kayhan.ir

رمز الخبر: 124272
تأريخ النشر : 2020December29 - 19:40

"الشهادة والسيادة".. مرحلة جديد في الصراع بعد جريمة العصر

عادل الجبوري

من الطبيعي جدًا أن تتصدر الذكرى السنوية الأولى لاغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج ابو مهدي المهندس (جمال جعفر ال ابراهيم)، وقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني صدارة المشهد العام في العراق وربما خارجه، ارتباطا بمكانة وموقع وتأثير الرجلين في مجمل الوقائع والمحطات، وارتباطا بملابسات عملية الاغتيال من حيث الزمان والمكان، والجهة أو الجهات المتورطة، ومن ثم التداعيات والانعكاسات التي خلفتها وأفرزتها عملية الاغتيال.

ولعل عبارة (الشهادة والسيادة) التي اختيرت كشعار عام يستوعب كل الفعاليات والنشاطات الجماهيرية على مختلف الصعد والمستويات والاتجاهات لاحياء الذكرى السنوية الاولى للشهيدين، جاءت معبرة عن جوهر وماهية الحدث، الذي بدا بعد مرور عام كامل عليه وكأنه جديد، لأن ما عمل عليه المهندس وسليماني، وانتهى بهما الى نيل احدى الحسنيين "الشهادة" بعد أن حققا الاولى "النصر"، تمحور حول هدف اساسي محوري، تمثل بالدفاع عن المقدسات ومواجهة العقائد المنحرفة، وتحقيق السيادة الوطنية، سواء عبر مواجهة تنظيم "داعش" الارهابي في الميدان، بعد ان استباحت عصابات الاجرامية ارض العراق في صيف عام 2014، أو التصدي للاحتلال والوجود الاميركي في العراق، الذي أوجدته ظروف وعوامل مختلفة تراكمت على امتداد فترات زمنية طويلة، ليترسخ ويتكرس من خلال بوابة الغزو بذريعة الاطاحة بنظام صدام في عام 2003.

ولا شك أن الأعوام الثمانية عشر المنصرمة، حفلت بالعديد من المنعطفات الخطيرة والمحطات المؤلمة التي كانت الولايات المتحدة الاميركية وراءها، ابتدأت من أول أيام غزو العراق في العشرين من شهر اذار-مارس 2003، وتواصلت وامتدت حتى يومنا هذا. ولعل العراقيين يتذكرون جيدًا الحاكم المدني بول بريمر، وما حفلت به فترة وجوده بالعراق من مشاكل وأزمات، وبعدها حفلت ذاكرتهم بالكثير من التجاوزات والانتهاكات والاساءات التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، ناهيك عن الخسائر والأضرار المادية، سواء تلك التي تورطت بها القوات الأميركية مباشرة، أو التي ارتكبتها أدواتها من قبيل تنظيم "القاعدة" وبعده تنظيم "داعش" الارهابيين، وسواهما.

لا يمكن لمن يستذكر ويستحضر وعاش ويعيش ذلك الواقع المؤلم أن يتقبل فكرة استمرار التواجد الاميركي في العراق. وفي واقع الحال لا يخرج اغتيال القادة الشهداء، واحياء ذكراهم، عن سياق السعي الجاد والحثيث لانهاء التواجد الاجنبي وطي صفحة الاحتلال، وقد لا تكون مصادفة ان تتزامن عدة وقائع وأحداث مرتبطة بهذا المطلب ضمن فترة زمنية قصيرة، فانسحاب القوات الاميركية من العراق اواخر عام 2011، والاستهداف الاميركي لقوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية - السورية بقضاء القائم، الذي تسبب باستشهاد وجرح العشرات من مقاتلي الحشد، وقع في التاسع والعشرين من شهر كانون الاول-ديسمبر من العام الماضي، أي قبل أيام قليلة من اغتيال المهندس وسليماني، وتبع ذلك في الخامس من شهر كانون الثاني-يناير 2020، تصويت مجلس النواب العراقي بالاجماع على قرار يلزم الحكومة بالعمل على اخراج القوات الأجنبية من البلاد في أسرع وقت. فضًلا عن ذلك كله، فإن العام المنصرم 2020، كان حافلًا بشتى المواقف والفعاليات الداعية والمطالبة بإنهاء التواجد الأميركي، سياسيًا وجماهيريًا ونخبويًا، رغم الكم الكبير من التحديات والمصاعب والمخاطر الأمنية والصحية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد.

وكما جاءت التوقعات بعد اغتيال المهندس وسليماني فإن تلك الجريمة أربكت الولايات المتحدة الأميركية الى حد كبير، وخلطت حساباتها، ولم يعد العالم أكثر أمنًا بعد الاغتيال، كما روج لذلك كبار الساسة في واشنطن و"تل ابيب" وعواصم أخرى بعضها عربية، بل إن الانعكاسات السلبية على واشنطن وحلفائها وأصدقائها أتت سريعة، سواء من الناحية السياسية أو من الناحية العسكرية، علمًا أن الرد عليها -اي على واشنطن- لم يكتمل حتى الان، وهو ربما سيكون مثلما أشار القادة الايرانيون بإخراج الأميركيين ليس من العراق فحسب وانما من عموم المنطقة.

ففضلًا عن تفاقم التعقيد والتشابك في الملفات الاقليمية والدولية التي تعد الولايات المتحدة طرفًا فيها، وارتفاع حدة الخلافات والتقاطعات مع شركائها الدوليين، الى جانب المزيد من الضعف والارتباك والاضطراب الذي أصاب أدواتها الاقليمية في مقابل تصاعد قوة وتماسك محور المقاومة، فإن الأوضاع الداخلية الأميركية انزلقت بفعل سياسات ترامب المتهورة والانفعالية الى منعطفات حرجة وحافات خطرة للغاية، مع تنامي النزعات العنصرية والعرقية، الى حد المواجهات والصدامات المسلحة، بحيث بات موضوع امكانية اندلاع حرب اهلية جديدة، الشغل الشاغل للكثير من المحافل والنخب والاوساط الفكرية والسياسية وكذلك الشارع الاميركي، وأصبح ملايين الاميركيين يعدون الأيام مترقبين مغادرة ترامب للبيت الابيض بعد ثلاثة أسابيع دون أن يحدث كارثة كبيرة قبل ذلك.

من المستبعد أن لا تكون الولايات المتحدة قد أدركت بعد عام كامل، أنها باغتيال المهندس وسليماني رسمت مسارًا مختلفًا تمامًا عن المسار الذي خططت له من وراء عملية الاغتيال، ومجمل معطيات وحقائق الواقع القائم، سواء في اطار أسبوع "الشهادة والسيادة" وما أطلقه وسيطلقه من رسائل واشارات، أو تلك المتبلورة على امتداد اثني عشر شهرًا، تؤكد وتثبت وتؤشر الى ذلك المسار المختلف، بل والمعاكس تمامًا للمسار المطلوب..

واذا قررت واشنطن في ظل ادارتها الجديدة، أن تتصرف بقدر أكبر من العقلانية والواقعية والحكمة، فإنها بلا شك سوف تراجع بدقة وعمق ما خلفته حقبة ترامب من مشاكل وأزمات وكوارث وويلات، وتعمل على تصحيح ما يمكن تصحيحه، ولكن في حال ارتأت أن تواصل ذات النهج عبر شعارات وسياقات وآليات مختلفة، فعليها أن تترقب وتنتظر وتتلقى نتائج وعواقب أسوأ.