المنطقة الشرقية في السعودية: بين تهديدات البغدادي وسياسة النظام العنفية
عبد الحسين شبيب
كان متوقعاً ان تفتح جريمة قرية الدالوة في منطقة الاحساء شرقي المملكة السعودية الباب امام مراجعة السلطات السعودية لسياستها تجاه الشريك الآخر في الوطن الذي دأبت وسائل الاعلام الغربية على وصفه بالاقلية الشيعية التي تتمركز في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
الوقائع التي ظهرت بين ثنايا الجريمة التي استهدفت مجلس عزاء حسينيا ليلة العاشر من محرم المنصرم وذهب ضحيتها عدد من المواطنين كشفت تباعاً عن مخطط يستهدف تحويل العلاقة المأزومة اصلاً بين الشيعة والنظام الى مسار عنفي على خلفية مذهبية شبيهة بما يجري في العراق واماكن اخرى. وما زاد قلق السلطات ان داعش ظهر للمرة الأولى متلبساً بالجرم المشهود في المسؤولية عن تلك الجريمة، والاكثر قلقاً كان قيادة القطري سالم بن فراج بن عزيز المري المجموعة التي نفذت الاعتداء في احدى ليالي عاشوراء (قتل اثناء محاولة اعتقاله مع ثلاثة سعوديين)، ما يعني ان العنصر الخارجي دخل على خط العمل في المملكة وليس فقط العناصر السعودية. وكان ذلك مؤشراً خطيراً لجهة بدء استفاقة الخلايا النائمة في المملكة والتي تتبع لداعش وليس القاعدة هذه المرة، وبدئها العمل من المكان الذي يوجع النظام، اي محاولة ضرب الوحدة الوطنية واظهار المملكة على انها مثلها مثل غيرها مهيأة لانقسامات مذهبية لديها قابلية الاشتعال.
كان يفترض ان يغير النظام في سلوكه تجاه المنطقة الشرقية بعد جريمة الاحساء وبعد تهديدات زعيم داعش واستباحته من اسماهم الراوفض
وما كان يفترض ان يغير ايضاً في سلوك النظام تجاه المنطقة الشرقية واهلها البيان الصادر عن زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادي والذي حدد خصومه الثلاثة في السعودية: النظام والأجانب (الصليبيين الداعمين لال سعود) والروافض، اي الشيعة، داعيا اتباعه الى البدء بمحاربة الفئة الاخيرة، الروافض، قبل ان يتدرج العنف الداعشي الى بقية المكونات العدوة له ولفكره.
كان واضحا ان جمهور المنطقة الشرقية في الاحساء والقطيف وفعالياتها قد تعاملوا بايجابية تجاه الخطوات التي قام بها النظام لجهة ملاحقة المجموعة المتورطة بجريمة الدالوة وايضاً زيارة وزير الداخلية محمد بن نايف الاحساء للتعزية برفقة عدد من الامراء والمسؤولين، وكذلك عملية ضبط النفس التي دعا اليها العلماء لتفويت الفرصة على محاولة جر البلاد الى فتنة مذهبية.
لكن هواجس اهالي المنطقة لم تتبدد لجهة امكانية استهدافهم مرة اخرى من تنظيم تبين ان لديه وفرة في العناصر البشرية من خلال عدد المعتقلين على خلفية هذه الجريمة، وايضا لجهة توافر السلاح والمال لديهم، فضلا عن القدرة العملانية على التحرك والتواري في عدد من المناطق البعيدة عن بعضها البعض، وهو ما تبين من خلال تعدد المناطق التي اعتقل فيها المتورطون بالاعتداء على الحسينية.
وبالتالي كان يفترض ان يقوم النظام بمجموعة من المبادرات والاجراءات تبدد هذا القلق لدى هؤلاء المواطنين السلميين العزل من السلاح، لكن حادثة قرية العوامية في القطيف التي تمثلت بمداهمة واسعة لقوات الامن لهذه القرية وقتل اربعة مواطنين بدعوى محاولة اعتقال الشخص المسؤول عن قتل الجندي عبد العزيز العسيري في محلة الناصرة بالبلدة نفسها قبل ايام قليلة من هذا الاقتحام، اعادت طرح الاسئلة عن سبب هذا الاصرار على استخدام الاسلوب الامني العنفي في التعامل مع هذه المنطقة، ولا سيما ان النتائج تزيد عن المقدمات باربعة اضعاف: اي اربعة قتلى مقابل قتيل واحد من الامن. ففضلا عن التساؤلات حول كيفية تعرف الاجهزة الامنية الى قاتل العسيري، وهي جريمة لاقت استنكار فعاليات القطيف ببيان سلم الى امير المنطقة سعود بن نايف، فان الرواية الرسمية التي وزعت حول الاصطدام بمجموعة تم الاشتباك معها اثناء مداهمة مكان المطلوب ومن ثم مقتل جميع المتواجدين معه، يظهر ما حصل بانه يشبه التصفية دون وجه حق او الاعدام بلا محاكمة. مع الاشارة الى ان صحيفة "الشرق الاوسط” نقلت عن مسؤول أمني سعودي، أن الجهات المختصة تتحقق من وضع القتلى الثلاثة، ومن مدى تشكيلهم لخلية إرهابية تستهدف رجال الأمن في القطيف، اي ان الامر لا يزال في دائرة الشكوك وليس اليقين حول "ارهابية” القتلى الثلاثة. وهذه الرواية تناقض الرواية التي اذاعها اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني في وزارة الداخلية السعودية والتي حسم فيها هوية القتلى بانهم من الارهابيين وان قوات الامن دهمت اوكارهم، متحدثا عن تعاون ابناء المنطقة الذي كان له الاثر السريع في كشف من وقفوا خلف جريمة مقتل الجندي العسيري.
لكن رواية نشطاء في المنطقة تحدثت عن مقتل خمسة اشخاص وأن من بين القتلى صبيا (12 عاما) وآخر من المارة بالاضافة إلى إصابة أكثر من 20 شخصاً، بما يعني ان الكلام عن خلية من اربعة اشخاص ليس صحيحاً.
كما ان التظاهرة الحاشدة التي سارت في العوامية بعيد عملية المداهمة والتي الحقت اضرارا بممتلكات المواطنين فضلا عن الخسائر البشرية، تطرح اسئلة حول دقة ما تقوله السلطات السعودية بشأن تعاون المواطنين هناك، فضلا عن دقتها في تحديد المتورطين بقتل الجندي الذي اطلقت عليه النيران من مصدر مجهول بالمزارع المنتشرة بحي الناصرة، وكيف اصبح هذا المصدر معلوماً بسرعة. صحيح ان ما جرى في العوامية هو الحادث الاكثر دموية في السنوات الاخيرة في هذه البلدة التي تعتبر ساحة للصدام بين الأقلية الشيعية في السعودية والنظام منذ انطلاق الاحتجاجات التي اندلعت أوائل عام 2011 للمطالبة بإنهاء التمييز ضدهم وإجراء إصلاحات ديمقراطية، والتي اودت بحياة عشرين مواطنا تصر السلطات على انهم قتلوا اثناء اشتباكهم مع رجال الامن، في حين يؤكد ناشطون حقوقيون ان بعض هؤلاء قتلوا بالرصاص أثناء مشاركتهم في احتجاجات سلمية.
لكن النظام يعرف ان العوامية هي ساحة مهيأة لمزيد من التصعيد في حال ذهب الى الاخير في قضية الشيخ نمر باقر النمر الذي يتحدر من هذه البلدة، وهي خاضت في السبعينيات مواجهة مسلحة دامية مع النظام، وحكم عليه بالاعدام تعزيراً كما طلبت المحكمة في قضائها النهائي، الامر الذي وضع قرار تنفيذ الحكم بعهدة الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصياً للمصادقة عليه او الغائه، بما يبقي احتمال الذهاب الى مواجهة عنيفة قائما اذا لم تستجب المملكة لمطالب المرجعيات الدينية الشيعية في غير بلد اسلامي وايضا العديد من الدول والشخصيات والقوى السياسية الداعية الى التراجع عنه نظرا لمخاطره الجسيمة.
هل ما قامت به قوات الامن في العوامية هو لفحص رد فعل الشارع الشرقي فيما لو نفذ حكم الاعدام بالشيخ النمر؟ ام انها عملية استعراض قوة حتى لا يفسر قتل الجندي العسيري على انه سابقة يؤسس لاعمال لاحقة اذا سكت النظام؟ ايا تكن الاحتمالات الصحيحة فان خلاصة التحليل ان الوضع في المملكة دقيق لجهة تحفز داعش للضرب على الوتر المذهبي بقوة، فيما لا يزال هناك رجال دين حكوميون يستخدمون لغة عدائية تجاه الشيعة في المملكة، في الخطب الدينية أو في الكتب الدراسية الدينية، الامر الذي يرمي الكرة في ملعب النظام لمعرفة كيف سيتصرف فيما لو بقي الخطاب التحريضي يعمل بجانب تحفز الخلايا النائمة للاستيقاظ، وماذا سيفيد حينها الاستمرار في رمي الاتهامات على قوى خارجية يقصد بها ايران بانها تدعم الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالعدالة والمساواة والاصلاح، بدلا من ان يبادر الى فتح نوافذ مغلقة مع اهالي المنطقة الشرقية للاستجابة لمطالبهم المشروعة بما أنه اصبح لدى الطرفين عدو تكفيري واحد حددهم كاهداف يتدرج في النيل منها!.