ضفائر عقدت بسياج البيت الابيض
حسين شريعتمداري
رحم الله العلامة "محمد تقي جعفري" ويزيد من درجاته، فكان يعقد في منزله (في طهران) جلسات ليالي الجمعة، تؤمها الشباب الجامعي من كل حدب وصوب. وخلال حديثه عن المعارف الاسلامية الاصيلة يتطرق لطرائف الحكم، وبهذا يقرب المعاني العميقة لاذهان المستمعين بواسطة هذه اللطائف والنوادر.
ففي واحدة من محاضرات المرحوم العلامة عرج على السيرة الذاتية لعالم الرياضيات والفلكي الالماني الشهير "يوهانس كبلر" الذي عاش في القرن السادس عشر، ومدى ايمانه بالخالق، في وقت تكاثرت محافل الملحدين (الاومانيزم) في الغرب، فكانوا يعارضون العالم المؤمن "كبلر" لعقيدته الالهية.
ولهذه المناسبة يشير العلامة الى طريفة، ما اشد قربها من حال بعض المتأثرين بالغرب في الداخل. فكان يقول؛
"يذكر ان مريدا في احدى الفرق الصوفية قد بالغ في اتباعه لمرشده، بحيث كان يصف كمالاته وعلومه لدى كل المجالس، ويزيد في ذكر كراماته، الا ان الناس لمعرفتهم بحال المرشد كانوا لا يعيرون اهمية لاساطير المريد وتمجيده لاستاذه. فما كان بالمريد الا واستشاط غضبا لعدم اهتمام الناس لكلامه، فقرر ان يسرد لهم كرامة عن استاذه الشيخ كي تهوي افئدتهم نحو المرشد ويتسابقوا لدرسه! فسارع للمسجد وانتظر الاستراحة بين صلاتي الظهر والعصر ليقف مخاطبا المصلين: ايها الناس، اسمعوا وعوا، ان شيخ الطريقة يقول انه بلغ في رياضاته الروحية مبلغا ان يطوي المسافات الشاسعة، بما يصطلح عليه "طي الارض"، وفي كل ليلة يخوض شرق الارض وغربها وشمالها وجنوبها ليسيح كل البقاع في الليل ويعود صباحا لداره!
فسارع المصلون الى دار المرشد بعد ان سمعوا المقالة من مريده وقد علاهم الغضب والفضول. فسألوه؛ ما هذه الارجوزة الجديدة التي تلاها مريدك اليوم؟ فقال الشيخ واي كرامة هي، اين انا والقدرة على طي الارض. فانا عاجز عن قطع المسافة بين الحمام في سوق المحل وبين داري،فاجلس عدة مرات لاستريح! فرجع المصلون الى عند المريد، وقالوا له؛ ايها الكذاب ما الذي دفعك لتتفوه بهذه الكذبة الشنيعة؟ فشيخك ينكر عليك ذلك! فاجابهم المريد؛ إن شيخي ليهذي، وقد صار يسخر من نفسه ومن رفات ابيه بجوابه هذا!".
هذه الايام تعيش اميركا اشد الازمات فظاعة لتصبح هويتها على المحك. وما الهجوم الذي شنه انصار ترامب قبل ايام على مبنى الكونغرس، الا مثالا على اعتراض قسم كبير من الشعب الاميركي على النظام الحاكم هناك.
فجعل المسؤولون الاميركيون والاوروبيون، وكذلك الكثير من منظري الستراتيجيات في العالم، جعلوا مكانة اميركا تتدحرج على قوس نزولي، حتى ان بعضهم، مثل؛ "ريتشارد هاس" مسؤول لجنة العلاقات الخارجية الاميركية في معهد الابحاث، يرى ان اميركا قد دخلت مرحلة القهقرى، وان المسؤولين في الكيان الصهيوني باتوا يتحدثون بهلع عن انهيار اميركا على المدى المنظور. بينما يشير موقع "فرانس 24" الى ان مؤامرات اميركا ضد سائر الدول في العالم قد رجع عليها. وحتى رؤساء اميركا السابقين، من كارتر والى جورج بوش وكلينتون واوباما، وآخرهم بايدن، يقيمون الاوضاع الحالية في اميركا بانها تبعث على الاسى والسخرية، وينتابهم الاسف لما آلت اليه شوؤن اميركا فلا تعير لها اي دولة وزنا. و...
في خضم هذه الاجواء المتشنجة في اميركا تنبري جماعة من المتأثرين بالغرب، من داخل ايران، بعقد ضفائرها بحائط البيت الابيض طلبا للشفاعة ويستجدون عند ساحل بحر الديمقراطية الاميركية مهللين مستبشرين بوجود المسؤولين الاميركيين، فيما الوضع ليس غامضا كي تشتبه عليهم الامور.
وكما قال الشاعر سعدي:
إذا انعدمت الفكرة عند البسيطة
فلا يبقى من يظنن انه جاهل