الى شيء مماثل، وفي الوقت الذي لم تتوانَ عن إعلان مطامعها في آسيا الوسطى والقوقاز من دون تحفظ، فقد بدأت تُظهر رغبتها في التوسع أكثر فأكثر وصولاً الى حدود الأمن القومي الروسي كاشفةً بذلك عن أمرين خطيرين:
١– إرادة توسعيّة جامحة لتركيا عثمانية عنصرية جديدة.
٢– لعب دور الحارس الأمين للناتو اللعين.
ولإثبات ما نقول تابعوا معنا التقرير التالي:
فقد قامت وسائل إعلام تركية قبل أيام بإعادة نشر خريطة الأطماع التوسعيّة التركية، فماذا يخبّئ أردوغان لروسيا!؟
سؤال بدأ يظهر على لسان أكثر من مسؤول روسي.
ليس من المستغرَب أن تقوم صحيفة زمان التركية، بتاريخ 10/2/2021، بنشر خريطة افتراضية (متوقعة) لتركيا سنة 2050. إنما تزامن هذا النشر مع قيام التلفزيون الرسمي الحكومي، TRT 1، بنشر الخريطة نفسها والتعليق عليها مطوّلاً هو الأمر المثير للدهشة والارتياب، خاصةً أنّ وسائل الإعلام التركية خاضعة لرقابة حكومية صارمة ولا تستطيع نشر أيّ شيء من دون موافقة الجهات الأمنية الأردوغانية المسبقة.
من هنا فلعلّ الإضاءة على بعض جوانب هذا الموضوع تكون مفيدةً، في فهم خلفياته والأهداف المستقبلية، من وراء نشره الآن، وفِي هذا التوقيت بالذات.
أما أهمّ الجوانب، المتعلقة بهذا الموضوع/ الخريطة، فهي التالية:
1 ـ توقيت إعادة نشره في وسائل الإعلام التركية، الذي حصل بعد أقلّ من شهر على تولي الرئيس الأميركي مقاليد الحكم في واشنطن، وحالة التأزم التي تشهدها العلاقات الأميركية الروسية والأميركية الصينية، وكذلك علاقات دول الاتحاد الأوروبي الأطلسية العميلة لواشنطن مع كلّ من الصين وروسيا.
إذ تمثل إعادة نشر هذه الخريطة، التي تظهر تركيا عام 2050 وقد سيطرت على اليونان المجاورة وكلّ من مصر وليبيا وجميع مساحة الجزيرة العربية، بالإضافة الى سورية والعراق والأردن (لكن ليس «إسرائيل») وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، الى جانب شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. نقول إنها تمثل رسالةً واضحةً للإدارة الأميركية الجديدة انّ تركيا أردوغان، ومخلب حلف شمال الأطلسي في كلّ مكان، جاهزة للانخراط في صراع جيوسياسي إقليمي ضدّ روسيا، خدمةً للمصالح الاستراتيجية الأميركية، الهادفة الى إلحاق الضرر الاستراتيجي، ليس بروسيا وحدها وإنما بالصين أيضاً.
كما تشكل حقيقة انّ هذه الخريطة قد نشرت، سنة 2009، في كتاب «الخبير الأمني» / ضابط الاستخبارات / غير المعلن، جورج فريدمان George Friedman، تشكل دافعاً للتساؤل، خاصة أن جورج فريدمان، مؤلف كتاب المئة عام القادمة (The next 100 Years)، هو يهودي الديانة من مواليد، هنغاريا وهاجر الى الولايات المتحدة مع عائلته، حيث عمل بعد تخرّجه من الجامعة مخبراً أمنياً لدى قادة القوات المسلحة الأميركية ومركز التقييم الالكتروني الأميركي (Office of Net Assessments).
كما انه كان يقوم، بشكل متواصل، بتزويد مركز القيادة العامة للقوات الحليفة في أوروبا (Supreme Headquarters Allied Powers Europe) بالمعلومات الاستخبارية، الى جانب قيامه بالمهمة نفسها مع كلّ من الكلية الحربية للجيش الأميركي (خاصة بالقوات البرية) وكذلك الأمر مع مؤسسة راند كوربوريشن Rand Corporation الأميركية.
وقد قام هذا الشخص، وانطلاقاً من خلفيته الأمنية، بتأسيس مركز ستارتفور Startfor للأبحاث، والمتخصص في جمع المعلومات الاستخبارية، ومركزه عاصمة ولاية تاكساس الأميركية، مدينة اوستن Austin. هذا المركز الذي لعب دوراً استخبارياً هاماً، في الحرب الأميركية الأوروبية على جمهورية صربيا، صديقة لروسيا سنة 1999، والتي انتهت بسلخ مقاطعة كوسوفو عن صربيا. وهي الكيان المصطنع نفسه الذي أقام علاقات تطبيع، مع الاحتلال «الإسرائيلي»، قبل أسبوعين، وقرّر فتح سفارة له في القدس المحتلة.
وجدير بالذكر انّ الكتاب، المشار اليه أعلاه، قد صدر عن هذا المركز، إلا أنّ أحداً لم يهتمّ بخرائطه المتعلقة بتركيا واحتمالات توسعها حتى قام التلفزيون الحكومي التركي بإعادة نشرها قبل يومين.
كما أنّ هناك عاملاً آخر يثير الريبة، في توقيت إعادة نشر هذه الخرائط وردود الفعل عليها، اذ انّ التعليق الوحيد الذي رصدته وسائل الإعلام والجهات الأكاديمية المختصة، قد اقتصر على تعليق النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، ڤلاديمير جباروڤ Vladimir Dzabarov، الذي صرح، لمحطة آر بي كي الروسية، بأنه لا يعتقد انّ هذا الموضوع أمر جدي وإنما يمكن إدراكه في إطار بالونات الاختبار، التي تطلق بين الفينة والأخرى.
وقد يكون كلام هذا الشخص منطقياً، من ناحية المبدأ، لكن تقييم هذا الموضوع (الخرائط) على ضوء التوقيت، الذي جاء فيه، وعلى ضوء:
ـ الوجود التركي الحالي، في كلّ من ليبيا غرباً، وقطر في الجزيرة العربية، والصومال في القرن الأفريقي، وعلى مقربة من سواحل اليمن، وفِي السودان أيضاً.
ـ مضافة اليها القفزة الأردوغانية الأخيرة في القوقاز الشمالي (ناغورنو كاراباخ)، ونقله الآلاف من عناصر داعش، من سورية (محافظة إدلب التي تسيطر عليها أدوات أردوغان التكفيرية) الى أذربيجان، استعداداً للزجّ بهذه المجموعات في حرب تدميرية ضدّ روسيا، انطلاقاً من حدودها الجنوبية، نقول انّ التقييم على ضوء هذه العوامل يجب أن يخلص الى تناغم غير طبيعي، بين من أطلق هذه الخرائط قبل أحد عشر عاماً، وهو يهودي هنغاري الأصل أميركي الجنسية، وبين من علق عليها من الطرف الروسي، وهو يهودي الديانة أرمني الأصل روسي الجنسية، وممثل رسمي لمنطقة الحكم الذاتي اليهودية
(اسمه الوظيفي الرسمي هو: Representative of the Legislative ( Representative ) Authority of the Jewish Autonomus Region )، الواقعة في أقصى جنوب شرق روسيا، بالقرب من مقاطعة خاباروڤسك، على المحيط الهادئ.
وحتى لو افترضنا انّ ما يقوله السيد جابوروڤ صحيحاً، حول كون إعادة نشر الخرائط هو بالون اختبار، فيجب ان نتذكر دائماً انّ طائرة الاختبار، من طراز سيسنا 172 /Cessna 172، التي قادها فتى الماني متسللاً من هامبورغ الى هلسنكي، يوم 13/5/1987، وبعد ذلك وبتاريخ 28/5/1987، حطت في وسط الساحة الحمراء في موسكو، والتي كانت الذريعة التي استخدمها غورباتشوف، في حينه، لإقالة وزير الدفاع السوڤياتي ومعه قائد سلاح الدفاع الجوي، وعدد كبير من جنرالات الاتحاد السوڤياتي الذين كانوا يعارضون سياسة البريسترويكا (الإصلاح) التي كان يتبعها غورباتشوف.
وقد أدّت عملية «الاختبار» تلك، الى جانب عوامل أخرى طبعاً، الى تفكيك الاتحاد السوڤياتي وزواله عن الوجود. لذا فإنّ موضوع الخرائط، حتى لو كان بالون اختبار، فإنّ من المنطق التعامل معه بمنتهى الجدية والحذر، خاصة أنه يتماهى مع المشاريع الأميركية العدوانية ضدّ روسيا، والتي يمكن رصدها، براً وبخرائط وجواً بكلّ سهولة.
أردوغان أقام رؤوس جسور، في المناطق المُشار اليها أعلاه، وهو لن يتوانى لحظة لاقتناص فرصة توسيع رؤوس الجسور هذه والقيام بعمليات «إنزال جوّي وبحري وبري» خلف الخطوط الدفاعية الروسية، في جنوب القوقاز وشرق وجنوب شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وربما غيرها.
ولا بدّ من التذكير أيضاً بأنّ الرئيس التركي هو من قام بتحية ثلة حرس الشرف الأوكرانية بالهتاف النازي الأوكراني وردّد معهم كلمات تعود إلى النازيين الأوكرانيين، الذين تحالفوا مع القوات النازية المحتلة
لأوكرانيا، وقاتلوا أبناء الشعب الأوكراني والقوات السوڤياتية تحت لواء
النازية الألمانية.
هذا ليس بالوناً وإنما قنبلة موقوتة، تنتظر انتهاء دقات ساعة التوقيت داخلها، وقد تنفجر وتثخن الجسد الروسي بالجراح.
وبالتالي لا بدّ من اليقظة والحذر من مثل هذا السلوك المريب… ولا ننسى في النهاية بأنّ أردوغان مهما تلّون وبدّل من جلده يظلّ ذلك الخادم الأمين للأميركان…!
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
بعدنا طيبين قولوا الله…