جيوش الصين الى خارج الحدود وتعاظم دور القارة الآسيوية..!
محمد صادق الحسيني
صورة جديدة للعالم تنتظرها السنة الجديدة بعد مجموعة من التحولات التي رافقت العام الماضي ما جعل الصين تقفز الى الواجهة مجددا بحلة جديدة..!
ذك ان ثمة تغيرات استراتيجية مهمة حصلت في الايام الاخيرة من العام ٢٠٢٠ بعيداً عن اضواء الشاشات، نظن انها ستترك آثارا غاية في الاهمية على المعادلة الدولية ، نذكر اهمها على سبيل المثال لا الحصر :
اولاً : موافقة اللجنة الدائمة لمجلس الشعب الوطني - البرلمان - ( Standing Committee of the National people’s congress ) ، يوم السبت ٢٦/١٢/٢٠٢٠ ، على تعديل قانون الدفاع الوطني الصيني ، حسب ما نشرت وكالة الصحافة الصينيه، شينخوا من دون ذكر التفاصيل ،الا ان
مصادر عسكرية صينية عليا أكدت ، لجهات استقصاء صحفية دولية ، بان اهم النقاط التي تحتويها التعديلات هي التالية :
١ـ السماح للجيش الوطني الصيني بتنفيذ عمليات عسكرية ، بمعنى نشاط عسكري ، خارج حدود البلاد .
٢ـ حَثْ جميع افراد الشعب الصيني ، ومنظماته بمختلف صنوفها شعبية كانت ام نقابية ام غير ذلك ، بالاضطلاع بدور اكبر في الدفاع عن البلاد وامنها وسيادتها .
وهذا يعني ، في تقديرنا ، تعبئة عامةً على صعيد الشعب باكمله ، الامر الذي يعني الاستعداد للدخول في مرحلة اقتصادية وسياسية وعسكرية جديدة ، وهو ما يؤكد تعاظم الدور الصيني في رسم الاستراتيجيات الدولية الجديدة ، المنطلقة من متغيرات موازين القوى الاستراتيجية الجديدة في العالم .
٣ـ ضرورة تطوير القدرات العسكرية الصينية ، بشكل يتيح للصين لعب ادوار اكبر واوسع ، في تحقيق الامن الاقليمي والدولي ، كما يتيح لها الحفاظ على امنها واستمرار نموها الاقتصادي ، الى جانب الحفاظ على سيادتها وسلامة اراضيها .
٤ـ المصادر اكدت على ان هذه التعديلات ، وخاصة تلك المتعلقة بالدفاع عن مصالح التطور الصيني ( Development Interests ) ، سواء داخل الصين او في اي منطقة من العالم ، لا تعني اطلاقا ان الصين سوف تتبع سياسة عدوانية توسعية ، معتمدة على استخدام القوة العسكرية ، وانما هي ستواصل تطبيق سياستها الدفاعية ولكن بمعايير جديدة ، تحافظ على مصالحها الاقتصادية في العالم ، والتي قد تكون احياناً بحاجة الى حمايةٍ عسكرية .
ثانياً : اعلان الصين الشعبية عن استراتيجية اقتصادية جديدة ، اطلق عليها اسم : استراتيجية التوزيع ( توزيع او تسويق المنتجات الصناعية الصينية ) المزدوجة ( Dual circulation economic strategy ) . وهي الاستراتيجية التي اعلن عنها المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ، في شهر ايار الماضي ، والتي أكد وزير التجارة الصيني الجديد ، وانغ وينتاو Wang Wentao على اهميتها القصوى ، في تصريح له يوم السبت ٢٦/١٢/ ٢٠٢٠ .
علماً ان هذه الاستراتيجية تعني ما يلي :
أ) عدم الاعتماد على الاسواق الخارجية فقط ، لتسويق المنتجات الصينية ، وانما زيادة الاهتمام بالاسواق المحلية في الصين . اي على الاستهلاك المحلي .
ب) وهذا يعني زيادة الاهتمام بتطوير الطبقة الوسطى من المجتمع الصيني ، التي تعتبر ركيزة الاقتصاد الاساسية في كل اقتصاديات العالم . وقد اشار الرئيس الصيني نفسه ، في وقت سابق ، الى هذا الموضوع عندما قال بان الصين سوف تطلق نظام تنمية جديد ، يلعب فيه السوق الداخلي الدور الاساسي .
تجب الاشارة هنا الى ان استراتيجية التوزيع المزدوج هذه قد تم دمجها ، في الخطة الاقتصادية الصينية للسنوات ٢٠٢١ - ٢٠٢٥ ، ما يعني انها اصبحت جزءاً من سياسة الدولة وانها اخذت طريقها الى التنفيذ .
ولعل من الضروري أيضاً التذكير بان عدد سكان الصين قد بلغ مليار واربعمائة مليون مواطن ، في حين ان تعداد الطبقة الوسطى الصينية ، حالياً ، يزيد على خمسمائة مليون مواطن ، اي اكثر من سكان دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة ، او ضعف سكان
الولايات المتحدة الاميركية تقريباً ،وهو ما يعني ان الحرب التجارية مع الولايات المتحدة ، بمعنى التنافس التجاري ، لم تعد من اولويات الحكومة الصينية ، وان السوق المحلي سيشكل بديلاً استراتيجياً للاسواق الاميركية والاوروبية . الامر الذي سيبطل، عملياً ، التاثيرات السياسة للعقوبات الاميركية ، على الصين ، ويضمن نمواً وتطوراَ اقتصادياً صينياً بعيداً عن تلك المؤثرات السلبية الخارجية ، وحماية للاقتصاد الصيني من التذبذبات والتقلبات السياسية والمالية في العالم .
ثالثاً : المكالمة الهاتفية ، التي جرت بين الرئيسين شين جين بينغ وفلاديمير بوتين ، يوم ٢٨/١٢/٢٠٢٠ ، وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الكرملين حول هذه المكالمة ، فقد ذكر البيان ان اهم المواضيع التي بحثها الرئيسان في هذه المكالمة هي التالية :
أ) " التصميم المتبادل على مواصلة تعميق العمل المشترك في جميع الاتجاهات ، بما في ذلك تطبيق مشاريع مشتركة كبيرة ، في قطاعي الطاقة والتعاون الصناعي " .
ب) اعراب الرئيسين بوتين وشي جين بينغ عن " استعدادهما لتنسيق الخطوات في الساحة الدولية في مصلحة ضمان السلام والاستقرار على النطاق العالمي والاقليمي
. كما اتفق الرئيسان على مواصلة اتصالات العمل
الثنائي، حسب بيان الكرملين .
ج ) تأكيد الرئيسين على ان توثيق التعاون ، المشار اليه اعلاه ، يأتي في إطار اتفاقية حسن الجوار والتعاون والصداقة ، التي تم توقيعها بتاريخ ١٦ /٧ /٢٠٠١ بين الدولتين وتحل ذكراها العشرين في شهر تموز القادم .
رابعاً : القرار الذي اعلنت عنه منظمة التعاون الاقتصادي ، يوم ٢٨ /١٢/٢٠٢٠ ، باعادة تشغيل خط سكك الحديد ، الذي يربط اسطنبول مع طهران واسلام آباد . علماً ان هذا الاعلان جاء تنفيذاً لقرار سابق اتخذه وزراء النقل في منظمة التعاون الاقتصادي ، التي تضم كلاً من : ايران ، تركيا ، اذربيجان ، افغانستان ، تركمينستان ، قرغيزستان ، أوزبيكستان ، طاجيكستان وكازاخستان ، ومقر هذه المنظمة في العاصمة الايرانية طهران .
وغني عن القول طبعاً ان خط سكك الحديد هذا هو محور أساسي ، من محاور المشروع الصيني حزام واحد وطريق واحد العملاق ، خاصة وان عدد من الدول المذكورة اعلاه هي دول لها حدود مشتركة مع الصين ، من الشمال والغرب ، ما يعني ربطاً مباشراً لهذه الدول مع الصين ، بواسطة السكك الحديديه ، اضافة الى الاوتوسترادات الدولية العملاقة التي تربط الصين مع باكستان ، وتلك التي يجري العمل على انجازها لربط الصين مع ايران وافغانستان أيضاً .
وهنا لا بد للمتابع ان يربط هذه المشاريع الصينية العملاقة مع التعديلات ، التي أجريت على قانون الدفاع الوطني الصيني كما هو مفصل اعلاه ، كما لا بد من ربط هذا المشروع العملاق مع بقية المصالح الاقتصادية الصينية في العالم ، خاصة في قارتي افريقيا واميركا اللاتينية ، وما يعنيه ذلك ، حسب ما قاله مسؤول صيني رفيع ، نشر اقواله موقع صحيفة غلوبال تايمز ( Global Times ) الصينية ، بتاريخ ٢٨/١٢ /٢٠٢٠ ، حيث قال : عندما يدور الحديث عن المصالح التنموية ( للصين ) وحماية مصالحنا الوطنية فان ذلك يعني بالضرورة تقوية قواتنا المسلحة ، ليس فقط لحماية مصالحنا الوطنية والبحرية ( Territorial and maritime interests ) وانما لحماية مصالحنا خلف البحار أيضاً ( Our Intersts Overseas ) .
وبالنظر الى كل ما تقدم من تفاصيل فان بامكاننا ان نؤكد الحقائق التالية :
١ـ ان التعديل الذي جرى ، على قانون الدفاع الوطني ، وسمح بموجبه للقوات المسلحة الصينية بالتواجد والتحرك خارج حدود الصين ، يعني ان الصين ستكون ، مستقبلاً ، اكثر استعدادا وقدرةً على تقديم الدعم والحماية للدول الصديقة لها ، والتي تحاول الافلات من الهيمنة الاميركية ، وخاصة الهيمنة الاقتصادية .... الديون الخارجية والعقوبات وغير ذلك . الامر الذي سيسهم بشكل فعال جداً في تفكيك ادوات وآليات الهيمنة الاميركية الاوروبية على شعوب العالم .
٢ـ ان الاستراتيجية الاقتصادية الصينية الجديدة سوف تجعل الصين اقل اعتماداً على الاسواق الخارجية ، كما ستتمكن من خلق مناخات استثمار جديدة ، في الاقتصاد الصيني ، وذلك من خلال مشروع تنمية وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى من الشعب الصيني . اذ ان دور هذه الطبقة لن ينحصر في كونها مستهلكاً للبضائع المصنعة وانما سيكون بامكانها المساهمة في تمويل مشاريع اقتصادية جديدة ، حتى لو كانت صغيرة ، مما يعزز تنمية الاقتصاد الوطني بشكل عام ويختصر المسافة الفاصلة بين الصين والولايات المتحدة لجهة من هو الاقتصاد الاكبر في العالم .
علماً ان جميع الاجراءات المشار اليها اعلاه ، والتي تؤدي الى تقوية وزيادة القدرات الصينية ، الاقتصادية والسياسية والدفاعية ، انما تخدم هدف تغيير موازين القوى الدولية ، على طريق حماية امن وسلام العالم واستقرارة على الصعيد الاستراتيجي ، وذلك بحرمان الولايات المتحدة الاميركية من فرص مواصلة سياسات فرض شروطها على دول العالم ، سواءً بالقوة العسكرية او بما يطلقون عليه مسمى الادوات او الاساليب الناعمة.
٣ـ كما ان تركيز الرئيسين الصيني والروسي ، في المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما ، على اتفاقية الصداقة وعلى التعاون الواسع ، في مجالات الطاقة والصناعات المختلفة الاخرى ، وتأكيدهما على الطابع الاستراتيجي ، لهذا التعاون الثنائي ، سوف يعزز الجهود الرامية الى تشكيل كتل اقتصادية ، اقليمية ودولية ، تكون قادرة على مواجهة الضغوط والجهود الاميركية الهدامة ، وبالتالي تعزيز الدور الصيني والروسي في المحافظة على الامن والاستقرار الاستراتيجيين في العالم ، وما يعنيه ذلك من فتح آفاق واسعة جداً للتنمية الاقتصادية ، وانتشال مئات ملايين البشر من بين انياب الفقر والجوع الذي نشهده في العديد من دول العالم حالياً .
٤)واذا ما اضفنا خطوط سكك الحديد الجديدة ، التي ستبدأ العمل مع بدايات العام القادم ، فان بامكان المرء ان يتخيل حجم المنفعة المتبادلة بين الدول التي تشارك في هذا المشروع ، اضافة الى الدول التي ستنضم اليه لاحقاً ، خاصة عند ما يتم ربط هذا المشروع باتفاقية التعاون الاقتصادي ، التي تم توقيعها بتاريخ ١٤/١١/٢٠٢٠ ، بين مجموعة دول آسيان ( تسمى بالانجليزية : Association of Southeast Asian Nations - ASEAN - ) والصين الشعبية ، والتي نتج عنها قيام أكبر تجمع اقتصادي في العالم ، يضم اكثر من ثلث سكان العالم ( ثلاث مليارات وستمائة مليون مواطن في الدول الاعضاء ) وثلث حجم التجارة الدولي العام ، وما يعنيه ذلك من تطوير هائل لامكانيات التبادل التجاري الحر ، بين الدول الاعضاء الخمسة عشر ، الامر الذي يحد بشكل كبير من قدرات الولايات المتحدة على ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على الدول الاعضاء .كما لا بد من اخذ زيادة حجم التأثير الصيني ، سواء في جنوب شرق آسيا او في العالم اجمع ، من خلال هذا التجمع الاقتصادي العملاق .
وهذا ما دفع الباحث ، في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ، ميخائيل جوناثان غرين ( Michael Jonathan Green ) ، للقول بان الرئيس الاميركي المنتخب ، جو بايدن ، سيولي جنوب شرق آسيا مزيداً من الاهتمام ، للمحافظة على المصالح الاميركية في تلك المنطقة ، وذلك حسب ما نشرته وكالة اسوشيتدبرس بتاريخ ١٥/١١/٢٩٢٠ ، في اطار تغطيتها لتوقيع الاتفاقية المذكورة .
وكما قال خبراء لشبكة "سي إن بي سي" (CNBC) فإن من غير المرجح أن يتراجع الرئيس المنتخب جو بايدن عن تشريعات الرئيس دونالد ترامب بخصوص صناعة التكنولوجيا والشركات في الصين، لكن نهج بايدن قد يكون أكثر استهدافًا للحلفاء وتعاونًا معهم.
ومن المعلوم ان ترامب كان سعى أثناء رئاسته إلى تحدي صناعة التكنولوجيا في الصين بممارسة العقوبات والأوامر التنفيذية والإجراءات الأخرى، ومن المرجح أن يواصل بايدن مثل هذه السياسة، كما يؤكد الخبراء...!
تحولات مهمة ستفتح آفاق معادلات دولية جديدة ما كان لها ان تحصل لولا صمود محور المقاومة الاسطوري بوجه الاستعلاء الاميركي وكسر شوكته على اسوار مدننا وتهشيم صورة جيوشه الاحتلالية والارهابية..!
بعدنا طيبين قولوا الله