kayhan.ir

رمز الخبر: 125783
تأريخ النشر : 2021January25 - 20:28

عهد بايدن: تحضير لمسرح المواجهة.. لا صالون الحوار


ايهاب زكي

يكون الحوار عادةً بين خصمين أو عدوّين بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولكن التاريخ على حدّ علمي، لم يسجل حالة تفاوضية بين طرفٍ وخيل الطرف الآخر مثلاً أو ترسه، أو أنّ طرفاً فاوض وقد اصطحب سرجه إلى طاولة الحوار ليستأنس برأيه، ولكن يبدو أنّ إدارة بايدن تريد سبقاً تاريخياً، حيث تريد اصطحاب تروسها وسروجها إلى طاولة التفاوض مع الجمهورية الإسلامية في إيران، فتطالب بانضمام السعودية والإمارات وكيان العدو الصهيوني للاتفاق النووي، بينما إيران صارمة في موقفها من هذا التوجه، حيث بإمكان بايدن اصطحابهم كيفما شاء وأينما شاء، ولكن عليه خلعهم قبل الدخول إلى قاعة التفاوض. وأعتقد أنّ إدارة بايدن تدرك الصرامة الإيرانية، لذلك فهي تلوّح بهذه الأوراق على سبيل تقديمها كتنازلاتٍ لاحقاً، وهو ما يستوجب حسب قانون التفاوض تقديم إيران لتنازلاتٍ موازية، ولكن المشكلة التي ستواجهها إدارة بايدن، أنّ إيران لا تنظر إلى هذا التخلي الأمريكي باعتباره تنازلاً، لأنّه بالأصل ليس حقاً فضلاً عن كونه ليس منطقاً.

أمّا على المستوى الثنائي، ففي خضم التشنج السعودي الذي أبداه وزير الخارجية فيصل بن فرحان، باعتبار الدعوات الإيرانية للحوار المباشر مجرد تسويف وهروب إيراني من الأزمات الداخلية، تصدر عن إيران من جميع المستويات تصريحات اليد الممدودة للحوار، حتى كأنّ المشهد يبدو معكوساً، حيث تبدو طهران تحت ضغطٍ هائل وتسعى لطرق الباب السعودي باعتباره المنفذ الوحيد للنجاة، فيما تتصرف السعودية باعتبارها تمسك بالخناق الإيراني، وبإمكانها فرض شروط الاستسلام على إيران، وهذه ليست لوحة سياسية، بل لوحة سوريالية، وليست سوريالية فقط، بل أنجزها رسام فقد توازنه، وفقد القدرة على التحكم بأنامله والفرشاة، فإيران التي تدرك أنّ آل سعود لا يملكون من أمرهم شيئاً، تمدّ يد الحوار وهي على ثقةٍ كاملة بأنّ القرار في البيت الأبيض لا في قصر اليمامة، هذا في الوقت الذي تعتقد فيه السعودية أنّ التخلص من إيران لا يحتاج سوى لقرارٍ أمريكي، تلكأ باتخاذه أوباما كما تلكأ ترامب، وأنّ مهمة المال السعودي والانبطاح لـ"إسرائيل"، سيجدي أخيراً قراراً أمريكياً عبر إدارة بايدن للتخلص من إيران، وسيتبعه أو يوازيه التخلص من"النظام" السوري وحزب الله والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن.

وهذا بالضبط ما تعنيه السعودية حين تقول إنّ على إيران تقديم حسن النوايا، وهي أن تقوم إيران بالعمل الذي تعجز"إسرائيل" عن القيام به، حيث تقطع علاقتها بسوريا أو تقوم بتقويض الدولة السورية، ثم تسحب سلاح حزب الله، وبالتوازي تفكك الحشد الشعبي وتأمر أنصار الله في اليمن بتسليم السلاح لحكومة الرياض اليمنية، وقبل ذلك كله تتخلى عن برنامجها النووي وتدمر ترسانتها الدفاعية، ثم ستقوم السعودية بالتعطف على إيران بأن تدفع المال لـ"إسرائيل" على سبيل الرشوة، لإقناعها بإعادة افتتاح سفارتها في طهران، حتى يرفرف علم نجمة داوود في طهران والرياض ودمشق وصنعاء وبغداد بالتوازي، وهكذا تسمح أمريكا و"إسرائيل" لشعوب المنطقة بالتنفس والعيش، وتصبح "إسرائيل" صاحبة اليد العليا في المنطقة، وهي تقرر من يحكم ومن يُحكم، وتقرر من يعيش وكيف يعيش، ومن هم مواطنو الدرجة الثانية بعد اليهود، ومن هم مواطنو الدرجة الثالثة والرابعة وحتى العاشرة، ومن هم مواطنو السجون ومن هم مواطنو القبور، وهذا الخبل الذي يظنه آل سعود "شطارة" سياسية، هو جزءٌ من الوظيفة التي أُسست المملكة على أساسها، فالأساس وظيفي لخدمة المشاريع الاستعمارية بالوراثة، ولكن لأنّ إيران ومحور المقاومة يستزيدان من أسباب القوة والقدرة، أصبح قيام السعودية بوظائفها أكثر تعقيداً.

إنّ "الأسرلة" التي تسعى إليها الولايات المتحدة عبر أدواتها، تحتاج إلى تركيز الجهد أكثر، وعدم تشتيت جهد الأدوات، وهذا يعني أنّه سيتم ابتداءً محاولة إخراج السعودية من أوحال اليمن بأقل الخسائر الممكنة، وسنسمع الكثير من الدعوات لوقف الحرب، وستقوم إدارة بايدن ببذل جهودٍ كثيرة لوقف هذه الحرب، لتوفير مال وجهد أدواتها في ساحةٍ مركزية، قد تكون سوريا أو العراق أو كليهما، وقد رأينا نذر ذلك في الأسبوع الأخير عبر تنشيط خلايا "داعش"، وفي حال عودة الأمور للمربع الأول، أي قدرة محور المقاومة على تفريغ تحركات داعش من فعاليتها، قد تصل الأمور في مرحلة لاحقة حد افتعال معارك عسكرية محدودة ضد إيران، لا تصل إلى درجة الحرب الشاملة، ولكنها تضمن إشغال إيران بنفسها من جهة، والتأثير على التدفق النفطي لكلٍ من روسيا والصين من جهةٍ ثانية عبر الخليج، بما يؤثر عميقاً على اقتصاديات البلدين، بما له من تداعيات على قدرتهما على منافسة الولايات المتحدة، وعليه فإنّ الصراع يبدو صفرياً، بين محاولات تأبيد "إسرائيل" وتسييدها، وبين الحفاظ على مكوناتها الإنسانية ومكنوناتها الحضارية، لذلك فالأرجح أنّنا مقبلون على تأزمٍ لا على انفراج، فعهد بايدن الذي اعتبره البعض متنفساً بدأ ساخناً، ويبدو أنّ جميع الأطراف تجهز مسرح المواجهة المقبلة لا صالون الحوار.