مصر.. يا ثورة ما تمت اخذها الفلول وطار
طه شامي
أيام معدودة وتطفئ ثورة الـ٢٥ من يناير في مصر شمعة ذكرى انطلاقتها الرابعة ولا أحد كان يتخيل أو يتصور أن تقرع بهذه السرعة نواقيس الموت على "ثورة الغضب” وتخمد نارها التي أحرقت عرش الفرعون وأزالت حكمه بعد أكثر من ثلاثة عقود حكمها بسياسة قمعية داخلية وأنبطاحية خارجية في خدمة مصالح راعي البقر الأميركي جعل منه مطية يمتطيها كيان الاحتلال الاسرائيلي والبترودولار الخليجي من كل صوب وحدب، أذهب بعزة وكرامة واستقلال ومنزلة وموقع مصر وشعبها الأبي الى أدنى منزلة بعد أن كانت بلاد النيل مركز القرار العربي والاسلامي.
لا أحد كان يتخيل ويتصور أن يرى وبهذه السرعة التي فاقت سرعة النور أن توجه فوهات البنادق مرة اخرى نحو صدور الشعب الثائر وتطلق على "ثورة الشباب” رصاصة الخلاص ويتهم من قام بها بـ”الخيانة” وتعود القوانين القمعية الصارمة الى واجهة السلطة لكن بحلة ديمقراطية أنتزعت سلطة الشعب وأعادت العسكر الى الواجهة بقبضة حديدية لتتحول مطالب الثورة من "عيش حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية” الى المطالبة بالافراج عن المعتقلين وتخفيف القبضة الأمنية وإقامة الديمقراطية مرة اخرى.
أربع سنوات فقط عاشت مصر و”ثورة التحرير” مخاضاَ عسيراَ بدأ في ميدان التحرير وانتهى فيه بعد أن دب اليأس وفقدان الأمل بين مختلف طبقات المجتمع المصري وعانى ما عانى من ضغوط اقتصادية وعواصف سياسية أطاحة بحكومته المنتخبة في السنة الأولى من ولادتها عبر صناديق الأقتراع الديمقراطي التي لم تشهدها أرض الكنانة ليس منذ عقود فحسب بل قرون طويلة ليرتفع شعار "يا ثورة ما تمت خدها الفلول وطار” طبقاً لمخطط أميركي – اسرائيلي – خليجي عربي أطاحت بآمال وأمنيات شعب بأسم الحرية والعدالة الاجتماعية ووصفت ثورته بـ”المؤامرة” من قبل نظام شاركوا هم في إتيانه !!.
"ثورة الـ ١٨ يوماً” كما أطلقت عليها بعض وسائل الاعلام المصرية والعالمية، تتقهقر الى الوراء بعد أن ركب موجتها الفلول والأعيان والوجهاء أزلام النظام البائد وأعضاء "الحزب الوطني الحاكم إبان سلطة "مبارك” بأسم استقلالية القرار القضائي وضرورة احترامها وعدم التدخل في شأنها لتذهب مطالب شعب الحرية والثورة والمقاومة والصمود نحو رغوات أمواج البحر المتوسط الهائم عندما تلتقي مثيلاتها في البحر الأحمر ليسطع منه نور عودة النظام البائد هذه المرة من بين أسطر قرار "تبرئة” رأس الأفعى الذي عاث في البلاد والعباد الفساد وقتل وسجن عشرات آلاف الأبرياء والأحرار والمعارضين.
وحسب صحيفة "الديلي تليغراف” بقلم مراسلها بالقاهرة "ريتشارد سبنسر” لابد من دراسة كيفية وصول "السيسي” الى الحكم كي نعرف حقيقة "الربيع العربي” وحقيقة المكاسب الديمقراطية التي حققها ، خاصة واذا ما عرفنا أن ولد المشير الطنطاوي المدلل الجنرال "عبد الفتاح السيسي” كان يدبر انقلابا عسكريا ورسم له خطة عام ٢٠١٠ أي منذ وجود الرئيس المخلوع "حسني مبارك” في السلطة ، وكان يرى نفسه دائما أنه منقذ مصر !!، بغية سيطرة الجيش على الحكم في حالة اندلاع ثورة ضد "مبارك”. مضيفة: "أن الجيش استغل الثورة للتخلص من مبارك ومخططه للتوريث، حيث كان الهدف التخلص من مبارك فقط بدلا من النظام بأكمله ".
لا أحد كان يتخيل ويتصور أن "ثورة الصبار” وبكل قوتها الشعبية تنقلب على نفسها مرة اخرى في ٣٠ يونيو عام ٢٠١٤ وتأتي بمن كان يخطط لأعتلاء كرسي الرئاسة بمخطط أجنبي – عربي مدروس وذكي وتطيح هي بنفسها بخيارها الديمقراطي الذي خرج من صناديق الاقتراع وتعيد الماكنة العسكرية السياسية الى مسند السلطة وتسلم زمام أمورها بيد من شارك وبفاعلية في أراقة دماء أبنائها واعدامهم وأعتقالهم وتعذيبهم ونهب ثروات البلاد والشعب المظلوم المغلوب على أمره.
أربع سنوات عجاف مرت بها بلاد النيل وشعبها الأبي وهي ترفع شعار "يسقط حكم العسكر.. لا لعودة الفلول.. لا لعودة الإخوان في ثورة أطلق عليها اسم " ثورة اللوتس” لتصدر قرار اعدام شعاراتها وتنفذه بحذافيره وتدوس على رغباتها وإرادتها وتنصاع لرغبات الشيطان الأكبر والغدة السرطانية وديدان الانبطاح العربي التي نفذت في كل منافذ البلاد وجيوب العباد وأمتصت دماءهم الطاهرة وأعادتهم الى العصر الحجري لترى أبناءها خلف قضبان معتقلات العسكر التي أنتخبته ورفعته الى منصب الرئاسة عبر صناديق اقتراع مزيفة نصبت كمائنه أموال فلول النظام البائد التي سرقت من ثروات الشعب طيلة أكثر من ثلاثة عقود مضت على سطوتهم.
أشهر قليلة أنشغل خلالها الشارع المصري دون أن يعلم أن مخطط مشؤوم تم الإعداد له مسبقاً يراد من خلال مشاركته الثورية (أي الشعب) إسقاط نظام بائد مستبد عسكري قمعي ليسلم السلطة مرة اخرى الى المجلس العسکري الذي يمثل الطبقة الحاكمة القابعة على ثروات البلاد والمسؤولة عن نهبها واستباحتها و تسعى لضمان مصالحها الاقتصادية والمالية وتستعين بنخبة سياسية مرتزقة واحزاب كرتونية صنعها "مبارك” ومؤسسات دينية تطبل للسلطة وتسخر الاعلام لتشويه صورة "شباب الثورة” و”حركات الشعب الثورية” مستغلة فى ذلك جشع البعض لتتسلق على اكتاف الثوار وتتاجر بدمائهم.
فكان لابد لفلول النظام البائد من أمثال "أحمد سيف” أحد رجال الأعمال وأصحاب المال والنفوذ والعصبيات القبلية المعروفين بـ "نواب الخدمات”، و”أحمد عز” أمبراطور الحديد الأمين السابق للتنظيم في "الحزب الوطني” المنحل، و”فاروق حسني” وزير ثقافة مبارك، ورجل الأعمال "محمد أبو العينين” أحد الأذرع الاقتصادية لمبارك، و كذلك رجل كل العصور والموائد الصحافي "مصطفى بكري” الذي عُرف بقربه من النظام البائد؛ ليساعدوا في تشغيل شبكة المحسوبية الواسعة بين أوساط الشعب الفقير ويدعموا ترشيح الجنرال "السيسي” مرشح المؤسسة العسكرية التي لم ولن ترضى لأن تبسط الديمقراطية والحرية جناحيها على ربوع البلاد وتنفذ أحكام القضاء في أحد أبرز أبنائها "مبارك” الذي تعده رمزاً مهماً لها فكان لابد من الضغط على السلطة القضائية ودفعها نحو تبرئته تمهيداً لعودة أنصاره وأعوانه وازلامه الى السلطة التشريعية أولاً ومن ثم التنفيذية مستقبلاً وكأن لم يحدث أي شيء في البلاد ولن تزهق الأرواح ولن تنتهك الحرمات والمقدسات "تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي ".
فقدم التنازلات تلو التنازلات حتى صعد كرسي الرئاسة بعد أن وعد راعي البقر الأميركي وحلفاؤه عرب الردة بعدم السماح للحركات الاسلامية وانصارها من المشاركة في القرار السياسي مهما كلف ذلك ثمناً، باعتباره خريج نفس المدرسة التي تخرج منها سلفه المطاح به "مبارك” حيث مدرسة "العسكر” الذين لم يكن في نيتهم يوما ما الاستغناء عن السلطة منذ ثورة ١٩٥٢ وحتى الآن ولا في المستقبل ايضاً، حتى وأن تظاهروا بغير ذلك، حفاظاً على اقتصاديتهم وهيمنتهم ونفوذهم في البلاد.
كان "من الواضح، لماذا أراد الجيش إغلاق ملف مبارك، لأن الجمهور كان سيتساءل: وما الحال مع سائر الأشخاص الذي كانوا بجانبه في السلطة.. وأنه في اللحظة التي سيسقط فيها الجنرال السيسي الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم، فسيعمل أيضا على إغلاق ملف مبارك باعتباره أحد أعضاء المؤسسةالعسكرية وبطلها في حرب عام ١٩٧٣ و..” – حسب صحيفة "معريف” الاسرائيلية في مقال لها بقلم "أ,دي بلنجا” الاكاديمي بقسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة "بار إيلان” الاسرائيلية.
ففي الوقت الذي أخذ "السيسي” يتغنى بتبنيه أهداف "ثورة ٢٥ يناير”، واستصداره قانوناً يجرّم الاساءة إليها، تولت منظومته الاعلامية وسط تفجيرها "قنابل دخان” يوميا، شعارها "مكافحة الارهاب” و”منع عودة الإخوان الى الحكم”، على تلميع صورة فلول نظام "مبارك”، وأخذت تطلّ كل يوم بوجه من وجوه النظام الذي اسقطه المصريون، وتكرمهم وترسخ أقدامهم في المشهد السياسي المصري، ما يؤيد فرضية المعارضين بأنه امتداد لنظام "مبارك ".