kayhan.ir

رمز الخبر: 122639
تأريخ النشر : 2020November18 - 20:01

الحصار والعقوبات والاعتداءات الصهيونية حلقة واحدة


غالب قنديل

تتكامل حلقات الضغوط والاعتداءات الأميركية والصهيونية على بلدان محور المقاومة في عملية استنزاف سافرة، تهدف الى توهين الإرادة وترهيب القيادات والشعوب معا، لفرض الإملاءات المعادية. وينال لبنان نصيبا كبيرا من كل ذلك، خصوصا على مقلب العقوبات وعمليات الاستنزاف الجارية، عملا بوصفه القديم كخاصرة رخوة.

أولا: إن لبنان يعاني اقتصاديا من ظروف شديدة الصعوبة. وهذه الجبهة من الصراع، تعتبرها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وسائر أطراف المعسكر المعادية جبهة قوتها، حيث تستطيع أن تحتفظ باليد العليا من خلال الذراع العدوانية للصهاينة، وأسلحة العقوبات الاقتصادية والمالية الأميركية والأوروبية على السواء. وحيث تتوزع منظومة الغرب بشكل متناسق دائرة التكامل السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري لأدوارها. وهي تلحق بخططها الحكومات العربية التابعة، وتوظّف أدوارها لإخضاع محور المقاومة.

يمارس الحلف الاستعماري الرجعي بقيادة الولايات المتحدة، وبالشراكة مع الأنظمة العربية التابعة والخاضعة للمشيئة الأميركية، ضربا من الخداع والكذب في تقمّص دجل المساعدة والإغاثة وتقديم المعونات للاقتصاد اللبناني. بينما المقصود تفعيل النزيف المالي والاقتصادي بمزيد من الحصار، للنيل من مناعة الشعب اللبناني ومن قدرته على الصمود، ولتعرية المقاومة من حاضنها الشعبي، الذي كان على الدوام، ومنذ أكثر من ربع قرن، عنصر القوة والحصانة، الذي استند اليه المقاومون في صنع انتصاراتهم، وفي فرض المعادلات القاهرة.

ثانيا: إن الحصار الاقتصادي والاستنزاف بالعقوبات هما حلقتان من سلسلة العدوان الاستعماري الصهيوني الذي يستهدف لبنان. والجمع بين الأدوات العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية يدلّ من لم يفهم بعد أن لبنان يتعرّض لعملية خنق استراتيجية مخططة، بهدف تركيعه وضرب قدرته على الصمود، بعدما أدت قسطَها طبيعةُ النظام اللبناني الريعي التابع للهيمنة، بحيث يصبح اللبنانيون أمام خيارين، هما الركوع للهيمنة الصهيونية الأميركية أو الخراب الكبير والشامل، الذي تعزّزه العقوبات وعملية الخنق والحصار والاستنزاف المتواصل.

والخيار الثالث، هو خيار الصمود والمقاومة، الذي اختبره اللبنانيون، ولكنه اليوم يتطلّب خطة متكاملة للصمود الاقتصادي، وتصرّفا غير تقليدي بالمرّة لكسر الحصار الأميركي والغربي على البلد، ولإحياء القطاعات المنتجة للثروة بعد الاستنزاف الخطير، الذي أوصل الاقتصاد اللبناني الى انهيار حقيقي وشامل لجميع القطاعات. بينما تسعى الولايات المتحدة لدفعه أكثر الى الهوة السحيقة بواسطة العقوبات، التي يتخطى دورها حدود الترهيب السياسي الى حفر هوة اقتصادية مالية سحيقة، يتمّ فيها خنق جميع فرص إحياء القطاعات الاقتصادية الحية في البلاد.

ثالثا: يتعرض لبنان بواسطة العقوبات، وبعد الانهيار الكبير الذي لحق باقتصاده وبماليته العامة، نتيجة الحصار والعقوبات، الى محاولة اغتيال مبرمة لدوره ولفرض نموّه ونهوضه من جديد. والأكاذيب التي يرميها قادة وعملاء الغرب عن مساعدات أو هبات، تتكشّف عن محاولات استتباع وإخضاع مدبّرة لصالح خنق المقاومة وكسر الإرادة الاستقلالية بصورة حاسمة، وتحويل البلاد الى مستعمرة خاضعة للمشيئة الاستعارية. ولذلك نقول إن على اللبنانيين أن يختاروا، وأن يحدّدوا طريقهم في الخروج من هذه الكارثة الزاحفة. وأول الطريق هو كسر القيود الغربية، التي تكبّل الإرادة الوطنية، وصياغة مشروع استقلالي يمكن من خلاله أن تُعبّأ الطاقات والجهود اللبنانية لتجاوز المأزق، ولبناء شراكات تقوم على أساس تكافؤ المصالح، واحترام الاستقلال الوطني بعيدا عن تقاليد الإذلال والاستتباع، التي يتقنها الغرب الاستعماري، وبما يحمي البلد من خطر المخالب والأطماع الغربية.

قد يقول بعض السذّج: وما هي طبيعة الأطماع الغربية في بلد مستنزف كلبنان؟. الجواب تقدّمه التجارب الغربية، التي تشير الى ما قام به الاستعار الغربي من تحويل دول عديدة في العالم الثالث الى دول كسيحة مدمّرة المرافق، وحيث يسهل إلحاقها بهيمنة الشركات الغربية، ونهب ثرواتها وأسواقها، وإخضاعها بصورة كلّية للغرب. ودائما سعى هذا الغرب الى التسبّب بالكساح الاقتصادي والمالي لدولٍ ومجتمعات بصورة تخفّض عليه كلفة الهيمنة والاستتباع. وهذا ما يجري في لبنان. وما لم يتنّبه اللبنانيون سيصحون ذات يوم، ليكتشفوا أنهم صاروا عبيدا خاضعين للشركات الأجنبية ولتحكّمها، وسيُفرض عليهم نمطٌ مستجد من "العبودية"، التي تمليها حكومات الغرب على فقراء العالم الثالث.

إن الحساب الواقعي للأزمة اللبنانية يقود الى استنتاج صريح: إن فرصة البداية الجديدة بخطة جذرية لإعادة البناء الوطني على قاعدة الإنتاج، تملك ذات حظوظ احتمال الكساح الكلي تحت سيطرة الوحش الغربي النهّاب. ومَن يحاول التخفيف والتقليل من وطأة التعبير ليس إلا دجّالا ومخاتلا.

ساعة الحقيقة تقرع أبواب اللبنانيين. فإمّا أن يجدوا أنفسهم فجأة في حلقة كارثية لا مخرج منها، وإما أن ينهضوا بإمكاناتهم وبسواعدهم وبإرادتهم لينتزعوا فرصا جديدة لحياة جديدة أقلَّ سهولة مما اعتادوه في زمن الطفرات المالية الخادعة، لكنها ستكون وثبة راسخة في طريق نهوض حقيقي من الكارثة، التي خلّفها وهم الازدهار الخادع.