kayhan.ir

رمز الخبر: 122174
تأريخ النشر : 2020November11 - 20:00

معادلات الميدان فرضتها دماء الشهداء: الرد آتٍ

شارل ابي نادر

لا يمكن لأي باحث وفي أي مناسبة مرتبطة بشهداء المقاومة، الا أن يستحضر دائمًا مسار هؤلاء الأبطال، منذ بداية اطلاق شرارة مقاومتهم للعدو الصهيوني وحتى اليوم، وكيف استطاعوا، رغم عناصر المواجهة غير المتكافئة، خلق حالة فريدة من أسلوب وطريقة القتال الثابت والمتماسك، فرضت في النهاية انتصارات مؤكدة وثابتة، وشكلت (هذه الانتصارات) نقطة فاصلة في تاريخ الصراع ضد المحتل، ليس فقط ضد العدو الاسرائيلي، بل ضد أي محتل مهما كانت هويته أو مهما كانت قدرته.

حين انطلقت المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، كان مجرد التفكير بأنها سوف تصل الى نتيجة ضد هذا العدو، ضربا من الخيال أو الجنون، ومع مرور الوقت، وتطور عملها وقدراتها واساليبها، ومع بدء ظهور بعض الانتصارات الجزئية والفردية والمنعزلة ضد مواقع عدوة ثابتة أو ضد بعض دورياته، بدأت حقيقة امكانية الانتصار تتوضح وتتثبت يومًا بعد يوم.

العنصر الفاصل في معركة التحرير كان في فهم ووعي عناصرها ومقاتليها وكوادرها لقدسية مبدأ استرجاع الحقوق المغتصبة من جهة، ولحق المقاومة في العمل والجهاد والقتال، في سبيل استعادة هذه الحقوق أولًا، ولاحقًا في حماية وصيانة تلك الحقوق بعد استرجاعها، خاصة في ظل تقاعس المجتمع الدولي ومؤسساته عن القيام بواجباته في متابعة تطبيق القوانين الدولية، وهنا ارتسمت أول معادلة من معادلات المقاومة، فكانت معادلة "المقاومة حق وواجب ضد الاحتلال".

مع الالتزام الثابت بمواجهة العدو مهما كانت الصعاب، انطلق مسار المقاومة وبدأت مسيرة الجهاد في ظل ضغوط تتعلق أولًا بإمكانيات متواضعة جدًا مقارنة مع قدرات العدو وامكانياته، وثانيًا بدعم خجول ومتردد لانطباع كان لدى شريحة داخلية واسعة حينها أنه يستحيل مقاومة "اسرائيل" والتغلب عليها، وأن هذا الخيار غير صائب.

رغم تلك الضغوط، انطلق العمل المقاوم بفضل المقاومين الاوائل، والذين ثَبتوا على خيار المقاومة في الميدان، ثبتوا في المسيرة الشاقة مع وجود إمكانية مرتفعة للاستشهاد في أية لحظة من المواجهات والعمليات، وخاصة في بداياتها، حيث كانت تجري باللحم الحي بسبب الامكانيات المتواضعة، فكانت أيضًا المعادلة الثانية:"الثبات حتى النصر أو الشهادة".

أهمية ما أسس له دم الشهداء، أنه كان العامل الأساس في انجاح كل عملية مواجهة خطرة ضد العدو، وكان المفتاح الذي طالما ألغى الفارق في القدرات والامكانيات، والأهم أن هذه الدماء عبّدت الطريق أمام امتلاك المقاومة، بقياداتها وبكوادرها وبعناصرها، الشعور الاكيد بحتمية النصر، رغم صعوبة المواجهة وقوة وقدرات العدو.

مع الثبات في الموقف وفي الميدان وانتظار الشهادة بفرح وبفخر، تثبّتت أسس المعادلات التي باتت اليوم قوية، ثابتة، تفرض نفسها وتفرض خيار وموقف المقاومة بوجه دولٍ وكياناتٍ قويةٍ، عسكريًا وماديًا وإعلاميًا، ويمكن الاشارة الى مسار تلك المعادلات كالآتي:

معادلة تموز 1993 والتي جاءت بعد عملية تصفية الحساب كما أسماها العدو، تكرست برضوخ "إسرائيل" للامتناع عن مهاجمة أهداف مدنية في لبنان، مقابل عدم اطلاق حزب الله الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة.

معادلة "عناقيد الغضب" نيسان 1996، والتي جاءت تقريبا لتثبيت معادلة تموز 1993، بعد تلقي العدو صفعة أكبر رغم شراسة عدوانه (نيسان 1996)، وقضت بأن استهداف المدنيين في لبنان، سيقابله استهداف المستوطنين في مستعمرات الجليل وكريات شمونة بالتحديد.

من معادلة تموز 1993 وعناقيد الغضب 1996، فرض حزب الله معادلة مهمة، تجاوزت الميدان لتفرض موقفا استراتيجيًا، أدى الى تغيير جذري في وضعية الاحتلال، وقامت على انتزاع ورقة ضغط أساسية من "اسرائيل" بمنعها من استهداف المدنيين في لبنان، فضعفت مناورتها ولم تعد قادرة على منع العمليات ضد وحداتها أو تخفيفها عبر استهداف المدنيين، فاضطرت مرغمة للانسحاب عام 2000.

بعد فشل "إسرائيل" في عدوان تموز 2006 الواسع والمخطط له سابقًا والمدعوم اقليميًا ودوليًا بهدف القضاء على المقاومة في لبنان، فرض ثبات وصمود الاخيرة في عملية المواجهة التاريخية "الوعد الصادق"، معادلة أخرى لها طابع دولي - استراتيجي، تمثلت بمندرجات القرار 1701: "اعتراف كامل بالمقاومة وبحق لبنان بالمقاومة بشتى الوسائل طالما هناك احتلال على أرضه أو طالما تعرضت سيادته للاعتداء".

مقابل جميع هذه المعادلات، والتي كُتِبت بالدم ورُسِمت بالثبات والصمود والسهر والتعب والصبر والتعرض للبرد والحر والجوع والعطش، عند التحضير للعمليات أو تنفيذها، عند المرابضة بانتظار دوريات العدو على المحاور الاجبارية، أو عند الالتصاق بالارض ساعات وساعات في الوديان المتاخمة لمراكز ومواقع العدو الثابتة بانتظار اللحظة المناسبة لتنفيذ العملية، كان الوفاء من قيادة المقاومة لدماء الشهداء ولوجع المصابين والجرحى والمعوقين من الشهداء الأحياء، وقد تجلى هذا الوفاء من خلال الاتجاهات الآتية:

أولًا: ثبات في الموقف والقرار بالشكل وبالمضمون، باحترام دماء الشهداء والأهداف التي ارتقوا من أجلها، وهي تحرير الأرض وحماية السيادة والحقوق، في البر و البحر والجو.

ثانيًا: ثبات في الوفاء للشهداء من خلال الاستمرار والمثابرة، رغم الظروف الصعبة والاستثنائية، على تأمين حاجات ومتطلبات وحقوق عوائلهم، بما يضمن لهم العيش الكريم.

ثالثًا: فرض وتثبيت معادلة ثابتة لا يمكن التنازل عنها أو تجاوزها رغم كل الضغوط والأخطار والأوضاع الاستثنائية، والتي هي الردّ الحتمي والمناسب والمدروس على أي اعتداء ينتج عنه استشهاد مقاوم أو أكثر، وافهام العدو أنه حتما سوف يدفع ثمن أي اعتداء يقوم به وينتج عنه استشهاد مقاوم.

وهذه هي المعادلة التي فهمها جيدًا العدو قبل الصديق، والتي دفعت هذا العدو القوي القادر والمتمكن عسكريا، لأن يستمر ومنذ أكثر من مئة يوم، واقفًا "على إجر ونص"، مبتعدًا عن الحدود، بعد أن ألغى عن تلك الحدود كل دورياته المؤللة والمدولبة والراجلة، والتي كانت تشكل عنصرا أساسيا من عناصر مدافعته وانتشاره على الجبهة الشمالية، وبالتحديد مع لبنان.