kayhan.ir

رمز الخبر: 121822
تأريخ النشر : 2020November06 - 18:53

صنعاء وطهران: علاقات تبعيّة أو استراتيجيّة؟


محمد محمد السادة

في اليمن، وجدت الولايات المتحدة ووكلاؤها في المنطقة فرصة لتبرير عدوانها العسكري واستهداف إيران، من خلال تهم وادعاءات بالتدخل الإيراني في اليمن وتبعية صنعاء لها.

القيادة الإيرانية تُدرك مدى بشاعة الظلم الَّذي يتعرَّض له بلد وشعب له مكانتُه التاريخية والحضارية العريقة

تستمرّ الجهود الحثيثة التي تقودها الولايات المتحدة لتشوية صورة إيران، ومنع أيّ تقارب "عربي – إيراني”، وتحويل بوصلة العداء العربي تجاه كيان العدو الإسرائيلي نحو إيران ومحور المقاومة، وإيكال هذه المهمة العدائية لمحور التطبيع الذي لن تشفع له الوصاية والارتهان لضمان الحماية الأميركية لأنظمته، فالعدوان على اليمن وتطورات المنطقة تؤكد أنّ الولايات المتحدة حليف لا يُعتمد عليه لضمان أمن الأنظمة الخليجية.
ورغم ما تملكه الولايات المتحدة من تكنولوجيا عسكرية متقدّمة، لم تستطع منع الضربات اليمنية العسكرية الموجعة في العمق السعودي، كضربة أرامكوا، عصب الاقتصاد السعودي، التي أوقفت أكثر من نصف الإنتاج السعودي من النفط.

ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً حيال الهجوم الذي استهدف 4 ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات، بل إن الهيبة الأميركية تلقَّت صفعة إيرانية بالستية باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، وهي أول ضربة عسكرية تتلقّاها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي جاءت رداً على اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

هذه الشواهد كافية لإعادة النظامين السعودي والإماراتي النظر في سياساتهما التدخلية في شؤون دول المنطقة، وعلاقاتهما بإيران التي تُبادر إلى مد يد السلام، إذ قامت فور رفع العقوبات الدولية المفروضة على تسليحها بإعلان استعدادها لتوقيع معاهدات عسكرية وأمنية مع الدول الخليجية، إدراكاً منها بأن أمن المنطقة مسؤولية جماعية تتحملها دولها.

كما سبق أن اقترحت توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع دول الخليج الفارسي، ولكن الأعراب لا يُجيدون التقاط فرص السلام، وينظرون إلى إيران بعيني ترامب الذي يجعل منها دولة مارقة تُهدد أمن المنطقة واستقرارها، لا لشيء سوى أنها دولة تملك قرارها، ولديها طموحات سياسية واقتصادية وعسكرية، وهو حقّ لكلّ دولة في إطار الوسائل المشروعة.

في اليمن، وجدت الولايات المتحدة ووكلاؤها في المنطقة فرصة لتبرير عدوانها العسكري واستهداف إيران، من خلال تهم وادعاءات بالتدخل الإيراني في اليمن وتبعية صنعاء لها. لذا، إن ما تشنّه من حرب شاملة، ولا سيما إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، يعكس مخاوف أميركية، ويغذي مخاوف سعودية بأن استقلال صنعاء وتحررها من الوصاية يُهدد مصالحها، فالتدخل الحقيقي في شؤون اليمن والمنطقة يُجسدهُ الغرب والولايات المتحدة عبر تواجد أساطيلها وقواتها في المياه الإقليمية والأراضي التابعة لبعض الدول، كالسعودية والإمارات والبحرين.

بدورها، تُجسد هذه الدول كل معاني التبعية، بخلاف ما تقوم به إيران تجاه اليمن من مساندة ومواقف مشرّفة، لخّصها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي بقوله: "إن دعم إيران لليمن يرتكز على البعد المعنوي أولاً، وهو بُعد يُثبت معادلة أنَّ في المنطقة دولاً وشعوباً تعارض الظلم والعدوان”. لذا، تُعد المواقف الإيرانية انتصاراً لمظلومية الشعب اليمني الذي تُرتكب بحقه أبشع الجرائم المخالفة للشرائع والقوانين والأعراف الدولية.

وفي الوقت الذي تخلّى المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه اليمن، وتركه يواجه عدوانَ تحالفٍ دولي، كانت إيران حاضرة بمواقف علانية تدعم اليمن ومظلوميته، وتُدين العدوان والحصار، وتدعو إلى السلام العادل. ولأن إيران تملك تجربة كبيرة في التعامل مع العداء والحصار الأميركي والغربي، فهي أكثر فهماً لواقع المؤامرة والعدوان الذي يتعرَّض له اليمن.

كما أنَّ مواقفها تستند إلى مبادئ الثورة الإيرانية التي تدعم الشعوب المستضعفة والمظلومة، ولا سيَّما أن القيادة الإيرانية تُدرك مدى بشاعة الظلم الَّذي يتعرَّض له بلد وشعب له مكانتُه التاريخية والحضارية العريقة، ولا تنطلي عليها ممارسات دول العدوان والمأجورين، ممن يصطادون في الماء العكر، ويحاولون التقليل من الصمود الأسطوري للشعب اليمني العزيز وكل انتصارات صنعاء التي يعمدون إلى إلصاقها بإيران، لتستمر تبريراتهم وادعاءاتهم بالنفوذ الإيراني وتبعية صنعاء لها، ليستمرّ العدوان.

ورغم ذلك، كل انتصار لصنعاء هو انتصار لطهران ومحور المقاومة، فالخندق واحد، ولا ضَيرَ في أن تستثمر دول المحور وأطرافه تلك الانتصارات لتحقيق المزيد من الأهداف والمصالح المشروعة، كما أن ما ينطبق على صنعاء ينطبق على طهران.
القواسم المشتركة والتطلّعات المشرفة. إن ما يجمع صنعاء وطهران من قواسم مشتركة لا يعني بالضرورة التطابق في التوجهات والرؤى، وخصوصاً في ظل وجود المشاريع الذاتية المرتبطة بالخصوصية النابعة من عوامل تاريخية وثقافية واجتماعية وبيئية رغم ذلك، يختزل أصحاب المصالح والسذّج علاقات صنعاء وطهران في البُعد المذهبي، متجاهلين عوامل حيوية أخرى كسبب للتقارب، من مثل العدو الإسرائيلي ومركزية القضية الفلسطينية والتهديدات الخارجية، إضافة إلى المصالح والتطلعات المشتركة، كما أن من الطبيعي أن تتقارب الشعوب والدول الحرة وتتعاون في ما بينها.
لعل أحد أهم القواسم المشتركة بين ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014 والثورة الإيرانية في العام 1979 هو الثورة على الظلم والوصاية الخارجية، فقد كان نظام صالح تحت الوصاية الأميركية – السعودية، فيما كان نظام الشاه تحت الوصاية الأميركية، كما يوجد توافق في العديد من الرؤى والأهداف لكلا الثورتين، فقد استلهمت ثورة 21 أيلول/سبتمبر من الثورة الإيرانية فكرها الثوري ضد الظلم والوصاية كنموذج يُحتذى به، فيما مثَّل الصمود الأسطوري الذي يُسطره اليمنيون في وجه تحالف العدوان منذ أكثر من 5 سنوات ثقافة حيّة تختزل في طياتها موروثاً تاريخياً وحضارياً عريقاً لا يزال حاضراً لديهم في الوعي واللاوعي، بل وفي جيناتهم، ما جعلهم محط إعجاب وتقدير إيران ومحور المقاومة وكل الأحرار في العالم.

وقد لخص سيّد الأحرار ورجُل الحرب السيد حسن نصر الله ذلك الإعجاب، مخاطباً اليمنيين: "يا ليتني أستطيع أن أكون معكم تحت راية قائدكم العزيز والشجاع”.

إنَّ من يمتلك مشروعه الذاتي لا يقبل بأن يكون مشروعاً لغيره. هذا هو حال صنعاء وثورة 21 أيلول/سبتمبر التي قامت رفضاً للهيمنة والوصاية، ومن أجل استعادة الهوية، من خلال استنهاض المبادئ والقيم والتاريخ المشرف. وما يُثبت مصداقية هذا التوجه الثوري واستقلاليته هو تنامي الالتفاف الشعبي حول أهداف هذه الثورة التي شُنّ عليها عدوان دولي تحالفت فيه أكثر من 15 دولة، فكانت التضحيات الجليلة ودماء الشهداء الزكية تحصيناً للثورة ومشروعها، ومنعاً للاستحواذ، ورفضاً مطلقاً لأن يكون اليمن مشروعاً لدولة أخرى.

مستقبل العلاقات الثنائية

تملك القيادة الإيرانية رؤيةً وقراءةً جيدةً لمستقبل المنطقة وما سيطرأ عليها من متغيرات يكون اليمن فيها قوة إقليمية صاعدة، فما يشهدهُ من تغييرات بُنيوية تستند إلى مشروع وطني للنهوض وإعادة الاعتبار لليمن، سيُحدث تحولاً كبيراً في الجغرافيا السياسية للمنطقة وسلوك اللاعبين الإقليميين والدوليين.

كما أنّ الأهمية الجيوسياسية لليمن وسيادته على مضيق باب المندب، تجعله متحكماً بحركة الملاحة والتجارة الدولية في المضيق، إضافةً إلى ما يمتلكه من ثروات طبيعية هائلة ومكانة حضارية وتاريخية تُشكّل عوامل جذب تجعله محط اهتمام إقليمي ودولي. وبالمثل، إنّ إيران دولة إقليمية كُبرى ذات أهمية جيوسياسية، فتحكّمها بمضيق هرمز الاستراتيجي يُشكل مع مضيق باب المندب كمّاشة ردع قادرة على كسر أذرع القوى المتحالفة ضد محور المقاومة.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يأتي تعامل إيران مع الدولة اليمنية وشرعيتها في صنعاء. وتمثل إعادة تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وعودة سفير طهران إلى صنعاء، رغم استمرار العدوان، رسالة واضحة تُترجم مواقف إيران المعلنة، وتعكس جدّية التوجّه نحو تطوير العلاقات.

كما يُمثل ذلك انتصاراً سياسياً للطرفين، ويعدّ أيضاً سبقاً إيرانياً نحو كسر طوق العزلة السياسية والدبلوماسية المفروض على صنعاء. وبذلك، تكون العلاقات الثنائية التي تتخذ مساراً علنياً عبر السفارات والزيارات المتبادلة وتوقيع الاتفاقيات علاقات تتَّسم بالتكافؤ والندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفقاً للقانون الدولي. وعلى المنوال نفسه، تدعو صنعاء إلى عودة العلاقات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة.
يُفنّد ما سبق الادعاءات بالتدخل الإيراني في اليمن. ويخطئ من يظنّ أنّ التوظيف والاستثمار للعلاقات الثنائية يُعد تدخلاً، فمن منظور سياسي، وفي إطار المصالح الوطنية واستراتيجية الربح للأطراف المعنية "Win-Win Strategy”، من الطبيعي أن يكون هناك استثمار وتوظيف للعلاقات بين صنعاء وطهران بما يخدم مصالح الطرفين ومصالح محور المقاومة، وإن بدرجات متفاوتة، في إطار سقف يستحيل معه أن تتّخذ العلاقات الثنائية شكل التبعية.
ولا يمنع في إطار المصالح الاستراتيجية لمحور المقاومة وأمنه الجماعي تبادُل لعب الأدوار، فطهران تُجيد لعبة الشطرنج الدبلوماسية وبناء التحالفات، وصنعاء لها من الحكمة اليمانية وسام، ومن القوة والبَأْس ما يقلب المعادلات على الطغاة، وكلا الطرفين له مراس في معركة النفس الطويل، وبذلك تتكامل الأدوار.
ختاماً، سيظلّ المأجورون ومن خسروا مصالحهم يصوّرون العلاقات بين صنعاء وطهران على أنها علاقات نفوذ وتبعية، فيما يبقى تنامي مستقبل العلاقات بين البلدين ودحض تشكيك الغرب ومخاوف الأعراب، مرهونَين بتعزيز عوامل الثقة والتحالف، إضافةً إلى استمرار توافر عوامل التكافؤ لهذه العلاقات، ليبقى توصيفها الدقيق مُجسداً لواقعها، بأنها علاقة "تحالف استراتيجي” ينطلق من المصالح المشتركة كمُحدد رئيسي للتحوّل من التقارب إلى التحالف.