كيّ الوعي المجتعمي في تشويه صورة حزب الله
د. علي مطر
يعد مصطلح كيّ الوعي مفهوما قديماً تستخدمه الدول والجماعات والأفراد، لكن وسائله تتغيّر بحسب كلّ حقبة زمنية. ويمكن أن يكون كيّ الوعي جزءاً من منهج الحرب الناعمة، فكيّ الوعي هو طريقة من طرائق غسل الدماغ التي من خلالها تتغيّر أفكار الإنسان ومعتقداته، من منظور الجهة التي تشنّ الحرب على هذا العقل. وبالتالي نكون أمام تشكيل قناعات جديدة منحرفة كلياً عن الاتجاه الصحيح أو الهدف الأسمى.
أولاً: كي الوعي المجتمعي بعد الأزمة اللبنانية
منذ انطلاق حراك 17 تشرين الأول عام 2019، تحت شعار الانتفاضة على الفساد، والذي كان يفترض أن يطال شريحة كبيرة من الأطراف السياسية، وأن تشارك فيه شريحة واسعة من المواطنين، بدأت تنتشر مصطلحات وأفكار وشعارات لا تمت إلى هذا الحراك، تعمل على تشويه المفاهيم والأفكار لدى عامة الناس، لا سيما فئة الشباب، حيث يتمّ إيصالها بسهولة وفق خطة منهجية من أجل كي وعي هؤلاء بطريقة ممنهجة، خاصةً بعد دخول أحزاب سياسية نخرها الفساد وتاريخ القتل على الهوية الى الحراك، في محاولة لانتهاز الفرص وتحقيق مصالح سياسية.
تحولت الأزمة في لبنان إلى أزمة سياسية، بعد أن كانت عبارة عن حراك بدأه الفقراء، بهدف الثورة على معاناتهم مع السلطة السياسية والمالية في لبنان. لكن ظهر أولئك الذين سرقوا نبض الشارع بتحويله إلى عصا لهم، يستخدمونه من أجل مآربهم، فحولوا الأزمة من مطالب محقة يريدها شعب سئم من خضوعه، يريد بناء مستقبل شبابه وأولاده، إلى أزمة سياسية جديدة متعددة الأطراف داخلياً وإقليمياً ودولياً، ليبدأوا حرباً إعلاميةً على المقاومة بتظافر بين هذه الأطراف السياسية ووسائل إعلام أختبأت خلف الحراك.
انطلقت مذاك ظاهرة كي الوعي المجتمعي، عبر استخدام إشاعات وشعارات وبروباغندا إعلامية، والتي هي بمثابة حرب ناعمة تستخدم بطريقة محترفة، وبالتالي، فإنّ هناك من يتقبّل هذه الأفكار ويسير وفق مبتغاها، لكن في الوقت نفسه، هناك من يرفضها كلياً، ومع ذلك يبقى الخوف قائماً. واليوم لا يمكننا إخفاء حقيقة الأفكار المشوّهة التي تجتاح بقوة عقول الكثيرين في لبنان.
إنّ الهدف من نشر الأفكار المشوهة ضد حزب الله عبر شخصيات سياسية معروفة ووسائل إعلام امتهنت عبر كل تاريخها تشويه الحقائق واستخدام سرديات إعلامية منحرفة، هو تقليب الشعب اللبناني بقدر معين، وصولاً إلى العمل على تقليب البيئة المجتمعية للمقاومة عليها، وذلك من خلال كي عقول الناس عبر نشر أفكار مغلوطة من قبل هذه الوسائل، على الرغم من كل ما يقدمه حزب الله عبر مؤسساته وأفراده في مختلف المناطق اللبنانية في ظل الأزمة التي تعصف بلبنان.
هذا الأسلوب يعد أحد أخطر نماذج القوة الناعمة Soft Power التي عرّفها الأميركي جوزيف ناي، بأنها القدرة على الحصول على ما نريد من خلال الجذب، بدلاً من القسر أو الدفع. فالقوة الناعمة ليست مجرد دعاية سياسية، بل هي سجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير في الرأي العام في داخل المنظومة الاجتماعية. ومن أجل تحقيق أهدافها، تستفيد القوة الناعمة من كلّ المؤثرات والرموز البصرية والإعلامية، وهذا ما يتمّ استخدامه حالياً.
ثانيا: ماذا فعل حزب الله؟
يتجاهل كثيرون للأسف أن حزب الله منذ عام 2000 مروراً بحرب تموز وحتى اليوم استطاع إفشال المشروع الأميركي الإسرائيلي في لبنان للسيطرة على بلدنا واستخدامه كمنصة إطلاق لمشروع الشرق الأوسط الكبير، ويتجاهل هؤلاء أنه عندما كان الإرهاب يضرب منطقتنا، ويمارس أبشع الجرائم وينشر الفوضى كمقدّمة للسيطرة على مقدّرات الأمة كان حزب الله في مقدمة المدافعين عن البلاد والمحافظين على مقدراتنا وكانت المقاومة في المواجهة لحماية لبنان بأرضه وأهله ومقدراته حينما تقاعس أولئك عن حمايتنا وسلك كثيرون من السياسيين طريق الإرهابيين، ويتناسى الكثيرون من أصحاب المشروع الأميركي كيف لعب حزب الله دوراً كبيراً عابراً للطائفية يتمثل في الدفاع عن الأقليات الدينية، وأهمية الدور الذي لعبته المقاومة في الحفاظ على المناطق المسيحية التاريخية.
كل ما يفعله حزب الله اليوم هو لحماية لبنان من غطرسة كيان العدو الإسرائيلي، فمنذ حرب تموز إلى الحرب ضد الإرهاب تراكمت قوة حزب الله، واكتسب المقاومون خبراتٍ جديدة وكبيرة، ليصبح حزب الله أكبر تهديد استراتيجي لـ"إسرائيل" عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة بعد خوض معارك في مختلف الظروف والبيئات العسكرية والاستراتيجية، وهذا الهدف هو من أجل حماية لبنان وأهله في حين تقاعس أصحاب نظريات السلام عن حماية لبنان.
حزب الله لم يعمل على المستوى العسكري فقط لحماية لبنان، فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية، يعمل الحزب جاهداً لمساعدة البيئة الشعبية حيث لم يترك اللبنانيين دون مساعدة في مختلف المناطق، سواء لناحية تأمين أدوات التدفئة وغيرها، أو من خلال المساعدة في زراعة الأراضي، أو من خلال تقديم مساعدات للأهالي الفقراء، وكما وعد أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله بدأ الحزب بالعمل بمختلف المناطق بتقديم مساعدات والوقوف مع العائلات الفقيرة دون منٍّ أي دون نشر ما يقوم به الحزب وأفراده وقياداته من مساعدة عبر وسائل الإعلام كما يقوم الاخرين بتوزيع بعض أدوات التعقيم ونشرها في وسائل الإعلام بشكل مخزٍ، وذلك ايضاً في حين يترك سياسيون جشعون الناس في مناطق عدة كما في طرابلس دون أي مساعدة.
لقد وقف حزب الله مع الأهالي في حين لم تقف معهم الدولة في كثير من الأحيان وخاصة في المناطق البعيدة والمحرومة دون أي تمييز طائفي، ومنها مثلاً قرية الطفيل اللبنانية الذي أعاد لها الكهرباء وساعد أهلها برفعِ الثلوجِ عن طريقِ البلدة المعزولة عن الجوار، هذا فضلاً عن توزيع المازوت على 20 ألف عائلة في البقاع في حين تتقاعس الدولة عن دورها، بينما لا تتذكر بعض الأحزاب السياسية هؤلاء الناس إلا في الانتخابات.
وفي المجلس النيابي يقوم حزب الله بدوره على أكمل وجه لمساعدة الطبقات الفقيرة، واللبنانيين الذين تغيرت أوضاعهم المعيشية نتيجة الأزمة الاقتصادية، حيث عملت كتلة الوفاء للمقاومة على إقرار قانون "الدولار الطالبي" الرامي إلى الزام المصارف العاملة في لبنان بصرف مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، عن العام الدراسي 2020-2021 للطلاب اللبنانيين الجامعيين الذين يدرسون في الخارج، هذا فضلاً عن المساعي التي يبذلها حزب الله لتشكيل حكومة قادرة على انتشال لبنان من هذه الأزمة في ظل التعقيدات الخارجية التي تحكم رئيس الحكومة المكلف في التوصل على اتفاق على تشكيل حكومته.
كما تقدم، فإن حزب الله الذي لا يملك ما تملكه الدولة من مؤسسات ومقدرات، يقوم بدوره الكامل لمساعدة الناس في ظل الأزمة الاقتصادية إلى جانب السهر على أمن لبنان من أي اعتداء إسرائيلي أو إرهابي، في حين أن بعض الجهات لا تمتهن إلا الكذب وتشويه الحقائق في وسائل الإعلام، وصرف الوقت والمال على تأليب اللبنانيين على الحزب بدلاً من مساعدة الناس، والعمل على تطبيق شعارات العيش المشترك والوحدة الوطنية حتى الخروج من الأزمة التي تعصف بلبنان.