العرب والعالم: مخاطر وفرص في العام الجديد
د. عصام نعمان
العرب أمة واحدة تتوزّعها دول متعدّدة، وتنتظمها نظرياً جامعة الدول العربية، وتفرّقها مصالح ومطامع وتدخلات خارجية. غير أنها تتعرّض أحياناً لمخاطر مشتركة وتلوح لها فرص واعدة يغتنمها بعضها منفرداً وبعضها الآخر متعاوناً مع غيره باستقلال عن قوى خارجية أو بمشاركة آمرة منها.
ما ملامح المخاطر والفرص في مبتدأ العام الجديد؟
لعلّ المقاربة الأفضل للإجابة عن السؤال هي في الإحاطة، ولو باقتضاب، بتحدّيات ثلاثة ماثلة تهدّد العرب محليّاً وإقليمياً وعالمياً، وتستوجب المواجهة أو الاحتواء على النحو الآتي:
أولاً، تفكيك لبنان وتحويله نظاماً فدرالياً: أخفقت المنظومة الحاكمة في التوصل الى تأليف حكومةٍ لإخراج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، فتدخل الرئيس الفرنسي ماكرون وإدارة الرئيس الأميركي ترامب ساعين إلى تغيير الفريق السياسي الحاكم، وذلك بدعم عناصر قيادية من تنظيمات المجتمع المدني بغية تأليف حكومة اختصاصيين منهم متمايزة عن حزب الله ومتعارضة معه والشروع من ثم في إعادة إنتاج نظام المحاصصة الطوائفية المتهالك بصيغةِ لامركزيةٍ سياسية وإدارية يوجّهها أساطين الأموال والأعمال في الداخل والقوى المعادية للمقاومة والمتحالفة مع الكيان الصهيوني في الخارج.
من هنا فإنّ مواجهة هذا المخطط التقسيميّ تكون باغتنام الفرصة الطارئة المتوافرة لبناء جبهة وطنية عريضة وحكومة راديكالية تتوليان في آن:
أ ـ دعم المقاومة الناشطة ضدّ العدو الصهيوني،
ب ـ مواجهة الكيان الصهيوني وحلفائه في الداخل والخارج، خصوصاً العاملين لتفكيك الجمهورية وتحويلها نظاماً فدرالياً أو كونفدرالياً، والمباشرة في بناء دولة مدنية ديمقراطية.
ج ـ الانفتاح على الدول والشعوب المنخرطة في الصراع ضدّ قوى الهيمنة العالمية.
د ـ التعاون مع تلك الدول والشعوب في شراكات للتنمية والإعمار وتعزيز المصالح المشتركة وحمايتها.
ثانياً، توريث "إسرائيل” وجود أميركا الإقليميّ ودورها: ثمة مخطط صهيوني قديم – جديد يرمي إلى تفكيك الدول العربية في محيط "إسرائيل” الجغرافي الى جمهوريات موز قائمة على أسس قبلية أو طائفية أو اثنية، لتغدو هي الدولة الإقليمية المركزيّة الأقوى. هذا المخطط تبنّته إدارة ترامب بعدما تقلّصت حاجتها الى نفط الخليج مع تعاظم إنتاج أميركا المحلي من النفط الصخري ومكاسب تصديره ما استوجب تالياً تقليص إنفاقها على وجودها العسكريّ في الإقليم في منظور تحويل بلدانه إلى أسواق واسعة لمنتوجاتها الصناعية وأسلحتها العسكرية، وحماية المضائق وطرق المواصلات المفضية اليها. ذلك كله حمل أميركا على تعديل استراتيجيتها على نحوٍ يؤدي الى توريث وجودها العسكري بكلّ أشكاله الى حليفتها العضوية "إسرائيل” لتنوب عنها في حماية حلفائها وأسواقها ومصالحها في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً.
تنفيذُ هذا المخطط يضع الولايات المتحدة في حال صدام مع إيران وتركيا. ذلك أنّ إيران مشتبكة أصلاً مع أميركا بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي سنة 2018 ومضاعفتها الحصار والعقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية، ودعمها "إسرائيل” في مخططها الرامي الى تفكيك سورية، كما في محاولتها منع إيران من التموضع عسكرياً في بلاد الشام وبلاد الرافدين. إلى ذلك، استاءت أميركا من محاولات تركيا منعها من دعم المتعاونين معها من الكرد السوريين بغية ترسيخ سيطرتهم على مناطق سورية واسعة شرق نهر الفرات وفصلها عن الحكومة المركزية في دمشق، وتمكينها من استثمار حقول النفط ومكامنه فيها، وحثّها على تعزيز تعاونها مع الكرد في منطقة ديار بكر التركية المجاورة، وتطوير التعاون بين هاتين الفئتين الانفصاليتين وصولاً الى إقامة دولة كردية مستقلة.
كلّ هذه المخاطر تشكّل فرصةً لإيران، لا سيما للعراق وسورية المتضرّرتين من احتلال تركيا مناطق واسعة من جارتيها العربيتين ومن وجودها في ليبيا ومن مطامعها النفطيّة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وعليه يُمكن، في ضوء ذلك كله، اغتنام هذه الفرصة لإقناع روسيا بممارسة ضغوط مشتركة على تركيا وصولاً الى سحب قواتها المساندة للتنظيمات الإسلاموية الإرهابية في شمال غرب سورية وشرقها.
ثالثاً، مواجهة جائحة كورونا في إطار مؤتمر أممي وصندوق دولي لتوفير الأموال والآليات اللازمة للمعالجة: ثمة وقائع ودلائل تشير الى اتساع انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) وتوالد سلالات أشدّ فتكاً من فئتها الأصلية ما يستدعي قيام تعاون صادق وواسع بين الدول المتضرّرة، لا سيما دول غرب آسيا، لتوفير اللقاح، وآليات المعالجة، وتدريب المختصين والممرّضين. وبات واضحاً أنّ الدول المتقدمة المصنّعة للقاح الفعّال، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تتذرّع بحاجتها الملحة لاستخدام اللقاح المنتَج في هذا المجال لمعالجة العدد الهائل من المصابين في بلادها ما يؤدي الى منع، وفي الأقلّ تأخير، وصول اللقاح الى الدول غير القادرة على إنتاجه أو على تأمين المبالغ الباهظة المتوجّبة لشرائه. كلّ ذلك يستوجب مسارعة منظمة الصحة العالمية الى الإعلان بأنّ توفير اللقاح الصالح وآليات المعالجة وتدريب الممرّضين باتت قضية إنسانية عالمية تستوجب عقد مؤتمر أممي عاجل للاتفاق على سبل المواجهة وإجراءات المعالجة بما في ذلك تأسيس صندوق دولي لتوفير الأموال والآليات والوسائل اللازمة لتأمين المتطلبات والأدوية الآنفة الذكر وتنظيم وصولها الى الدول والجماعات والمناطق المحتاجة وفق برنامج يكفل عدم حصول تفاوت أو محاباة أو منازعة.
هل قيادات الدول المعنية بمواجهة التحديات الثلاثة الخطيرة هي على مستوى المسؤولية الاستثنائية المطلوبة؟