kayhan.ir

رمز الخبر: 125101
تأريخ النشر : 2021January12 - 20:16

مصالحة خليجيّة زائفة بين قطر والسعوديّة…!

د. جمال زهران

ثلاث سنوات مرّت على تصعيد الرباعي العربي، ضدّ قطر، تلك الدولة الصغرى (مساحة وسكاناً)، وهي الدولة الدور في الإقليم عربياً وشرق أوسطياً، بغضّ النظر عن تقييم هذا الدور. فالرباعي العربي يضمّ السعودية والإمارات والبحرين، وانضمّت "مصر”، لدعم هذا المحور واستغلال الفرصة من دون أن تكون سياسة مصر، هي سياسة مستقلة نشيطة، تراعي مصالحها العليا والتي تتسق مع حتمية دورها الإقليمي القائد.

وفي ضوء تكوّن هذا المحور، الذي قسّم دول الخليج ومجلسها التعاوني، فإنّ الكويت وعُمان، رفضتا الانضمام لسياسات هذا المحور ضد قطر، وأصرّت على القيام بدور وساطي تصالحي، يرفض "المحورة” والاستعداء غير المبرّر، حسب تقديرات دولة الكويت على وجه الخصوص. ولم تملّ أو تكلّ دولة الكويت عن القيام بدورها التصالحي والتوفيقي، إلا أنها لم تستطع خلال السنوات الثلاث عن تحقيق إنجاز فعلي، حتى أصبحت كلّ الطرق مسدودة. واجتمع مجلس التعاون الخليجي طوال السنوات الثلاث، اجتماعات شكلية من دون إنجاز، وكانت القطيعة هي المتغيّر الأساسي في عدم فعالية هذه الاجتماعات، بل ومجلس التعاون ذاته الذي فقد وهجه وفعاليته، وأضحى مجلساً شكلياً!! ولذلك جاءت دعوة "ترامب”، وصهره (كوشنر) الذي يعمل مستشاراً له، بضرورة المصالحة بين دول الخليج، وعلى وجه الخصوص (قطر/ السعودية)، بغض النظر عن بقية الأطراف (الأربعة الخليجية الأخرى، ومعهم مصر)، وذلك تحقيقاً للعديد من الأهداف، في هذا الوقت شديد الحساسية. ويمكن تحليل ما تمّ من تصالح وتقييمه، وفقاً لما يلي:

أولاً: بيئة التصالح:

بذلت الجهود الأميركية والوساطة الخليجية الشكلية من الكويت كغطاء للسلوك الأميركي الهادف لتحقيق المصالحة بأي صورة وأي شكل، وذلك بعد أن أعلنت نتيجة انتخابات الرئاسة وسقوط "ترامب” الجمهوري، ونجاح "بايدن” الديموقراطي. ومن ثم فإنّ الرئيس الأميركي الساقط "ترامب”، يمارس عمله كرئيس انتقالي في فترة انتقالية، يستلزم الأمر أن يتريّث في قراراته وأن يقتصر عمله على النواحي الإجرائية، وإتمام عملية نقل السلطة في هدوء وسلاسة، وتجنّب المشاكل الحاضرة والمستقبلية بالنسبة للرئيس الجديد.

كما أنّ الإقليم على صفيح ساخن، بعد مفاجأة سقوط ترامب، ولم يكن أحد من أطراف الإقليم يتوقع ذلك، بل تكيّفوا مع ترامب، وعرفوا طبيعته ونهمه للمال والسلطة، وبالتالي استرخى هؤلاء الحكام في مقاعدهم الوثيرة بضمانهم تأييد ترامب المطلق، مهما ارتكبوا من جرائم في حق شعوبهم، وفي حق شعوب الدول الأخرى! وقد ارتاحت أميركا في عهد ترامب لوجود مثل هذا النوع من الخلافات التي تعكس التناقضات الشكلية، وهي بكلّ أطرافها تحت السيطرة الأميركية! ولذلك جاءت نتيجة سقوط ترامب مدوية ومزلزلة للعروش والقصور، وتحتاج إلى استفاقة، واستعداد لمواجهة "بايدن” الديمقراطي، بأجندته المعاكسة لترامب وحزبه الجمهوري المتغطرس الذي يعشق القوة والنظم الديكتاتورية المتسلطة على شعوبها! وفي القلب من تلك البيئة، ذلك المعنى بالاتفاق النووي الإيراني، ومستقبله، وفي المقابل التطبيع الخليجي المتسارع والمتسرّع بلا ثمن، إلا أنه يأتي على خلفية النزاع الخليجي الإيراني!

وفي ضوء أنّ البيئة المقبلة بعد تولي "بايدن”، ستكون مختلفة عما هي الآن في عهد "ترامب” الساقط والمتغطرس، الذي سعى ترامب إلى بذل الجهد من أجل التلاعب بطبيعة البيئة المقبلة لتحقيق أهداف سياسية خاصة، وإعاقة للرئيس القادم لضمان استمرار أجندته وسياساته! ومن ثم فإنّ عمليّة المصالحة الخليجيّة تأتي في ضوء بيئة مركبة دولياً وإقليمياً ومحلياً، وكلّ هذه المتغيّرات لا بدّ من أخذها في الاعتبار عند التحليل السياسي.

ثانياً: عملية التصالح:

أصرّ "ترامب” من خلال "كوشنر” (مستشاره)، على إتمام عمليّة التصالح بأيّ ثمن. ذلك هو القرار، وقام بمفاوضات مكوكيّة، والدفع بجهود ظاهرية للكويت باعتبارها راعية عملية المصالحة الخليجية من قبل، وقد يكون السبب في حضور الأمير، اجتماعات مجلس التعاون الخليجي. وبدلاً من عقد مؤتمر خاص بالمصالحة، ثم عقد مؤتمر المجلس المؤجل من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020 وهو موعده السنوي العادي! ونتيجة عدم الموافقة على التصالح من أطراف خليجية والرباعية، كان اجتماع مجلس التعاون، مع دعوة مصر شكلياً من قبل ملك السعودية! وقد ظهر ذلك في رفض حضور رئيس مصر رغم دعوته رسمياً، وقصر التمثيل على وزير الخارجية المصري، ورفض حضور رئيس دولة الإمارات أو ولي العهد (الحاكم الفعلي)، ورفض حضور ملك البحرين، أي أنّ ثلاثة أطراف من الرباعية لم يحضروا على مستوى القمة. بينما وافق أمير دولة قطر على الحضور، وبشرط مسبق وهو إعلان السعودية فتح الحدود البرية والبحرية والجوية مع قطر، وهو ما تحقق فعلاً، قبل أن يعلن أمير قطر بالموافقة على الحضور، وتحوّل خطابه إلى لهجة المصالحة!! كما أنّ سلطان عُمان، لم يحضر، واقتصر الحضور الشكليّ على أمير دولة الكويت، استحضاراً لها في الصورة كراعية للتصالح! بينما عملية المصالحة الحقيقية بعيداً عن الرباعية ومجلس التعاون الخليجي، تمت بين ولي عهد السعودية (محمد بن سلمان)، وبين أمير قطر (الشيخ تميم)! وبحضور "كوشنر” الراعي الحقيقي لهذا الاجتماع وتلك المصالحة!

ولذلك فإنّ التقييم الإعلامي حول عملية التصالح كان متعمداً، لتترك الأمور للتكهنات. حيث لم تصدر وثيقة رسمية حول عملية المصالحة الحقيقية! وهو أمر غريب.

ثالثاً: المخرجات:

تمخض ما حدث عن تصالح شكلي بين أمير قطر (تميم)، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن طريق الإيحاء بتكون تحالف جماعي تحت رعاية أميركية لترامب، في مواجهة إيران، لتكون مقدّمة في التعامل مع الرئيس الأميركي الجديد "بايدن”، لإعاقته عن احتمالات إلغاء تجميد ترامب للاتفاق النووي، واستعادة الحياة في هذا الاتفاق، الأمر الذي يهدّد مصالح دول الخليج، إجمالاً وعلى وجه الخصوص (السعودية).

والخلاصة والمستقبل يشيران إلى أنّ ما تمّ لم يخرج عن تصالح شكلي، وليست عملية "مصالحة” حقيقية، وأنّ ذلك كشف حجم الخلافات بين دول الرباعية، ودول المجلس، وبين مصر أيضاً، أكثر مما أكد وجود اتفاقات أو توافقات.

وقد رضخ الجميع لمشيئة "ترامب وكوشنر”، وما تمّ هو بناء هش، قابل للإزاحة، وأنّ عملية التطبيع المتسارعة والمتسرّعة، مع الكيان الصهيوني قابلة أيضاً للتوقف والتراجع في ضوء المتغيّر الكبير والمقبل، وهو قدوم رئيس أميركي بأجندة مختلفة، بينما خرج "ترامب”، بفضيحة كبرى هزت عرش الديموقراطية الأميركية، بعد واقعة اقتحام أنصاره للكونغرس يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2020، في واقعة غير مسبوقة. وستكشف الأيام القادمة عن المزيد، فلننتظر.. والمقبل صعب.