اقتحام الكونغرس.. صورة "الديمقراطية" الحقيقة لأميركا
د. علي مطر
مخزٍيا للشعب الأميركي كان مظهر الخراب والعنف الذي خلّفه أنصار دونالد ترامب لمنع التصديق على فوز جون بايدن بالرئاسة. ومفاجئاً كان لدول العالم التي تنظر للولايات المتحدة الأميركية على أنها رمز الديمقراطية. لكنه لم يكن مفاجئاً للدول التي ترى هذه الدولة على حقيقتها الكامنة في التعجرف والتكبر والقتل. لقد كشف الوجه الحقيقي لأميركا، بعد سنوات طوال من الكذب والتزييف في رفع شعارات الديمقراطية، ما جعل حتى الدول التي تعرف بدكتاتوريتها تهزأ من الديمقراطية المزعومة.
قلب دونالد ترامب التقاليد الديمقراطية الأميركية رأسًا على عقب في رحلته لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، ومن ثم محاولته الاحتفاظ بالرئاسة بعد خسارته المدوية، مستغلًا في ذلك قدراته الفائقة على الترهيب والعنف وتجييش أنصاره، ما أنذر بخطر التقسيم في أميركا، وانقسام الأمة الأميركية على نفسها، وبالتالي تبدد الحلم الأميركي شيئًا فشيئًا، أو ما يعرف بالأمة الأميركية، لنكون أمام تطبيق حقيقي لصراع حضاري داخل الولايات المتحدة الأميركية، ما جعل حتى المقربين من ترامب يدقون ناقوس الخطر، ويصفون ما حصل بالغوغائي وينقلبون عليه. لم يوافق على سياسة ترامب حتى الصقور من الجمهوريين، الذين منهم من أعلن استقالته، فضلاً عن رفض دولي لهذا المشهد الذي يبين الديمقراطية الهشة وفق ما وصفها جو بايدن. هذه الديمقراطية ليست وحدها الهشة، إنما كل الحضارة الأميركية هي حضارة هشة، فما حصل هو صورة حقيقة بل ترجمة لحقيقة ومسلمة بأن أميركا لم تتطور على المستوى الثقافي والمجتمعي بقدر ما تطورت على المستوى التكنولوجي.
تحدث كثير من الأميركيين عن العار الذي ألحقه بهم دونالد ترامب. وقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن الهجوم على الكونغرس يظهر أن بقاء ترامب في منصبه يشكل تهديدًا خطيرًا. وقد بدأت تظهر المطالبة بتفعيل التعديل 25 من الدستور لعزل الرئيس بحيث لم يعد يملك صلاحية البقاء في السلطة. كل ذلك يظهر أن "الانقسام السام" أصبح قاعدة بين الأمريكيين بدل أن يكون استثناء. فيما يتحدث الأميركيون عن القلق من الانقسامات الثقافية التي يمكن أن تكون قد تجاوزت الخلاف السياسي، وأصبح ثمة معسكران عدوّان، ومسلحَان أحيانًا، وقد انقطع الحوار بينهما. لقد اكتسبت قضيتا الديمقراطية وحقوق الإنسان اهتمامًا على مستوى الرؤساء الأمريكيين وبرامجهم الانتخابية، وعلى مستوى المسؤولين المباشرين عن السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن هذه الديمقراطية ظهرت بشكلها الواضح على أنها لا تعدو كونها مجرد اتفاقيات لم ترتق إلى مفهوم حقيقي للديمقراطية.
بدا المشهد في شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن، وفق الكثير من المعلقين الأميركيين أكبر إساءة الى "الديمقراطية الأمريكية"، التي يراها كثيرون في العالم وفي المنطقة العربية، نموذجا يحتذى به، كما أنه يمثل انتكاسة لدعاة الديمقراطية في دول عدة، والذين يستلهمون النموذج الأمريكي، في سعيهم للدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويكاد يجمع معظم المراقبون للشأن الأمريكي، على أن التطورات الدراماتيكية،التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة، وما أحدثته من انقسام داخل المجتمع الأمريكي، مثلت مناسبة تكاد تكون فريدة، في التاريخ الأمريكي الحديث، لهز صورة الديمقراطية الأمريكية، التي ينظر إليها كثيرون في العالم، على أنها من أعرق وأقدم الديمقراطيات.
فللمرة الأولى تشهد الساحة السياسية الأمريكية، تكرارا لعبارات من قبيل "تزوير الانتخابات"، و"سرقة الانتخابات"، وكذلك "القبول بتسليم سلمي للسلطة"، ولأول مرة تشهد الشوارع الأمريكية مظاهرات احتجاج ضد نتائج الانتخابات، يتصادم خلالها فريقان متعارضان صدامات عنيفة، وهو ما يجمع على أن النظرة المقدسة للديمقراطية الإمريكية بدأت في التراجع، كنتيجة حتمية للانتخابات الأخيرة، في ظل ما أجمعت عليه عدة صحف غربية وأمريكية، من أن الأمة الأمريكية باتت منقسمة بصورة كبيرة.
وعلى الجانب الآخر، فإن كثيرا من دول العالم، وبينها دول المنطقة العربية، باتت تنظر في حالة من عدم التصديق، لما تراه من مشاهد في الولايات المتحدة، في وقت بدا ذلك بمثابة انتصار لرؤية النظم المستبدة، التي شككت دوما في ضرورة الديمقراطية، وأهميتها للشعوب كوسيلة للحكم، بينما يشعر دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذين كانوا يستلهمون النموذج الأمريكي بحالة من خيبة الأمل وفقدان الظهير.
لقد اثر ما حدث في الكونغرس على صورة اميركا الداخلية والخارجية، لدرجة أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش المعروف باجرامه ضد الشعوب علق على اقتحام المتظاهرين مبنى الكونغرس، قائلاً إن العنف في واشنطن مقزز ومؤسف.
وأضاف بوش، هكذا يتم الاعتراض على نتائج الانتخابات في جمهورية الموز، وليس في دولة ديمقراطية، هذه هي إذاً الديمقراطية الزائفة والوجه الزائف الذي تختبئ خلفه الولايات المتحدة، لقد ظهر لكل العالم بفعل تعجرف دونالد ترامب وتصلفه.