الحكومة الجديدة والأسئلة المحرجة
محمد أ. الحسيني
أثبتت التجربة والوقائع أن أي حكومة تشكّل في لبنان لا بد أن تكون مرسومة بالألوان الرئيسية للطيف السياسي ـ الطائفي الفاعل في هذا البلد، وهذا لا يعني بالضرورة تهميش باقي الألوان الأخرى، ولكنّ ماهيّة لبنان في موقعه الجيوسياسي ومحوريته في الملفات الإقليمية والدولية تدفع باتجاه عدم إغفال هذا الشرط، سواء على مستوى ضمان التوازن الداخلي بما يكفل استقرار منظومة الحكم، أو على مستوى تشكيل واتخاذ القرارات المصيرية، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسّة التي يمرّ بها لبنان وسط التحدّيات الكبرى والوجودية.
سايكس ـ بيكو وصندوق النقد
سبق أن أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خشيته من مغبة أن يكون لبنان في موقع المتلقي وسط التغيّرات الكبيرة التي تنتظر لبنان والمنطقة، ولاقاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بتحذيره مما يخطّط، بحيث قد نصل إلى مرحلة "نترحم فيها على سايكس- بيكو قياساً مع ما يخطط للمنطقة من سيناريوهات تقسيمية". وعليه فإن المرحلة تحتّم العمل لتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديّات الداخلية، وعلى رأسها إصلاح النظام المالي والإداري برمّته للنهوض بالاقتصاد اللبناني واستعادة التماسك السياسي والاجتماعي. ويشكّل النجاح في هذا الأمر مقدّمة طبيعية لمواجهة التحدّيات الخارجية التي حذّر منها الرئيسان عون وبري، دون الاستمرار بالغرق في مستنقع المديونية التي ترهق كاهل الوطن والمواطن.
ثمة أفرقاء في الداخل يؤكدون أن لا حلّ للمعضلة اللبنانية إلا باللجوء إلى صندوق النقد الدولي كخشبة خلاص، وفق ما نُقل أيضاً عن نائب وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الذي صرّح مؤخراً بأن "لا عمل إلا في إطار صندوق النقد الدولي". ويبرّر هؤلاء بأن إصلاح النظام الاقتصادي في لبنان يحتاج إلى معالجات سريعة، ودونه عقبات كثيرة تستهلك الكثير من الوقت والجهد بما لا يتحمّله البلد، ويدعون إلى الاستفادة من الغطاء الاميركي ـ الدولي الذي يحظى به الرئيس المكلّف سعد الحريري واستثماره باتجاه معالجة الأزمة وتذليل العقبات أمام عجلة تشكيل الحكومة والانطلاق في مسار إعادة لبنان إلى سكّة الاستقرار.
أسئلة ضرورية تحتاج إلى أجوبة
وفي المقابل ثمة من يطرح علامات استفهام كبيرة حول ما بعد اعتماد هذا الخيار، هل المطلوب حلّ سريع لإعادة الهواء إلى الرئتين في الوقت الذي يزيد فيه الحمل على الأكتاف بما تنوء به الظهور؟! وما هي الضمانات من عدم تكبيل لبنان بقيود مالية جديدة لمقايضتها في مرحلة لاحقة وبثمن أكبر يدفعه البلد اقتصادياً وسياسياً؟! وهل سيكون هذا الخيار منفصلاً عن سياسة الضغوط الاميركية التي تتخّذ شكل عقوبات وقرارات جائرة بحق شخصيات ومؤسسات في لبنان؟! وهل مصلحة البلد تكمن في الرضوخ لسياسة عصا العقوبات وجزرة القروض الخارجية وصولاً إلى إفلاسه وتحويله إلى كيان مرتهن للقرار الدولي؟!
هذه الأسئلة الضرورية تحتاج إلى أجوبة حاسمة وأفعال، وهذا لا يتحقّق إلاّ بإخراج لبنان من النفق الذي أدخلته فيه الإدارة الاميركية، ويحتاج ذلك إلى تكريس مجموعة قواعد حاكمة أوّلها عدم التأثر بالضغوط الرامية لإسقاط لبنان وإجباره على اللحاق بركب التطبيع مع "إسرائيل"، مع ما يستتبع ذلك من حشر لبنان في زاوية التخلّي عن مقدّراته الطبيعية ومقوّمات نهوضه، وفي مقدّمتها النفط وتحويل خط التجارة البحرية من بيروت إلى "تل أبيب".
لبنان لن يكون محمّية اميركية ـ إسرائيلية
ولا بد في هذا السياق من الالتفات إلى السياسات والإجراءات التي يقوم بها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بصوت خافت يطغى عليه ضجيج الفوضى السياسية، وهي إجراءات تسهم في تعميق الأزمة المالية التي تعصف بلبنان بدل أن تقدّم حلولاً، بل تمعن في ضرب الاقتصاد اللبناني لتجعل من الهمّ المعيشي أزمة أفراد كما هي أزمة مؤسسات رسمية أو خاصة، وهو ما يعزّز نزعة الخوف عند الناس من قدرة البقاء وعدم إمكانية تأمين لقمة العيش، وهذا ما سيؤدي طردياً إلى تكوين حالة رفض عارمة تقود إلى انفجار شعبي ينتهي إلى فتح البلد على احتمالات سلبية متعدّدة الاتجاهات، ليصبح بالتالي جاهزاً لتلقّف أي طرح حتى لو كان ثمنه الاستسلام والانضمام إلى الحظيرة العربية المنبطحة أمام "إسرائيل"، وبالتالي فإن أي خطوة من شأنها أن تقود إلى هذا الواقع لن يُكتب لها الخروج إلى حيّز التطبيق لأنها تعني باختصار زوال لبنان كدولة وكيان وتحويله إلى محميّة اميركية ـ إسرائيلية.