kayhan.ir

رمز الخبر: 124543
تأريخ النشر : 2021January03 - 19:49

عام على جريمة العصر.. ماذا حققت ضربة عين الأسد؟

د. علي مطر

عام مر على اغتيال اللواء الشهيد الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس. ضربات لم يتوقعها الأميركيون فشكلت عنصراً مفاجئاً على مستويات عدة سياسية عسكرية واستراتيجية. في لحظة سياسية وأمنية كانت هي الأخطر والأدق في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة تصاعد التوتر بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وأميركا، أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على مغامرة متهورة بتنفيذ جريمة العصر.

أرادت إدارة دونالد ترامب، أن تعيد تثبيت قوتها في منطقة الشرق الأوسط من خلال هذه الجريمة، والقول لمحور المقاومة بأكمله إن القوة الأميركية لا تزال في أوجها وقادرة على توجيه أي ضربة، وتصفية كل من يشكل خطراً عليها وعلى الكيان الإسرائيلي، وبالتالي تريد أن تقول إن اليد الطولى هي ليست لمحور المقاومة إنما لها، إلا أن الرد الصاعق الذي حصل في عين الأسد أعاد ترتيب الملفات وتغيير النظرية الأميركية، بحيث أن التقديرات الاستراتيجية الأميركية اختلفت نظرتها للقوة الإيرانية، وهو ما أتى على لسان عسكريين وسياسيين أميركيين.

حاول الكثيرون التشكيك بفعالية الرد على عين الأسد، وحاول التقليل من أهميته العسكرية، دون الوقوف عند أبعاده الاستراتيجية، وتحولات القوة التي حملتها تلك الضربات، خاصةً أنه لم يسجل في تاريخ منطقة الشرق الأوسط وربما في العالم، أن تم إستهداف قاعدة أميركية بشكل مباشر.

لقد حققت الضربات الصاروخية الإيرانية جملة من الأهداف، وفتحت نقاشاً أميركياً حول أدوات الردع التي تمتلكها إيران، فقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية في تقرير سابق لها عن منظومة الصواريخ الإيرانية إلى "أن الصواريخ الإيرانية باتت لا تخطئ الهدف إلا بعشرات الأمتار".

ومن خلال قراءة تقارير عدة نقلت عن الجنود الأميركيين، يمكن أن نخلص إلى أنّ الصواريخ الإيرانية كانت مؤثرة، وقد حصلت الضربة وفقا للمقاييس التي أرادتها القيادة العسكرية الإيرانية، وهي ضرب القواعد الامريكية من دون ان تذهب الى التصعيد. والميزة الأساسية أن الصواريخ الإيرانية وصلت الى أهدافها من دون أن يتم اعتراضها، وهذا مردّه إلى: إما أن الأمريكيين لم يزودوا قواعدهم دفاعات جوية، وكان لديهم متسع من الوقت لنقل بطاريات باتريوت إليها، قبل اغتيال الحاج سليماني وبعده بخمسة أيام، أو أن الصواريخ نجحت في تخطي الدفاعات الجوية الأمريكية وفي كلتا الحالتين يعد ذلك تفوقاً تكتيكياً في مقابل ترهل أميركي ناتج عن عدم توقعات الرد الإيراني.

لقد منعت القدرات الصاروخية التي أظهرتها إيران، الولايات المتحدة وحلفاءها من استهداف الجمهورية الإسلامية، ليس اليوم فحسب بل كذلك منعت غزوها خلال السنوات الماضية. إضافة إلى ما تقدم، فقد أصبح هناك اعتراف امريكي واقعي بالقدرات الصاروخية الإيرانية وبامتلاكها لتكنولوجيا عميقة وذكية. وأظهرت الهجمات الصاروخية مدى الخطر الذي يشكله التقدم الحاصل في قدرات الصواريخ الإيرانية على القوات الأميركية. وقد حذر تقرير نشره يان ويليام بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن وترجمه مركز "الاتحاد للأبحاث"، من أن عملية استهداف قاعدة عين الأسد وصفت في البداية بأنها مجرد رد فعل رمزي يجب تجاهله، لكن المعلومات التي كشفت بعد ذلك، اشارت الى أن التداعيات كانت أكثر خطورة، وأنّ الهجوم كانت له تبعات أكبر من مجرد هجوم لم يقصد احداث ضرر بحسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين.

يشير الكاتب بحسب ما ينقل "مركز الاتحاد" الى أنّ التقييمات السابقة أثبتت أن إيران بذلت جهدًا خاصًا لتحقيق أهدافها من وراء الضربة، حيث تُظهر الهجمات أن قوات الصواريخ الباليستية الإيرانية، من حيث التكنولوجيا والكفاءة التشغيلية، لديها القدرة على إحداث ارباك لدى القوات الامريكية وعملياتها العسكرية المشتركة في الشرق الأوسط. كما يكشف الهجوم أن إيران قادرة على تجاوز الصبر الاستراتيجي لتحقيق الردع المطلوب بسبب التهديدات الامريكية. قد يتطلب هذا الوضع الجديد من الولايات المتحدة تعديل موقفها من القوات المنتشرة في المنطقة.

وكشفت الإصابات التي تلت الإعلان عنها عن حقيقة أنه لم يكن كل الجنود آمنين في مخبأ أثناء الهجوم، حيث ظل بعض الجنود الأمريكيين في مواقع مكشوفة للدفاع عن القاعدة ضد هجوم بري محتمل، بينما بقي آخرون خارج الملاجئ لمراقبة عمليات الطائرات بدون طيار. وروت هذه القوات أنها اقتربت بشكل خطير من اصطدام الرؤوس الحربية البالستية. حتى أولئك الموجودون في المخابئ لم يكونوا آمنين تمامًا وربما كانوا عرضة لصدمات التأثير. كانت ملاجئ قاعدة عين الأسد صالحة فقط لتحمل إصابات الذخائر الصغيرة مثل الصواريخ وقذائف الهاون.

وقد قدرت دراسة أجرتها مؤسسة RAND أن هجومًا بـ 50 صاروخًا باليستيًا يمكن أن يجعل قاعدة جوية أمريكية رئيسية غير قابلة للاستخدام للطائرات الكبيرة لمدة أسبوع، وبذلك فإن إصابة قاعدة جوية بالشلل بسبب هجوم صاروخي هو أحد أكثر السيناريوهات إثارة للقلق للقوات الأمريكية المتمركزة في الواجهة.

يقول القائد الأميركي الأعلى في القاعدة، اللفتنانت كولونيل تيم غارلاند، في حديث لوكالة فرانس برس، إنه "عندما سقطت الموجة الأولى، كان أعلى وأقوى دوي أسمعه في حياتي". ويضيف "لم أخف هكذا منذ فترة طويلة".

ويذكر غارلاند أنه من حسن الحظ أن الوضع سمح للقاعدة بتعليق معظم نشاطها حتى هدوء الهجوم، فلو انخرطت القاعدة في صراع واسع النطاق مع إيران، فإن مثل هذا القمع للإيقاع العملياتي يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على مسار الصراع. تُظهر هجمات إيران الخطر الذي يشكله التقدم في قدرات صواريخها على القوات الأمريكية.

هكذا إذاً، يظهر لمن يريد أن ينصف البحث وأن لا يجافي الحقائق، أن ضربة عين الأسد لم تكن ضربة تقليدية عابرة، ولم تكن مجرد رد كما أراد إعلام المحور الأميركي تضيفعه، إنما رداً بليغاً سجل في سجلات الدراسات الأميركية، وأثبت أن هناك ضرورة لإعادة القراءة الاستراتيجية الأميركية للقوة الإيرانية، فإيران لم تعد دولة عابرة في الاستراتيجية الأميركية، بل إنها ند قوي في الشرق الأوسط يملك قوة كبيرة، ويملك إرادة عظيمة في السعي إلى إخراج الأميركيين من المنطقة.