قرارات بايدن الجديدة.. تحرّكٌ في الهامش الضيق
عادل الجبوري
خلال العشرة أيام الأولى من ولايته الرئاسية، اتخذ الرئيس الأميركي الجديد جوزيف بايدن، خطوات وقرارات تنطوي على أبعاد مهمة فيما لو تمت قراءتها بدقة وعمق، وارتباطا بما يمكن أن تفضي اليه من مخرجات تختلف كثيرًا عن مخرجات خطوات وقرارات مختلفة أقدم عليها سلفه السابق دونالد ترامب.
أولى هذه الخطوات - القرارات، الشروع بمراجعة قرار ترامب بإدراج حركة "انصار الله" اليمنية وعدد من أبرز قياداتها على قائمة المنظمات الارهابية.
وكان متحدث باسم الخارجية الأميركية قد صرح في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني - يناير الجاري، بأن "الوزارة بدأت في مراجعة تصنيف جماعة الحوثي في اليمن منظمة إرهابية وتعمل بأسرع ما يمكن لإنهاء العملية واتخاذ قرار"، بعد أن أكد وزير الخارجية الجديد انتوني بلينكن في وقت سابق "ان واشنطن ستراجع التصنيف، الذي يخشى مسؤولو الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة من أن يؤثرعلى حركة التجارة في اليمن، الذي يشهد مجاعة واسعة النطاق".
وبقدر ما بعث قرار ترامب ضد حركة انصار الله الارتياح في داخل أوساط القرار السياسي السعودي والاماراتي، أثار توجه بايدن استياءً واضحًا في كل من الرياض وابو ظبي، لأن الأخيرتين تبحثان عن أي خطوة واجراء من شأنه اضعاف وتحجيم الحوثيين، وبالتالي تخليصهما من المستنقع اليمني الذي سقطا فيه منذ ما يقارب الستة أعوام من دون أن يجدا سبيلًا للخروج منه.
الخطوة الأخرى لبايدن التي زادت الطين بله بالنسبة للرياض وابو ظبي، تمثلت في ايقاف مبيعات الأسلحة لهما، والتي أقرت وفقًا لصفقات بمليارات الدولارات في عهد ترامب.
الادارة الأميركية الجديدة حاولت التقليل من أثر وخطورة تلك الخطوة، معتبرة أنها اجراء روتيني، اذ أوضح مسؤولون كبار في الخارجية انه "كما هو معتاد أثناء انتقال الإدارات الرئاسية الأميركية، توقف الوزارة مؤقتًا تنفيذ بعض عمليات النقل والمبيعات الدفاعية الأميركية المعلقة في إطار المبيعات العسكرية الخارجية والمبيعات التجارية المباشرة للسماح للقيادة القادمة بفرصة المراجعة، وهذا إجراء إداري روتيني نموذجي لمعظم أي عملية انتقال، ويُظهر التزام الإدارة بالشفافية والحوكمة الرشيدة، فضلاً عن ضمان تلبية مبيعات الأسلحة الأميركية لأهدافنا الاستراتيجية المتمثلة في بناء شركاء أمن أقوى وأكثر قابلية للتشغيل البيني".
الخطوة الثالثة لادارة بايدن، كشف عنها موقع "دبلوماتيك" الاخباري، وهي أن هناك نية أو قرار حاسم بتعيين الدبلوماسي روبرت مالي مبعوثًا خاصًا لايران، وهو ما يمكن أن يواجه بالرفض من قبل أوساط في الحزب الجمهوري واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية، وباستياء كبير من قبل "تل ابيب"، نظرًا لأن المعروف عن مالي، الذي كان مستشارًا للرئيس الأسبق باراك أوباما ومساهمًا رئيسيًا في صياغة الاتفاق النووي مع ايران وعضوًا في فريق التفاوض، مواقفه المرنة حيال ايران.
وقد تعرض الدبلوماسي المذكور لموجة انتقادات من بعض الجمهوريين في الكونغرس والجماعات الموالية لـ"إسرائيل" حينما تردد اسمه لأول مرة كمرشح رئيسي للمنصب، بحجة أنه قد يكون متساهلا مع إيران، وصارما مع "إسرائيل".
الى جانب ذلك، لاحت في الأفق مؤشرات على رغبة بايدن تخفيف حدة التوتر مع المنافس الاقتصادي الاول للولايات المتحدة المتمثل بالصين، وحلحلة الملفات والقضايا العالقة بعيدًا عن التصعيد الاعلامي والسياسي، وعبر الوسائل والقنوات الدبلوماسية الفاعلة.
النظرة الأولية والقراءة الاجمالية لمجمل تلك الخطوات والقرارات، مضافًا اليها التلميحات الايجابية عن التوجه للعودة الى الاتفاق النووي مع طهران، وقبل ذلك العودة الى اتفاق باريس للمناخ، وانهاء تجميد عضوية واشنطن في منظمة الصحة العالمية، توحي بوجود نية جادة لدى الادارة الأميركية الجديدة لتصحيح المسارات الخاطئة للادارة السابقة، علمًا أن ما قام به بايدن حتى الآن قوبل بارتياح وترحيب من قبل مختلف المحافل والأوساط الدولية، كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وقوى أخرى، مع توجس واستياء من قبل أطراف قليلة كانت تقدر أن سياسات ترامب تنسجم مع مصالحها وتتوافق مع حساباتها.
بيد أنه وراء هذه النظرة الأولية والقراءة الاجمالية، تبرز نظرات وقراءات أكثر عمقًا، ربما تبدد وتقلص بعضًا من مساحات وأجواء التفاؤل، وهي تنطلق من حقيقة أن السياسة الأميركية ببعدها الاستراتيجي تستند الى ثوابت ومبادئ معينة لا يمكن لأي كان في البيت الأبيض أن يقفز عليها ويتجاوزها، مع الاستفادة من هامش صغير، يتيح له اظهار وتوظيف الاختلاف عن خصمه أو خصومه السابقين، لتعزيز حضوره السياسي وقاعدته الجماهيرية بدرجة أكبر.
فبايدن، حتى وان أغضب "تل ابيب" واللوبي الصهيوني وجماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة، الا أنه من المستحيل أن يقدم على خطوات من شأنها أن تهدد أمن الكيان الصهيوني، وتعزز وضع وموقف أعدائه، فالالتزام بأمن صالح الكيان الصهيوني هو من المبادئ الثابتة والراسخة لدى الادارة الأميركية، وعلى سبيل المثال، من المستبعد جدًا جدًا أن يعيد السفارة الاميركية في "اسرائيل" الى "تل ابيب" بعدما نقلها ترامب الى القدس.
واذا كان هناك من يقول ان خطوات الرئيس الاميركي الجديد، تندرج في اطار تصحيح المسار، وهذا ربما يكون صحيحًا الى حد ما، فإن من يذهب الى أن تلك الخطوات، يمكن أن تكون في جانب منها تضليلا لأعداء وخصوم واشنطن، لم يجانب الصواب، لا سيما وانه لا بايدن ولا غيره قادر على تفكيك الملفات المتداخلة وترتيب الاوراق المبعثرة والخيوط الشائكة في ظل وجود مراكز قوى متعددة وازمات معقدة ومصالح متقاطعة، داخليا وخارجيا.
في كل الاحوال فإن تبديل المواقع في واشنطن والنزوع نحو التهدئة ومراجعة السياسات، كلها لا تخلو من فائدة في وقت يسود المشهد العالمي فيه الاضطراب والفوضى والارتباك في شتى مساحاته وزواياه.