kayhan.ir

رمز الخبر: 124818
تأريخ النشر : 2021January08 - 19:54

ألغام "قمة العلا": نار المصالح تحت رماد التسوية

سركيس ابوزيد

مع بدايات عام 2021 افتتحت دول الخليج مرحلة إعادة التموضع بعد سلسلة اتفاقات التطبيع مع "إسرائيل" وإعادة ترتيب أوضاع البيت الداخلي، وذلك من خلال طي صفحة الأزمة مع قطر التي جمدت مسيرة مجلس التعاون لسنوات. ومع انعقاد القمة الخليجية انطلقت مرحلة جديدة في ظل تفاؤل حذر.

وافقت السعودية عشية القمة على فتح الأجواء والحدود مع قطر بعد أكثر من ثلاث سنوات على الاغلاق، وقبل أسبوعين من مغادرة دونالد ترامب منصبه في سعى إلى لمّ الشمل الخليجي لمواجهة ما قد يترتب على سياسات الادارة الجديدة في المنطقة، وخصوصًا لجهة تعاملها مع إيران. وفي هذه المناسبة تحدث مسؤول أميركي إلى "رويترز" عن دور جاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره، والمستشار الخاص لوزارة الخارجية الاميركية براين هوك، في توقيع اتفاق ترفع فيه السعودية والامارات والبحرين الحصار الجوي والبحري عن قطر، على أن تسحب الدوحة جميع الدعاوى القضائية ضد جيرانها الثلاثة، إضافة إلى وقف جميع الأطراف حملاتهم الاعلامية بعضهم ضد بعض.

هذا الاختراق كان ثمرة لجهود دبلوماسية مكثفة قادتها الكويت على مدار الأسابيع الماضية برعاية من إدارة ترامب التي ترغب في تسجيل حل للأزمة الخليجية في سجل إنجازاتها الدبلوماسية قبل مغادرة البيت الابيض. ولذلك أوفدت كوشنير الى الشرق الأوسط مطلع كانون الأول الماضي لعقد اجتماعين منفصلين مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني للوصول الى تسوية مبدئية للخلاف. وأهم ما يميّز المصالحة الخليجية أن الوثيقة النهائية ستكون ملزمة بضمان أميركي. لقد اقتنعت واشنطن أن تكون ضامنًا لاتفاق ملزم لكافة الأطراف خاصة الطرف القطري من أجل عدم تكرار ما حدث عام 2014. وبعد تجاوز عقبة الضمان أصبح مسار قطار المصالحة سالكًا.

والى جانب الضامن الأميركي، فإن المصالحة الجديدة مختلفة عن سابقاتها كونها طبخت على نار هادئة، ومدروسة بعناية فائقة، ووفق خطوات تدريجية وجدول زمني واضح، كل خطوة صغيرة تليها خطوات كبيرة، ليصل قطار المصالحة الخليجية إلى محطته الأخيرة من دون عجلة أو استعجال.

لا شك أن هذه التطورات مهمة، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو الى الحذر وعدم المبالغة في التفاؤل لعدة أسباب منها:

- الامارات غير راغبة بتقديم تنازلات. فهي تعتبر قطر منافسها الرئيسي في المنطقة في مختلف المجالات، بما يشمل الطاقة والنفوذ الاقليمي والنقل والموانئ وخطوط الطيران والتمويل والاعمال والاستثمار. لذلك ستبقى الامارات قادرة على تنفيذ أجندتها السياسية الخاصة من دون تقديم تنازلات سياسية جوهرية.

- يترقب البعض الدور الفاعل للقوى المنزعجة من المصالحة الخليجية، خاصة تركيا وجماعة الاخوان الذين كانوا جزءا من هذه الخلافات.

- الدوحة ستكون سعيدة برفع قيود الحصار حتى لو لم تعد العلاقات الى طبيعتها بشكل كامل، لكنها لن تقبل بتقديم أي تنازلات مثل إغلاق القاعدة العسكرية التركية وقناة "الجزيرة" أو إحداث تغييرات جوهرية في سياستها، خصوصًا في ظل حالة انعدام الثقة وغياب أي ضمانات حقيقية حول عدم تكرار الازمة في المستقبل، فضلًا عن عدم رغبة الدوحة في التراجع عن المكتسبات التي حققتها.

وبالنظر إلى المزيج من الدوافع الباعثة نحو المصالحة، والشكوك المتبادلة التي لن يكون من السهل تجاوزها، والخلافات الجوهرية الموجودة، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات محتملة للمصالحة المنتظرة:

- الأول: تكرار السيناريو ذاته الذي وقع العام الماضي، أي تغلب الخلافات وأسباب الشقاق على بواعث التوافق، بما يعني عودة الأزمة إلى نقطة البداية مجددًا. هذا السيناريو ممكن ولكنه ليس مرجحًا نظرًا إلى الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها جميع الأطراف لانجاز اختراق حقيقي.

- الثاني: توسع الخلافات بين حلفاء الأمس مما يمنعهم من الاتفاق على موقف موحد. وهذا السيناريو بعيد التحقيق نظرًا إلى المصالح الوثيقة التي تربط بين الرياض وأبو ظبي، وعدم رغبة السعودية في تقويض ثقة حلفائها، فضلًا عن الحاجة السياسية إلى تعزيز التكتل للحفاظ على شكل من أشكال الوحدة في المواقف، ولو ظاهريا.

- الثالث: أن تكون القمة الخليجية إعلانًا عن مصالحة محدودة تتجنب حسم القضايا الشائكة، مع تدشين مفاوضات ماراتونية طويلة لحل الخلاف.

ورغم أن هذا الحل لن يوفر لأي طرف المكاسب المأمولة التي يمكن أن تجلبها المصالحة الحقيقية، فإنه سيخفف قدرًا لا بأس به من القيود المفروضة على قطر، وسيسمح في الوقت نفسه لدول الحصار بمتابعة وتيرة علاقاتها الخاصة مع الدوحة بالشكل الذي يناسبها ويحفظ ماء وجهها، ومن دون الحاجة إلى التقيد بسياسات باقي الدول داخل التكتل الرباعي. وستكون السعودية قادرة على تقديم بادرة حسن نية إلى الادارة الديمقراطية الجديدة في البيت الأبيض، أملًا في تخفيف الضغوط المتوقعة عليها، وستكون قادرة على إعادة ضبط علاقاتها مع قطر، والأهم مع تركيا، بالشكل الذي يخدم مصالحها ومن دون التقيّد بالسقف السياسي المتشدد الذي فرضته أبو ظبي خلال الاعوام الفائتة.

"قمة العلا" نقطة تحول طوت صفحة الخلاف الاخطر، وهذا في حد ذاته يعتبر صفحة جديدة. فهل تكون 2021 "عام ما بعد الأزمة" خليجيًا، كما هو "عام ما بعد فيروس كورونا" عالميًا، وعام "ما بعد ترامب" أميركيًا؟

الطريق نحو مصالحة خليجية حقيقية لن يكون مفروشًا بالورود، وهناك من يعتبر أن هذا الطريق طويل وشائك ومفخخ بألغام المصالح المتضاربة. والأهم أن الاتفاق المبدئي لذلك التوافق الهش من غير المرجح أن يصبح خطوة على طريق عودة مجلس التعاون الخليجي إلى فاعليته التقليدية.

فرغم حاجة الدول الأعضاء في المجلس إلى استعادة مظهر الوحدة، فإن هذه الوحدة الظاهرية لن تفلح طويلًا في إخفاء مصالحهم المتباينة، ولن يستغرق الأمر أكثر من بعض الوقت - طال أو قصر - قبل أن تلتهب النار تحت الرماد ويدب الخلاف في أوصال المنظمة التي تتنازع قيادتها اليوم ثلاثة مراكز قوى متباينة في الرياض وأبو ظبي والدوحة، بعد أن كانت تُقاد خلال معظم العقود الأربعة الماضية من السعودية من دون منازع.