kayhan.ir

رمز الخبر: 124344
تأريخ النشر : 2020December30 - 19:59

حصاد 2020 في ليبيا: أطماع أردوغانية وعودة للمساعي السياسية

روعة قاسم

2020 كان عامًا مليئًا بالأحداث المفصلية في ليبيا، عاش الليبيون خلاله على وقع المعارك الكبرى التي هزّت بلادهم ولعل أخطرها احتدام معركة طرابلس التي اشتعلت بعيد التدخل التركي المشؤوم في هذا البلد، والذي أعاد ليبيا الى متاهة التدخلات الخارجية والأطماع الغربية.

بدأ العام بمساعٍ جديدة للحل مع مؤتمر برلين للسلام من أجل ليبيا الذي احتضنته العاصمة الألمانية في شهر كانون الثاني، ودعا اليه كل من رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، والجنرال خليفة حفتر اضافة الى الدول المؤثرة في الصراع الليبي وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا، والصين، وتركيا، وإيطاليا، والإمارات، ومصر، والجزائر، والكونغو. ولكن كغيره من المؤتمرات السابقة، انتهى دون تقدم يذكر. فبحسب متابعين، تكرر هذه المؤتمرات الأخطاء نفسها مثل تغييب أطراف محليين في ليبيا، في مقدمتهم ممثلو القبائل الليبية رغم تأثيرهم الكبير في الوضع الليبي.

تدفق الإرهابيين والمرتزقة

كما شهدت بداية العام استمرارًا لظاهرة تدفق الارهابيين من سوريا الى ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق ضد قوات الجيش الليبي والتهديدات التركية المصاحبة لهذا العمل. ومع دخول تركيا على خط الأحداث من خلال دعمها لحكومة الوفاق في وجه المشير خليفة حفتر، أخذت الأزمة الليبية شكلًا أكثر تصاعدًا، فتركيا التي تآمرت على جوارها السوري طوال الأعوام الماضية من خلال دعم وصول الارهابيين الى هذا البلد، أعدّت مؤامرة أخرى على ليبيا خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في سوريا على يد الجيش العربي السوري، ما دفعها للبحث عن ساحة قتال جديدة لتصفية حساباتها وتقوية نفوذها واقتسام "الكعكة الليبية" مع باقي أطراف النزاع.

مذكرة التفاهم التركية

دخلت تركيا بكل ثقلها على خطّ الأحداث الدائرة في ليبيا حيث تصدرت المشهد بسبب دورها المشبوه. وشكلت مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج حول التعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية، شكّلت حجر الأساس لهذا التدخل التركي العسكري الذي أثار جدلا واسعا داخليا وخارجيا. ويبدو ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عمل على تعزيز نفوذ بلاده شرق البحر المتوسط عبر دعم الميليشيات المتطرفة وكذلك جلب المقاتلين من سوريا الى بلد عمر المختار.

واستغلت أنقرة انشغال العالم بفيروس كورونا وتطورات الأحداث لتحاول فرض أمر واقع في ليبيا، عبر جلب هؤلاء المرتزقة والمقاتلين التكفيريين الذين كانوا يقاتلون في سوريا ضد الجيش الوطني السوري، وكذلك عبر جلب شتّى أنواع العتاد والسلاح وتهريبه الى ليبيا، مما ساهم في زيادة تأجيج الانقسام في الداخل الليبي ومنع أي تسوية سياسية قادمة.

وجاء إعلان حكومة الوفاق الوطني الليبية سيطرتها على قاعدة "الوطية" الجوية التي كانت خاضعة لسيطرة القوات الموالية للمشير خليفة حفتر، لتعيد خلط الأوراق وموازين القوى على الأرض. وكان الإعلان عن سقوط قاعدة الوطية الجوية المهمة حدثًا بالغ الخطورة ومتوقعًا بالنظر الى حجم الضربات الكثيفة التي شنتها طائرات من غير طيار تركية، وكانت تستهدف بشكل يومي امدادات السلاح ومخازنها داخل هذه القاعدة.

وقد أثار تصاعد المعارك في ليبيا مخاوف دول الجوار الليبي خاصة تونس والجزائر ومصر خشية تدهور الوضع الأمني وانفلاته أكثر فأكثر، خاصة ان تركيا قامت بالاستحواذ على العديد من المواقع الحيوية المؤثرة في ليبيا مثل قاعدة الوطية، حيث سعت أنقرة الى ربح المعركة بالسلاح والرصاص وكل الوسائل الممكنة ولن تقبل هزيمتها مرة أخرى على غرار ما حصل في سوريا.

وأصدرت أحزاب تونسية وعربية بيانات أدانت فيها التدخل التركي والأمريكي في ليبيا والمنطقة، مؤكدة أن الدولة التركية فرضت اتفاقية احتلال على الشعب الليبي بدأت بمقتضاها بتحويل آلاف المرتزقة والإرهابيين الذين استعملتهم في تدمير سوريا إلى الأراضي الليبية. ومن بين الأحزاب الموقعة التيار الشعبي من تونس، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي من المغرب، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من فلسطين، حزب العمال من تونس، حزب تيار الكرامة من مصر، وحزب الرفاه من موريتانيا والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة تونس الى الأمام وغيرها من الاحزاب العربية التقدمية والوطنية.

عين اردوغان على الشرق الليبي

في شهر مايو / أيار من سنة 2020، وبعد اعلان اردوغان النصر في الغرب الليبي، اتجه نحو الشرق للاستحواذ على ما تخبّئه من حقول وثروات نفطية وطبيعية هائلة في الشرق والجنوب. وفي محاولة لوقف النَّهَم التركي غير المحدود في هذا البلد، جاءت دعوات للتهدئة والهدنة من مصر والجزائر وكذلك من أوروبا من خلال الاتصالات الحثيثة التي أجرتها المستشارة الألمانية ميركل لوقف الحرب المستعرة، وسعت من خلال اتصالها بالمسؤولين الروس الى إيجاد أرضية ملائمة لعودة المباحثات من جديد.

وقد أعلنت موسكو مرارًا رفضها لأيّ تدخل عسكري خارجي، وأن الأزمة الليبية يجب أن تُحلّ سياسيًا، وهي نفت كل الاتهامات التي وجهتها لها أنقرة وواشنطن بشأن أي تواجد عسكري لها في ليبيا.

اتفاق الهدنة

في آب 2020 تمّ الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار الصادر في بيانين عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب شرقي ليبيا عقيلة صالح. وجاء في البيان الصادر عن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الجمعة: "انطلاقا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذي تمر به البلاد والمنطقة وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية".

ومنذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين فرقاء الصراع في ليبيا، ومقترح "سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح"، تتباين ردود الفعل بين مؤيد ومشكك في مدى نجاعة الاعلان وقدرته على تهدئة الأزمة. وكان السؤال الأهم يتمحور حول كيفية الحفاظ على هذا الاتفاق وهل سيصمد أمام حجم الضغوطات الإقليمية والدولية، أم أن مصيره سيكون الفشل كما باقي الاتفاقات والتفاهمات التي عرفتها الأزمة الليبية طيلة السنوات الماضية. ويؤكد جلّ المتابعين أن سعي الولايات المتحدة عبر سفيرها في ليبيا الى فرض هذه الهدنة وجعل سرت والجفرة منزوعتي السلاح هو من أجل اتاحة الفرصة لاستغلال هذه الثروة النفطية الليبية التي تتركز في سرت والجنوب الليبي.

عودة المباحثات الأممية

في سبتمبر من عام 2020 عادت المباحثات السياسية الليبية الى الضوء مجددًا بعد أن استؤنفت في مدينة "بوزنيقة" المغربية برعاية أممية جولات جديدة من المباحثات بين الأطراف الليبية إثر تعطل مسار التفاوض طيلة الأشهر الماضية. وانطلقت الجولة الأولى بمدينة "بوزنيقة" المغربية وجرت بين وفدي المجلس الأعلى للدولة والذي يمثّل حكومة طرابلس، وبين وفد مجلس نواب طبرق الداعم للواء خليفة حفتر. ومن أهم نتائجها الاتفاق بشأن تحديد المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية، في الدولة.

أعطت هذه المباحثات نَفَساً وحيوية جديدة لقطار التسوية الليبية الذي تعطّل مرارًا طوال الأعوام الماضية. وجاء اعلان رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج عن رغبته الصادقة بتسليم مهامه الى السلطة التنفيذية القادمة في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وذلك بعيد أول جولة من المباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، ليؤشر الى أن هذه المباحثات تتقدم بخطى حثيثة نحو تسوية ما للأزمة الليبية الأشد تعقيدًا في المنطقة.

كما احتضنت تونس جولة جديدة من الحوار الليبي - الليبي برعاية أممية وذلك خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول. وقد تصاعدت الآمال آنذاك بأن تتمكن هذه الجولات من التقريب بين وجهات النظر بين الليبيين المتصارعين وأن تكون فرصة جديدة للملمة الجراح والخلافات المتصاعدة.

لكن انتهت جولات الحوار الليبي في تونس يوم الأحد 15 أكتوبر/ تشرين الأول دون تحقيق النتائج الفعلية المرجوة. وكان انتهاء حوار تونس دون توافق حول أسماء أعضاء السلطة الموحدة، إضافة الى عودة التهديدات المتبادلة بين المشير خليفة حفتر وممثلي الرئاسي في الغرب الليبي بمثابة مؤشر الى أن التوصل إلى حل سياسي بات صعبًا، كما أن طريق التسوية وإنهاء الحرب العبثية في ليبيا ما يزال طويلًا.