السعودية: ترميم الأضرار.. وتركيا: الخاسر الأكبر
حسام مطر
تمكّنت السعودية هذا العام (2014) من ترميم جملة من خسائرها في المجال "العربي – السني"، بموازاة فشلها في تقليص نفوذ إيران الإقليمي. مجمل ما حققته الرياض كان من حصة أنقرة. الإنجاز السعودي الأهم كان في إسقاط حكم "الإخوان" في مصر وتأمين بديل للحكم منسجم مع المصالح السعودية. أنهى السعوديون "عصر الإخوان" بسرعة باهرة. عصرٌ افتتح بمباركة أميركية ورعاية تركية – قطرية. سرعان ما انعكس التحول في مصر على مجمل الأوضاع في ليبيا وتونس وغزة وقطر. إنه عام عودة السعودية لضبط التوازنات في المجال "العربي – السني”.
في المقابل، كانت السعودية تشهد نهاية "حلمها” في سوريا، أي سقوط مشروع "إسقاط سوريا”، النظام والدولة. جرى الاستعاضة عن هذا الفشل بالمزيد من الحقد ورعاية الإرهاب في سوريا بغرض التدمير والإبادة فقط. في لبنان والعراق لم تستطع السعودية كسر التوازنات القائمة. هي ليست اللاعب الحاسم في كلا الملفين، ودورها يأتي تحت المظلة الإيرانية. إلاّ أن الخسارة السعودية الأبرز كانت في اليمن، خسارة من شأنها أن تعزز فرص التسوية مع الإيرانيين. صعود "السلفيات الجهادية” بما يتجاوز التوقعات استفز السعوديين خاصة بظل الرعاية التركية لـ "داعش” وهي رعاية موجهة ضد إيران والسعودية معاً.
تركيا: الخاسر الأكبر
إنه عام "تصفير” الحلم الإمبراطوري لحزب "العدالة والتنمية”. سقوط الإخوان دفع بالأميركيين الى إعادة الأتراك الى المرتبة الثانية لصالح السعوديين. الأوهام التركية، العنجهية، وقلة الخبرة أدت الى صدامات تركية في كل الاتجاهات وصولاً الى العزلة التامة تقريباً. بالتوازي مع نجاحات أردوغان الداخلية، تراكمت الإخفاقات الخارجية، إمبراطور في الداخل وقزم في الخارج. يهوى أردوغان "اللعبة الصفرية”. هو يسعى للاستحواذ (كما يمارسه في الداخل) وليس للشراكة. إلا أن السعودية وإيران أكثر منه خبرةً وتجذراً في الإقليم وتمكناً من تحجيمه. لا يبقى للأتراك حالياً إلا التمسك بتغطية "داعش” لحين قبض ثمن رأسها، التشدد في التسوية السورية، بث الاحتقان المذهبي، والتحريض بين السعودية وإيران.
إيران: تثبيت المكاسب
أدرك الإيرانيون أنهم ضمن الظروف الحالية، في ظل العقوبات عليهم والاستنزاف في سوريا والعراق، بلغوا أقصى ما يمكن لهم من نفوذ إقليمي، فاتجهوا الى تثبيت المكاسب بعد أن نالوا إقرار الغرب بكونهم قوة إقليمية لا يمكن إنكارها، وقوة نووية يجب التفاهم معها. هذا التثبيت يبرز من خلال النجاح في تحصين الدولة في سوريا، والانتقال لدور أوسع وأعمق في المشهد العراقي بعد التوسع "الداعشي” بما يعنيه ذلك من فرصة لخروج العراق نحو دور إقليمي لا غنى عنه في المرحلة المقبلة، وعودة حماس للانفتاح الإيجابي على إيران، وظهور الحوثيين كلاعب حاسم في اليمن، وانتقال حزب الله لدور إقليمي غير مسبوق. الخط من طهران الى بيروت أصيب بندوب عدة بطبيعة الحال، ولكنه يتكيف معها ويفتح أفقاً للترميم بل وتمتين الشراكة والإدارة الإستراتيجية لهذا الخط. محور المقاومة مصاب بالندوب ولكن خصومه ممزقون ومتناحرون.
سوريا: إنهاء الاستنزاف
كرست أحداث العام 2014 استعادة الحكومة السورية وحلفائها للمبادرة في مسار تصاعدي من التقدم الميداني رغم بعض الانتكاسات الظرفية. أعداء سوريا انتقلوا الى الخطة "ب” أي من الإسقاط الى الاستنزاف الى أبعد أمد ممكن. في المقابل، تتركز جهود الجيش السوري وداعميه على حسم وتأمين المناطق الأساسية التي يقيم فيها أكثر من 90% من السكان، عبر دفع المسلحين الى مناطق طرفية غير مأهولة. قطعت هذه الإستراتيجية شوطاً كبيراً لا سيما في دمشق وحمص وحلب. مع تأمين المناطق والمدن الكبرى وعزل المسلحين، يجري تقليص حال الاستنزاف ومستوى العنف وبدء عمليات النهوض وإن بشكل بطيء ومتدرج.
هذا التقدم للجيش السوري، بالتزامن مع نهاية "الجيش الحر” لصالح "النصرة” و”داعش”، وتشظي "الائتلاف المعارض”، يعزز تغيير المقاربة الدولية للوضع السوري الى مقاربة أكثر واقعية ترى في مواجهة الإرهاب كأولوية لا يمكن العمل عليها إلا من خلال القيادة السورية الحالية. لكن التسوية النهائية لا تزال بعيدة وليست من ضمن أجندة عام 2015. لكن مع تقليص الاستنزاف الى حدوده الدنيا يصبح التعايش والتكيف مع الأزمة متاحاً لفترة طويلة.
"السلفيات الجهادية”: هل تلقى "داعش” مصير القاعدة؟
كان بروز "داعش” و”النصرة” بهذه القوة نتيجةً لحدّة الانقسام الإقليمي في لحظة صدام كبرى في العراق وسوريا. وقد استغلت "داعش” و”النصرة” ذلك بما يفوق قدرة الجميع على الاحتمال. كلما ضاقت مساحة الانقسام الإقليمي سيكون الضرر الأكبر من نصيب هذه الجماعات. بلغت هذه الجماعات ذروتها في العام 2014 والمسار العام مستقبلاً هو تراجعي. إلاّ ان حدة هذا التراجع مرتبطة مباشرة بالوضع السوري.
من المستبعد أن تتمدد هذه الجماعات مجدداً نحو المدن التي أحكم الجيش السوري قبضته عليها. هي ستخوض معارك أرياف في المجمل، فيما بينها ومع الجيش السوري، ولكن لا أفق للحسم في هذه المناطق. نهاية هذه الجماعات مرتبطة بإنجاز التسوية الدولية في سوريا، لا سيما مع الهزيمة المتوقعة لـ "داعش” في العراق. تتميز هذه الجماعات بحس عالٍ من المخاطرة والجرأة لا سيما مع بداية أفولها ولذا لن يكون مستغرباً قيامها بخيارات جنونية وانتحارية.
خلاصة
التسوية الأميركية الإيرانية مرتفعة الحظوظ للمرة الأولى. ومن المحتمل أن تنعكس في تسويات موضعية بين إيران والسعودية لا سيما في العراق ولبنان واليمن بدرجة أقل. "داعش” تجاوزت ذروتها وعلى الأغلب سنشهد نهايتها في الشق العراقي، وينتقل ثقلها الى الشمال السوري. "الإسرائيلي” يستمر باستغلال الحروب "الأهلية” العربية لمزيد من القضم والاعتداءات على الشعب الفلسطيني. الأميركي من ناحيته، سيحافظ على مقاربته الحذرة في المنطقة ولن يخوض مغامرات كبرى. العنوان الأساسي للجهد الأميركي هو تثبيت توازن إقليمي يتعايش مع دور طهران الجديد ولكن لا يسمح لها بمزيد من التمدد.
لكن فرضية وقوع تطورات مفاجئة تبقى عالية. البيئة الإقليمية تسود فيها حال عدم اليقين نظراً لكثافة اللاعبين، واضطراب التوازن، وحضور الانفعالات الهوياتية وضمور الحكومات المركزية لصالح قوى ومنظمات لها معاييرها الخاصة وطموحاتها المرتفعة. إلا أنه بالمجمل يبدو أن الشرق الأوسط يتجه لتثبيت موازين القوى الجديدة، ولكنها عملية لن تكتمل في 2015، هي بداية فعلية لرسم النظام الإقليمي لما بعد "الربيع العربي”.