اتفاقيات التطبيع مع الدول الخلیجیه.. تحريك لـ"حدود" الكيان؟
عبير بسام
يبدو أننا دخلنا في عصر جديد تبدأ معه خطوط الصراع بالتحرك نحو مرحلة جديدة، لا يمكننا أن نعزلها عما يحدث في الوطن العربي الكبير، وبالتحديد حركة التطبيع في الخليج الفارسی مع العدو الصهيوني. وبالنظر إلى أنّه منذ تشكيل الكيان المارق لم يرض قادته رسم حدوده، أو حتى وضع دستور له، وحينما سئل بن غورويون عن سبب عدم وجود دستور لكيانه كان جوابه: "لو كان لدينا دستور، لأمكن أن تكون لدينا حدود. ولكن هذه ليست حدودنا. فأينما يغزو جيشنا تكون حدودنا". يبدو أنّ الكثير من العرب، أصحاب الأرض، بدأوا يتعاطى وكأنّ الكيان الصهيوني يمتد فعلياً من الفرات إلى النيل. وما نراه من سباق التطبيع الممتد إلى المملكة المغربية غرباً وإلى الخليج الفارسی جنوباً، لا يخرج عن كونه مقدمة للإمتداد الجديد للكيان المارق.
الإمتداد الجديد للكيان "الاسرائيلي" له علاقة وطيدة بتخاذل الحكومات المطبعة والتي تستمر بتسهيل المدّ الصهيوني في مساحات أكبر في المنطقة. وما يسهل العملية عدة معطيات: الأول، متعلق بالرويات التي ضخت في العقول بأن قيامة "اسرائيل" الثانية ستكون في بيت المقدس، بالتأكيد كثير من هذه الروايات مرتبطة بالخرافات المكتوبة تزويراً بناء على الأساطير التي سادت في وادي النيل وفي الهلال الخصيب [بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين]. ويعد هذا أمر أساسيا للبناء عليه منذ البداية إذا أردنا أن نفهم ماذا تريده الصهيونية العالمية في هذه المرحلة التاريخية وما الذي تهرول مسرعة للحصول عليه كمكاسب تبني عليها في المرحلة القادمة.
المعطى الثاني، مرتبط بالحركة الصهيونية العالمية وبشكل مباشر بالحركة الماسونية في العالم. هذه الحركة التي يرتبط اسمها بأسماء شخصيات كبيرة في عالم السيادة والمال والأعمال. وهي أسماء تنتشر المعلومات حولها عبر الشبكة العنكبوتية. ومنها اسم جورج واشنطن، الذي قاد الثورة الأميركية، والذي طبعت صورته وشعار الماسونية على الدولار الأميركي؛ واسم تيد روزفلت، وهاري ترومان، وجميعهم رؤساء لأميركا. وبالطبع هناك أسماء مرتبطة بالبنك الدولي وغيرها الكثيرين. وأهم اسم يرتبط بالبنك الدولي والماسونية والصهيونية في آن مثل اسم روكفلر رائد صناعة النفط في العالم واسم عائلة روتشيلد أصحاب البنك الدولي، وهما من دعائم بناء الكيان الاسرائيلي في فلسطين.
وأما المعطى الثالث فمتعلق بعلم الكيان والذي ينصف شعاره "نجمة داوود السداسية" ما بين خطين أزرقين، والذين يمثلان نهري الفرات والنيل. ولكن يتضح من امتداد المصالحات الإسرائيلية واتفاقات التطبيع أن الخطين الأزرقين باتا اليوم يمثلان المحيط الأطلسي امتداداً حتى منابع نهر الفرات في جبال طوروس. اذ يتشكل الفرات من نهرين يقعان في تركيا، في المنطقة التاريخية المعروفة بآسيا الصغرى. وأما شمال شرق الأناضول فهي المنطقة الواقعة إلى الشرق من وسط تركيا ويحدها من الشمال البحر الأسود، وفي الشرق ايران وتركيا وأدربيجان وأرمينيا وجورجيا، وهي تعادل 21% من مساحة تركيا. وكلام نتنياهو في 25 تشرين الأول/ أكتوبر :"نحن نغير خارطة الشرق الأوسط"، لم يكن يقع خارج هذا الإطار.
وما يحدث اليوم من امتداد لـ "إسرائيل" باتجاه الدول الخلیجیه ليس إلا تعبيراً عن أمرين: الأول تصريح نتنياهو، والثاني عن المخطط الذي يمثل أهداف الصهيونية العالمية، الذي لا يخرج عن إطار ارتباطها بالماسونية العالمية وبسط يدها على كامل المنطقة من هضبة أرمينية إلى الأطلسي. ومن البحر المتوسط حتى الخليج الفارسی. وامتداد حركة التطبيع حتى الإمارات والبحرين والسودان وإثيوبية وبسط السيطرة على الموانئ البحرية في كل من الصومال وأريتيريا، ومنذ بدايات القرن الحالي من خلال شركة موانئ دبي، وأخيراً فقد وصل التطبيع حتى مضيق جبل طارق في المغرب.
بناء على هذه المعطيات فقد بات الخطان الأزرقان المتواجدان في ما يسمى "العلم الإسرائيلي" يمثلان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج الفارسی. واستكملت "اسرائيل" اليوم الإطلال على المنافذ البحرية من مضيق جبل طارق إلى قناة السويس إلى باب المندب إلى رأس الرجاء الصالح إلى مضيق هرمز، وبعد مساعي المصالحات التي تردد صداها مع تركيا فقد وصلت إلى مضيق البوسفور، وبالتالي فقد حكمت طرق التجارة العالمية ما بين الشمال والجنوب.
في هذا الإطار يجب بحث نقطتين هامتين: الأولى تتعلق بمفهوم "اسرائيل" لشعار من الفرات إلى النيل. حيث يستغرب البعض الحقائق التي تفترضها "اسرائيل" حول أحقيتها في منطقة الجزيرة العربية. اذ تقع الجزيرة العربية ما بين حدود الفرات والنيل. وبحسب قراءة تاريخ العرب لكل من الباحثين جرجي زيدان ومحمد أسعد طلس وغيرهم من الباحثين الحقيقيين في التاريخ العربي، يتضح أن المقصود بالجزيرة العربية هي المنطقة الممتدة ما بين نهر النيل غربا حتى نهر الفرت شرقاً ومن الخليج الفارسی وبحر العرب جنوباً حتى المتوسط شمالاً. اذ أن صحراء سيناء لا تنفصل تاريخياً عن صحراء النقب، لذلك يجب عدم استغراب كلام أحد الحاخامات المنقول عن حديث الفنان التشكيلي الكويتي المناهض للتطبيع، فيصل مدوه، حين أعاد ما سمعه في أحد لقاءات الحاخامات في الولايات المتحدة، والذي جاء فيه أنّ من دون بني اسرائيل صحراوان اثنتان. صحراء فكرية خاصة بكلّ من لا يتبع أبناء يعقوب، ولذا تجب إعادة السلطة البشرية لأبناء يعقوب. والصحراء الثانية هي الجزيرة العربية بأكملها من النهر إلى النهر، والتي يجب إعادتها إلى بني اسرائيل.
فمخطط "اسرائيل" في المنطقة العربية لا يستثني احدا، والمطبعين والأعراب يبدو أنهم حمقى وأعمى من أن يبصروا الحقيقة. وتصديقاً لكلام مدوه فالهدف الإستعماري في المنطقة العربية بدأ مع يهود الدونما في عهد السلطنة العثمانية، اذ تم وضع سلالات يهودية حاكمة في المنطقة لتحقيق الهدف بعودة سيطرة اليهود مؤخراً من خلال الإنقلابات و"الثورات". وهذا الأمر يحتاج بالتأكيد إدخال كل من المسيحية "الغافلة" والمسلمين في دروب الفساد الأخلاقي والمالي.
وأما النقطة الثانية فهي الأهم، وتتعلق بالعمل لإحكام سلطة أو قوة الماسونية العالمية، والتي تعمل على إعادة بناء الهيكل المزعوم في فلسطين. انتشرت الماسونية في أوروبا، وبعد ثلاثة قرون تقريباً اكتشفت القارة الأمريكية، وابتدأت الرحلات المكثفة باتجاهها للإستيطان. وهناك ابتدأت الماسونية ببناء مراكزها وانتقلت القيادة إلى أميركا حيث نشطت صناعة القيادات العالمية، وأولها جورج واشنطن الرئيس الأول للولايات المتحدة وقائد الثورة الأميركية التي أطاحت بالسيطرة البريطانية.
وبالتالي فإن إعادة بناء سلطة المنظومات الإقتصادية العالمية. بحسب سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تسيطر عليها عائلة روتشيلد وروكفلر الماسونيتين والصهيونيتين وغيرهما من العائلات البروتستانتية المتصهينة تؤكد تماهي الصهيونية مع الماسونية، والتي تهدف إلى إحكام سيطرتها على العالم.
ما يمنع اليوم كل من الصهيونية والماسونية العالميتين من تحقيق أهدافهما بالسيطرة على العالم، هو صمود قوى محور المقاومة. فصمود سوريا يمنع هذه القوى من إحكام السيطرة على خطوط التجارة في البحر المتوسط. وإيران ما تزال حتى اليوم تملك اليد الطولى في مضيق هرمز، وتمثل قوة حقيقية في بحر قزوين. والمقاومة الإسلامية في لبنان، وبعد حرب تموز 2006 وبعد قصف بارجتي ساعر زعزعت القوة البحرية في المتوسط، وقوضت الطمع الإسرائيلي في غازه. ويلعب اليمن بصموده في وجه الحرب الظالمة عليه دوراً لا يستهان به في حماية ممرات البحر الأحمر وبخاصة في مضيق باب المندب. وهنا يمكننا أن نفهم الدفع المستمر بإتجاه عمان من أجل توقيع اتفاق التطبيع الذي سيمكن "اسرائيل" من الإمتداد باتجاه بحر العرب، فهل سيسمح لها؟