فوز بايدن يربك الحسابات السعودية
إسراء عامر الفاس
واقع جديد تواجهه الدول الخليجية، بعد فوز المرشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، الذي بات بحكم المحسوم أميركياً. إرباك وخلط أوراق سياسية، توصيف يختصر المشهد السياسي الجديد الذي بدأت تواجهه السعودية وحلفاؤها الخليجيون تحديداً الإمارات وحكماً البحرين.
العلاقات مع الصين وإيران، واتفاقية المناخ، ملفات وتساؤلات بالجملة عن سياسة الرئيس الأميركي المقبل، بعد انتكاسات سياسة راكمتها ولاية الرئيس الأسبق دونالد ترامب، ومن بين الملفات المطروحة، العلاقات مع دول السعودية، والتي أفردت لها المواقع العالمية مساحات ناقشت من خلالها أي متغيرات ستطرأ على العلاقات الأميركية السعودية القائمة، وما حدود هذه التبدلات.
ولماذا تبدو التبدلات بحكم المحسومة، لأن المسار المتفلت من كل الموازين العاقلة للسياسة كان هو الحاكم سعودياً، بغطاء من سياسة أكثر رعونة تمثلت بإدارة ترامب. ولعل أبرز الأدلة هي تلك الملتصقة بصورة محمد بن سلمان من حدث اختطاف رئيس حكومة بلد آخر واجباره على تلاوة بيان استقالة كما فعل ولي العهد السعودي مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أو بتنفيذ أفظع جريمة قتل سياسية شهدها العالم وعلى أراضي بلد خصم بقتل الصحافي جمال خاشقجي. بهذه الأريحية كانت السعودية تمارس البطش، وتصفية كل خصوم ابن سلمان ومنافسيه على العرش.
وعلى المستوى الاقليمي، معارك مفتوحة انخرطت فيها السعودية وحليفتها الإمارات، وتجندت لها البحرين تطبيلاً.. طيلة سنوات حكم ترامب. وبشكل محسوب أو غير محسوب، انخرط الخليجيون في حروب أميركا في المنطقة، لتسمح لهم إدارة ترامب بخوض ملاحم سياسية مع خصوم ومنافسين، كقطر مثلاً، أو المضي في شيطنة الاخوان المسلمين بسياسات تضييق مفتوحة. ليجد السعوديون وحلفاؤهم أنفسهم اليوم غارقين بوحلها، من الحرب على اليمن الخاسرة بكل مقاييسها ميدانياً وسياسياً، إلى الصراع المفتوح مع الجمهورية الاسلامية في ايران، مروراً بالحروب بالوكالة مع تركيا وتيار الاخوان المسلمين، إلى المعركة المفتوحة ضمن الساحة الخليجية نفسها، باستعداء قطر، وضرب منظومة العمل الخليجي بشكل ارتد على العلاقات مع سلطنة عمان والكويت أيضاً. والجنون انسحب على الحلفاء لتنخرط أبوظبي وبشكل مباشر في حروب الخارج كسياسة حديثة العهد بالنسبة للإمارات. وبحرينياً كان الضوء الأخضر المفتوح للفتك بالمعارضين بارزاً، باغتيال العمل السياسي والصحافي بشكل كامل وبدل الانفاق على مؤسسات العلاقات العامة لتحسين صورة الحكم كما في عهد الادارات الاميركية السابقة لترامب، أطلقت السلطة يدها في بطش بلا رحمة، لتعدم العمل السياسي داخلياً بالكامل.
وفي سياسة ترامب الرعناء كانت الأنظمة الخليجية الثلاث ترى انعكاس صورتها. ومنذ توليه الرئاسة كان الرجل يُحتفى به، كل ما طلبه ترامب توفر له خليجيا، حتى ان اهاناته المتكررة كانت محل ترحيب. ومع اقتراب المنافسة الانتخابية تولت السعودية والامارات عملية التمويل، بدفع سياسي وفرته بالمضي في صفقة القرن عربياً، والانخراط بركب تطبيع ليستثمره ترامب خليجياً. لتأتي النتائج برياح الخيبة التي لم تشتهيها سفن هذه الدول. وهذا ما يبينه تفاعل فضائيات الدولتين مع الانتخابات الأميركية ونتائجها، حتى المباركة المتأخرة سعودياً لبايدن، وكأنها خرجت على مضض بل هي كانت فعلاً كذلك، تخرج بإرباك وقلق من القادم.
ولأن القلق له ما يبرره، فثمة تحولات بدأت بفرض نفسها، على قاعدة احتواء ما أمكن. لعل بداياتها تمظهر اعادة تنشيط ما يسمى بالوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية، واعلان السفير السعودي في لندن قبل أيام عن أن بلاده تدرس امكانية العفو عن معتقلات في سجونها السياسية. والخطوتان تقران بتبدل الظرف السياسي الذي كانت تستند له المملكة في المضي بقراراتها بضوء أخضر وحماية دولية أمنتها إدارة ترامب. مع إعادة تعويم لعنوان الإرهاب ومكافحته من خلال جريمة جدة التي طرحت حولها العديد من علامات الاستفهام في توقيتها وظرفها السياسي، بالتقاطع مع بيان كبار علماء المملكة المستعدي للإخوان المسلمين.
وفي وقت تطرح فيه التساؤلات جديا عن مآلات التبدلات الأميركية على الداخل السعودي، تجند الرياض كل أوراقها للالتفاف على المتغيرات الجديدة. ففي مؤتمر افتراضي عقده قبل أيام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بمشاركة سعودية واسرائيلية لم تعد محط استغراب، حاول الكاتب السعودي ورئيس هيئة تحرير قناة "العربية" عبد الرحمن الراشد، التقليل من تداعيات حدث فوز بايدن، معتبراً أن الرجل "ملمٌّ بالشرق الأوسط… ومن غير المرجح أن تنحرف إدارته كثيراً عن مسار السياسات الاميركية التقليدية في المنطقة"، مرجحاً أن يرسي بايدن والرياض علاقات جيدة، تماماً كما كان عليه الحال مع جميع الرؤساء الاميركيين السابقين.
وبالرغم من أن التبعية السعودية للولايات المتحدة تعود للعام 1945، وهو ما يفضل السعوديون وصفهم بالشراكة الاستراتيجية، وصحيح أن العلاقات بين البلدين ستستمر بحكم موازين قوى الاقليم والحسابات الأميركية تُصاغ وفقاً لمصالح تل أبيب، لكن هل تحول هذه الحقائق دون حصول تغييرات تكاد تجمع المصادر الاعلامية الغربية على كونها "قادمة ولن تكون موضع ترحيب في عواصم الدول الخليجية"، وفق تقرير أعدته هيئة الاذاعة البريطانية مؤخراً. وعدد التقرير نقاط الافتراق بين إدارة بايدن والسياسات السعودية القائمة من ملف حقوق الإنسان، إلى تبدلات يتوقعها الغربيون إزاء إدارة ملف الأزمة الخليجية وقضية قتل جمال خاشقجي وصولاً لملف التفاوض مع إيران، وحرب اليمن.
تحدث بايدن في خطاب له في تشرين الأول/اكتوبر الماضي أن ادارته ستعمل على اعادة تقييم علاقتها مع السعودية والعمل على ايقاف حرب اليمن. فماذا ستشمل عملية اعادة تقييم العلاقات بين البلدين، سؤال يجر أسئلة عن المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان، وعن امكانية عودة منافسين له في الداخل الى الضوء كابن عمه محمد بن نايف، الذي لطالما أطلق عليه اسم رجل أميركا الأول سعودياً.