التحرك الفرنسي لملاقاة توجهات إدارة بايدن البراغماتية… هل يثمر تأليف حكومة لبنانية توافقية؟
حسن حردان
من الواضح أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سارع إلى تحريك اتصالاته بشأن تشكيل الحكومة اللبنانية، فور تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد السلطة وتعيين فريق إدارته الجديدة بسرعة لافتة ساعد عليها استحواذ الحزب الديمقراطي على الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ… وأعلن ماكرون عن عزمه زيارة لبنان من دون تحديد موعد لهذه الزيارة.
وكان لافتاً البيان المشترك الصادر عن وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والفرنسي جان إيف لودريان، والذي دعا إلى تشكيل حكومة لبنانية «ذات مصداقية»، من دون ربط ذلك بشروط أعاقت التأليف حتى الآن، لأنها لا تنسجم مع التوازنات السياسية وأحجامها في البرلمان وفق ما ينص النظام الديمقراطي ودستور الطائف… ولأنّ رئيس الحكومة المكلف النائب سعد الحريري لم يجرؤ على رفض هذه الشروط، بل انه حاول التناغم معها من خلال محاولة فرض تشكيلة حكومية من الاختصاصيين ينفرد هو باختيارهم بهدف استبعاد أيّ دور لحزب الله وحلفائه في تسمية ممثليهم، وتجاهل دور رئيس الجمهورية في المشاركة في التأليف وفق ما ينص عليه الدستور.
فهل يعني هذا انّ التحرك الفرنسي أفلح في إقناع إدارة بايدن بانتهاج سياسة واقعية في لبنان لناحية عدم إمكانية تشكيل حكومة من دون مشاركة حزب الله وحلفائه؟
الجواب سلباً أو إيجاباً يتضح عندما يقرّر الرئيس الفرنسي ماكرون تحديد موعد لزيارته إلى لبنان، أو إذا امتنع عن ذلك وأرجأ هذه الزيارة.
أولاً، في حال أعلن عن موعد لزيارته فهذا دليل على أنّ ماكرون نجح في تحقيق أمرين:
الأمر الأول، الحصول على موافقة أميركية بتسهيل تشكيل حكومة من دون وضع فيتو على مشاركة حزب الله وحلفائه، وهو ما يستشفّ من البيان المشترك لوزيري الخارجية الأميركي والفرنسي، لأنّ الرئيس ماكرون لم يعد يحتمل ان يأتي مرة ثالثة إلى بيروت ويفشل مجدّداً في مهمته لدفع الأطراف اللبنانية إلى تأليف الحكومة وتذليل العقبات المحلية التي تواجه عادة عملية تشكيل الحكومات في لبنان.. خصوصاً أنّ ماكرون يدرك جيداً بأنّ الفشل في الزيارتين السابقتين كان ناتجاً عن العقبات التي وضعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في طريق تشكيل حكومة يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه.
الأمر الثاني، التوصل بين ماكرون وبايدن إلى تقييم مشترك بأنّ سياسة الضغط الأقصى التي مارستها إدارة ترامب فشلت ولم تنجح في فرض تشكيل حكومة أميركية الهوى يُستبعد منها حزب الله وحلفاؤه، لقلب المعادلة السياسية في لبنان وإجراء انتخابات مبكرة تؤمّن فوز أغلبية نيابية من قوى ١٤ آذار والمجتمع المدني «الانجيؤز» يدينون بالولاء والتبعية للسياسة الأميركية، ويعملون على تنفيذ أجندتها في لبنان التي تخدم كيان الاحتلال الصهيوني… في حين أنّ الاستمرار في سياسة ترامب بالحصار الاقتصادي والعقوبات للتأثير على البيئة المؤيدة للمقاومة، وبالتالي زيادة الضغط على حزب الله وحلفائه، لدفعهم إلى التسليم بالشروط الأميركية لتشكيل الحكومة لا أفق لها، خصوصاً أنّ نتائج هذه السياسة المعتمدة منذ أكثر من عام وأدّت الى تسعير نار الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتفجير الاحتجاجات الشعبية، أكدت انّ تأثيرها على حزب الله وبيئته المباشرة كان محدوداً، على عكس القوى والحركات الموالية لواشنطن التي اشتكت للسفيرة الأميركية دوروثي شيا خلال لقاء معها، من استمرار سياسة الحصار، وانّ تأثيرها السلبي عليها وعلى بيئتها المؤيدة لها كان بنسبة 90 بالمئة، مقابل 10 بالمئة على حزب الله وبيئته المؤيدة له.. كما أنّ الشارع اللبناني لم يعد متحمّساً للمشاركة في الاحتجاجات بعد أن تمّ تسييسها وانكشاف دور الجماعات الموالية لأميركا في استغلالها ومحاولة تحويلها لتكون موجهة ضدّ حزب الله وحلفائه، وضدّ المقاومة وسلاحها والذي ظهر بوضوح من خلال رفع شعارات تطالب بتنفيذ القرار 1559 الذي يدعو الى نزع سلاح المقاومة، وهو القرار الذي كانت الدبلوماسية «الإسرائيلية» وراء تسويقه لدى الحكومات الغربية…
ثانياً، أما في حال امتنع ماكرون عن تحديد موعد لزيارة لبنان، فهذا سيعني أما أنه فشل في إقناع نظيره بايدن في انتهاج سياسة واقعية في لبنان، تأخذ في الاعتبار التوازنات القائمة… أو أنّ بايدن وفريق إدارته لم يتفقوا بعد على بلورة مقاربة جديدة مختلفة عن تلك التي اعتمدتها إدارة ترامب، تنسجم مع التوجه الفرنسي.. وانّ الأمر يحتاج إلى وقت لبلورة السياسة التي ستعتمدها إدارة بايدن في لبنان.. انطلاقاً من أنّ تركيزها حالياً على التصدي لأولوية الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة، والملفات الخارجية الأكثر أهمية مثل الملف النووي الإيراني وكيفية العودة إلى الالتزام بالاتفاق، ووقف حرب اليمن وإعادة ترميم تحالفات أميركا مع أوروبا…
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول إنّ حسم الاتجاه الذي ستسلكه السياسة الأميركية في لبنان، سوف تظهر مؤشراته في اللحظة التي يحدّد ماكرون موعد زيارته.
وفي حال كان الاتجاه إيجابياً، فإنه سيؤدي إلى المساعدة على تذليل الخلافات الداخلية حول تأليف حكومة تسوية، وهي خلافات تفاقمت في الفترة الأخيرة.. لأنّ العقبة الأساسية تكون قد ذلّلت، وهي الفيتو الأميركي، الذي كان يجعل الرئيس المكلف يلجأ إلى المناورة ورفع السقوف في عملية التأليف للتغطية على خضوعه للضغط الأميركي، والذي ظهر من خلال فرض العقوبات على الوزير السابق النائب جبران باسيل…