kayhan.ir

رمز الخبر: 125425
تأريخ النشر : 2021January19 - 20:20

لا يا سادة.. هذه هي أميركا

محمد يونس

"هذه ليست أميركا" مقولة تكررت على لسان معظم مسؤولي الولايات المتحدة الأميركية ووسائل إعلامها الموكل إليها تعليب وقولبة الرأي العام الداخلي والخارجي وذلك في محاولة للتغطية على ما حصل في السادس من الشهر الحالي حين هاجم مناصرون للرئيس الأميركي دونالد ترامب مبنى مجلس النواب الأميركي في واشنطن أثناء انعقاد جلسة التصديق على فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة وعاثوا فيه فسادًا.

غوغاء، عنصرية، عنف مفرط، عدم قبول بنتائج انتخابات، حجب مواقع التواصل الاجتماعي لحسابات ترامب (عندما هدد مصالح الولايات المتحدة)، في المقابل: محاكمة عناصر الشرطة الذين لم يتدخلوا لمنع اقتحام مبنى الكونغرس في صورة مزدوجة بين العبارات الرنانة والنموذجية في الدفاع عن حرية التعبير التي يصاحبها أعمال عنف وشغب في بلدان العالم، وضغط واشنطن لمنع "قمع الشعب او المتظاهرين"، وفي الوقت نفسه تقوم بمحاكمة عناصر الشرطة الذين لم يقمعوا متظاهري واشنطن.

مشهد السادس من كانون الثاني 2021 قد يكون من أكثر المشاهد تعبيرًا عن حقيقة الولايات المتحدة. مع أنها ليست المرة الأولى، ولكنه تمكن من خرق الجدار الإعلامي والسياسي الذي أقامته منظومة الهيمنة الأميركية لتجميل الوجه الحقيقي لها عبر شعارات الديمقراطية وحكم القانون وحرية التعبير، فبنظرة سريعة على تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية يمكن للمتتبع الاطلاع على ما يجري تحت هذا الغطاء الإعلامي السياسي:

- 1861 بعد انتخاب لينكولن شن الجنوب حربًا أهلية بدلًا من قبول التداول السلمي للسلطة، بعدما رفضت ولايات الجنوب القبول بفوز الجمهوري ابراهام لينكولن في الانتخابات الرئاسية وعلى خلفية رفضهم لوعوده بسن قانون تحرير العبيد. خلفت هذه الحرب خلال أربع سنوات من القتال العنيف ما بين 620,000 إلى 750,000 من الجنود القتلى، وهي الحصيلة التي تعدّ أعلى من قتلى الجيش الأمريكي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعتين، ودمرت أجزاء كبيرة من البنى التحتية في الجنوب، كما انتهت باغتيال لينكولن في العام 1865.

- حصلت في عهد لينكولن ثورة لقبيلة السو الهندية في ولاية مينيسوتا في الشمال الغربي للبلاد، تم القضاء عليها وإعدام ما يقارب الثلاثمائة من الثوار بعد توقيع لينكولن على قرار الإعدام.

- 1876 لف نتائج الانتخابات الرئاسية بين الجمهوري رذرفورد ب. هايز والديمقراطي صمويل تيلدن شوائب كبيرة على خلفية وجود مخالفات خطيرة بالانتخابات بكل من كارولينا الجنوبية ولويزيانا وفلوريدا إذ ادعى الجمهوريون، حسب شهادات عدة، قيام جمعيات وأفراد عنصريين من البيض، محسوبين على الديمقراطيين، بتقديم رشاوى وممارسة العنف الجسدي ضد السود لإجبارهم على عدم التصويت. وبولاية أوريغون، تحدث الجمهوريون عن مخالفة خطيرة أخرى فأكدوا على لجوء حاكم الولاية، المنتمي للحزب الديمقراطي، لتغيير أحد أفراد المجمع الانتخابي عن الولاية بشكل غير قانوني وتعويضه بآخر ذي ميول ديمقراطية، انتهت بفوز هايز بعد تسوية تقضي بإنهاء إعادة الإعمار والاحتلال العسكري للجنوب. ولكن بدأت حينها معاناة السود التي امتدت إلى نحو قرن من الزمن بسبب ارهاب قوانين جيم كرو.

- قوانين جيم كرو: بعد تسوية 1877، التي حصلت بين الحزبين وأدت إلى سحب القوات الفيدرالية من الجنوب، استعاد الديموقراطيون البيض قوتهم على كل الولايات الجنوبية، وتمكنوا من إقرار قانون جيم كرو الذي يقضي بعزل السكان السود عن البيض في كل المرافق العامة كالإسكان والرعاية الطبية والتعليم والتوظيف والنقل، لكن ذلك لم يمنع السود من الاستمرار بالمشاركة في انتخاب المكاتب المحليّة. وفي العام 1880 قام الديموقراطيون بتمرير حزمة من القوانين لتقييد عملية الانتخاب، فتضاءلت بذلك مشاركة السود والفقراء من البيض. وفي 1890 قامت الولايات الكونفيدرالية بتمرير دساتير وقوانين جديدة تتطلب إجراءات معينة للتصويت (كدفع ضريبة معيّنة لذلك) مما تسبب في تقليص مشاركات السود وحتى الفقراء من البيض، وبمنع القدرة على التصويت في الانتخابات، ولم يتمكن السود والبيض الفقراء من الخدمة في هيئات المحلّفين أو في المكاتب المحليّة، ولا في التأثير على الهيئات التشريعية في الولايات، فتمّ تجاهل كافة مطالبهم. وهكذا صار فصل الأميركيين الأفارقة عن باقي السكان أمرًا مشروعًا قانونًا ورسميًا استمر حتى العام 1968 وترسخ في عرف الأميركيين إذ صار فصل السود ثقافة لديهم. ويمكن مراجعة التاريخ الأميركي للوقوف على الممارسات العنصرية الكثيرة ضد السود، قد لا يكون آخرها احتجاجات "حياة السود مهمة" التي اجتاحت الولايات الأميركية السنة الماضية.

قد يكون ترامب أسوأ رئيس أميركي عرفه العالم لكنه بلا شك أفضل رئيس عبر وبكل صدق عن الوجه الحقيقي لتلك البلاد التي قامت أساسًا على المجازر والدماء وسرقة الأراضي، ففي عهده ظهرت جلية العديد من الإخفاقات من الاقتصاد الى السياسة الى الرعاية الاجتماعية الى احترام القوانين وليس الفشل الذريع في مواجهة جائحة كورونا والفشل الأكبر في تلقيح المواطنين آخرها.

والى الذين يقولون إن ترامب ليس سوى حالة منعزلة في الحياة السياسية الأميركية يمكنهم الرجوع إلى نتائج التصويت الأخير في الانتخابات الرئاسية الأميركية ليجدوا ان حوالي نصف الشعب الأميركي قد صوتوا لصالحه وجزء من النصف الآخر لم ينتخبه ليس كرها له بل بسب الحملة الاعلامية التي شنها الاعلام الاميركي ضده.

فعن أي ديمقراطية تتحدثون في بلد احتاج إلى نشر أكثر من 25 ألف جندي من الحرس الوطني وعدد من قوات الجيش الأميركي اضافة الى عناصر الشرطة والمخابرات وذلك فقط لتأمين انتقال سلمي للسلطة؟

نعم يا سادة هذه بعض نماذج للصورة الحقيقية للولايات المتحدة "الرأسمالية المتوحشة".