حزب الله اللبنانيّ وحزب الله الإقليميّ
ناصر قنديل
– تجري محاولة بين عدد من المتعاطين في الشأن العام، وبعض الناشطين والسياسيين والإعلاميين، لتقديم مقاربة ثالثة تتميز بين المقاربتين السائدتين، المقاربة التي تعلن العداء لحزب الله وتتماهى مع الحرب المعلنة عليه من حلف تقوده واشنطن وتتجنّد له "إسرائيل” وتحرّض عليه وتموّله عدد من حكومات الخليج، والمقاربة التي تتماهى مع موقع وموقف حزب الله، في اعتبار قضية سلاحه وحضوره في لبنان والإقليم مصدر قوة للبنان، واعتبار كل محاولة لتحجيم هذا الحضور وجهاً من وجوه حرب الإلغاء التي سيدفع لبنان ثمنها إذا حققت أهدافها، كما عبر عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وتقوم المقاربة الثالثة على محاولة إقامة فصل افتراضي بين مفهومين تسمّي أحدهما حزب الله اللبناني والآخر حزب الله الإقليمي، وتدعو حزب الله للتراجع التدريجي عن تمدّده الإقليمي لحساب هويته اللبنانية، وتدعو خصوم حزب الله لاعتبار هذا التموضع الجديد لحزب الله كافياً لوقف حالة العداء ضده، وتراهن على إنشاء مساحة لبنانية جامعة تحت هذا العنوان. وليس خافياً أن التيار الوطني الحر يتصدّر قائمة أصحاب هذه المقاربة، من خلال الدعوة التي أطلقها رئيسه النائب جبران باسيل لتشجيع حزب الله على الانسحاب من سورية، والتخفف من حجم حضوره الإقليميّ.
– مع الاحتفالات التي أقامها حزب الله تكريماً للقائد قاسم سليماني، توسّعت دائرة المتحدثين عن هذه المقاربة وشملت أسماء تنطلق من حسن نية وأخرى من سوء نية، لتصير مطلوبة مناقشة هذه الفرضية، خصوصاً أن جمهور هذا المنطق وهذه المقاربة في جمهور التيار الوطني الحر، كحليف رئيسي لحزب الله، يتّسع ويتقدم بيقين أنه صاحب حق وأن مطلبه واقعي، وصار حاجة وضرورة وطنيّة في ظل الحصار الذي يتعرض له لبنان والضغوط الاقتصادية التي تتهدّده بالانهيار. والنقاش هنا ليس بخلفية مسبقة للإثبات أو النفي بل للاستكشاف والاستقراء، من خلال التحري والتدقيق بحساب الوقائع والحقائق، لرصد الخلاصة الموضوعيّة البعيدة عن الرغبات.
– في الوقائع يجري الحديث عن تمدّد حزب الله إقليمياً وصولاً لنشوء ما يُسمّى بحزب الله الإقليميّ، من خلال الإشارة المكثفة والمركزة الى دور لحزب الله في اليمن والعراق، بالرغم من كونه كدور يقع حكماً في مرتبة أدنى بكثير من دور حزب الله تجاه فلسطين، سواء بالدعم المعنوي للمقاومة الفلسطينية، وتمسكه بأولوية القضية الفلسطينية، والتزامه بتقديم كل الدعم المادي والتجهيز التسليحيّ، بقياس بعض قليل من هذه المواقف والأدوار تجاه أحداث العراق واليمن، والأدوار المفترضة في اليمن والعراق تقع حكماً في مرتبة أدنى بكثير وكثير جداً، من مرتبة الدور الذي قام به حزب الله ويقوم به في سورية. وتتفرّع عن هذين الدورين البارزين والفاعلين لحزب الله تحت العنوانين الفلسطيني والسوري، وتبدو العلاقة بين حزب الله وإيران أيضاً فرعاً من أصل، وليس العكس رغم مكانتها العقائدية في تجربة حزب الله وتكوينه. والأصل هو التزام حزب الله وإيران بدرجة واحدة لمكانة القضية الفلسطينية والصراع مع كيان الاحتلال في مرتبة الأولوية ضمن جدول أعمال كل منهما، بينما ينظر حزب الله لمعادلات قوى المقاومة في العراق واليمن، إضافة لموقفه التضامني المعنوي، من الزاوية المقابلة للنظرة الإسرائيلية، وجوهر النظرتين، التموضع على ضفاف الحرب المقبلة التي تتشكل من حزب الله و”إسرائيل” قطبي الاشتباك فيها، ويتحلق من حولهما الآخرون.
– حزب الله الإقليميّ، هو حزب الله الذي أنشأ شبكة تحالفات عابرة للإقليم تنتظم وراءه في أي مواجهة مقبلة مع "إسرائيل”، وبالتوازي مع أهمية الانتصار على الشبكات الإرهابية في سورية الذي شارك ولا يزال بصناعته، شكّل وجوده في سورية مدخلاً لحقيقتين جديدتين، الأولى هي معادلة جديدة تتجذّر كل يوم على جبهة الجولان تجعل التفكير الإسرائيلي بالحرب أشد تعقيداً، والثانية هي معادلة الصواريخ الدقيقة التي شكلت تحولاً نوعياً قلب موازين المواجهة المفترضة مع الكيان وجعل خيار الحرب أبعد، بينما كانت العلاقة بإيران جوهر هذا التحوّل. وبالتوازي لم تكن لأدوار حزب الله الفلسطينية نتائج على جبهة تعزيز قدرة قوى المقاومة في فلسطين فقط، بل كان من نتائجها أيضاً تعقيد خيار الحرب على حزب الله بالنسبة لقيادة الكيان.
– من حيث لا ينتبه دعاة الفصل بين حزب الله اللبناني وحزب الله الإقليمي، فهم يشاركون في فرضيّة وهميّة لا يمكن إثباتها، تقول إن الصراع مع كيان الإحتلال لم يعد العنصر المحوريّ في صناعة السياسة في الإقليم، والمستند الوحيد لهذه الفرضية هو أن عدداً من الحكومات العربية وخصوصاً في الخليج اتخذت من هذه الفرضية ذريعة للانتقال الى مرحلة التحالف مع كيان الاحتلال، بينما الأمر لا يتّصل بالحديث عن قراءة خطاب الاصطفافات، بل عن تحديد جوهر محركات هذه الاصطفافات، فمشاريع التطبيع ليست إلا تأكيداً إضافياً على محورية الصراع مع الكيان في صناعة السياسة، حيث يذهب الكيان المأزوم على جبهته الشمالية بسبب تنامي قوة حزب الله لإنشاء شبكات رديفة للقوة السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة جنوباً نحو الخليج، ومن يريد للبنان الاستقرار عليه أن يضع في أولوية اهتماماته الإجابة عن سؤال بات ضجيج الصالونات يحجب حضوره، رغم محوريّته الحاكمة، وهو كيف نجعل خيار الحرب الإسرائيليّة على لبنان أشدّ بعداً، في ظل سعي إسرائيليّ محموم لتوسيع التحالفات، تحت عنوان مواجهة حزب الله، وامتلاك المزيد من المقدرات، والانتقال بالتوازي إلى تشبيك اقتصاديّ يستهدف لبنان، وليس حزب الله فقط، ليصير السؤال الأول، هل يفكر المعنيّون وصناع القرار بين أعداء حزب الله بالطريقة التي يفترضها أصحاب المقاربة المفترضة؟ أي هل يعتبر هؤلاء وعلى رأسهم الأميركي، ومن خلفه الإسرائيلي، أن قضيتهم هي موقف حزب الله من اليمن والعراق في الحروب الدائرة هناك، أم موقف اليمن والعراق من حزب الله إذا وقعت الحرب هنا؟ وهل يتغاضى هؤلاء عن صواريخ حزب الله الدقيقة إذا سار حزب الله بروزنامة اللبننة، وإن لم يكن الأمر كذلك فهل سيكون قبول حزب الله كافياً لتبدل مواقف الأطراف اللبنانية المتموضعة على ضفاف العداء لحزب الله، على الأقل، أم سيعتبرون كما أعداء حزب الله في الخارج، ان حملاتهم العدائية بدأت تثمر، وأن ما لم تنجزه هذه الدرجة من العداء سينتجه المزيد من العداء، بينما يكون حزب الله قد جرّد نفسه من مصادر حاسمة في صناعة القوة التي جعلت وتجعل الحرب أشدّ بعداً، فتصير الحرب أقرب وأشدّ قرباً؟
– حزب الله اللبناني هو حزب الله الممسك بمقدرات تتصدّرها صواريخه الدقيقة، والمحاط بشبكة تحالفات عابرة للإقليم تشكل حزام الصواريخ الذي يطوق كيان الاحتلال، وهذه التحالفات قالت علناً إنها مستعدّة لمشاركة حزب الله الحرب التي قد تُشنّ عليه، من فلسطين والجولان والعراق واليمن وصولاً الى إيران، ما يجعل فرضية الحرب على لبنان أشدّ ضعفاً، ويجعل الاستقرار اللبناني الخارجي أكثر رسوخاً، بانتظار نجاح اللبنانيين بالبناء على ذلك لصناعة الاستقرار الداخلي، فهل يفعلون؟ وهل يدركون أن عليهم الجواب على سؤال، إذا كان هذا هو حزب الله اللبناني فهل يختلف عنه بشيء آخر حزب الله الإقليمي؟