الانقسام العسكري والقبلي في ليبيا
روعة قاسم
لم تعرف ليبيا في تاريخها الحديث مؤسسة عسكرية بمفهومها وهرمها التدريجي العسكري المعروف في الأكاديميات العسكرية. فبعد حرب تشاد تم تفكيك المؤسسة العسكرية عبر إحالة العديد من الضباط وضباط الصف إلى التقاعد أو للحياة المدنية. وتأسس ما عُرف بــاسم " اللجنة العامة المؤقتة للدفاع” وظلت بهذا الاسم وبرئاسة الفريق أبو بكر يونس جابر أكثر من 34 سنة ـ لجنة مؤقتة ـ حتى سقوط نظام القذافي. وأوكلت اليها مهمة تدريب الشباب عند بلوغهم السن القانونية، أو بعد تخرجهم وذلك لتأدية الخدمة الوطنية ولتطبيق المقولة الواردة بالكتاب الأخضر "الشعب المسلح غير قابل للهزيمة”.
ويوضح الباحث والناشط السياسي الليبي الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الانسان عبد المنعم الحر لـ "العهد الإخباري”، أن هناك وحدات عسكرية أخرى تشكلت آنذاك عُرفت بــوحدات المقاومة الشعبية وضمت في صفوفها كبار السن ومن لم يلتحقوا بالخدمة الوطنية ثم تغير اسمها إلى ما يعرف بالتجييش وكلف الرائد الخويلدي الحميدي "رفيق للقذافي " برئاستها، وتغيرت تسميتها إلى قيادة تجييش المدن.
وتم في نفس الفترة تشكيل كتائب أمنية كانت تبث الرعب في صفوف المواطنين وكانت تحمل غالبا أسماء " أبناء أو رفقاء أو أبناء عمومة القذافي " مثل كتيبة خميس (نسبة لابن القذافي) أو كتيبة المعتصم (نسبة لابن القذافي) أو جحفل أبو منيار القذافي نسبة لجد معمر القذافي، أو اللواء 32 معزز برئاسة ابن عم القذافي... وهذه الكتائب السالفة الذكر هي على سبيل المثال لا الحصر.
اعتمد القذافي على هذه الكتائب في التصدي للمظاهرات السلمية في بداية الحراك الشعبي ثم أصبحت جزءا من القتال الدائر في مرحلة "التحرير” وقد تم تشكيل فيلق أثناء الثورة عرف باسم فيلق المتطوعين كانت مهمته دعم تلك الكتائب.
ويوضح عبد المنعم الحر انه أثناء "الثورة” قام اللواء عبد الفتاح يونس وزير داخلية نظام القذافي المنشق بمحاولة لبناء جيش وطني باعتباره كان يعتبر الأب الروحي للقوات الخاصة " الصاعقة " ، وكان موجودا ببنغازي المحررة وقتها... ولكن وفي ظروف غامضة قتل اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي وفشلت النواة الأولى لبناء الجيش الليبي خلال فترة المجلس الوطني الانتقالي.
وفي فترة المؤتمر الوطني كان الصراع واضحا داخل أروقته من خلال سعي الأطراف السياسية بالمؤتمر الى السيطرة على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، حيث كان تقسيم وزارة الدفاع واضحا من خلال المناصب والتدرج الهرمي العسكري بالوزارة. فكان منصب وزير الدفاع يعطى لتيار سياسي ويكون رئيس الأركان للتيار السياسي الآخر. ومن هنا أصبح كل تيار سياسي بالمؤتمر يعمل على تكوين أجنحة عسكرية له مدعومة بشرعية من وزارة الدفاع أو من رئاسة الأركان، وهذه الكتائب أو الألوية تشكلت إما على الأيدلوجيات أو المناطقية والقبلية. وهنا كانت الإشكالية الثانية لبناء المؤسسة العسكرية التي تحمل الولاء للوطن.
وبحسب الحر فان التيارات الإسلامية بالمؤتمر كونت ما يعرف بــ”درع ليبيا”وقسمت ليبيا إلى ثلاثة مناطق عسكرية وهي درع المنطقة الشرقية ودرع المنطقة الغربية ودرع المنطقة الوسطى. ويوجد بهذه الدروع أغلب " قادة الثوار” بميادين القتال أثناء فترة التحرير.
اما التيار الليبرالي بالمؤتمر فكون ما يعرف بلواء حرس الحدود والمرافق الحيوية، وكتيبة الصواعق وكتيبة القعقاع وكتيبة المدني. وهذه الكتائب ضمت قادة الثوار وأيضا فتحت أبوابها لبقايا الكتائب الأمنية التابعة لنظام القذافي.
وأصبح التيار السياسي الإسلامي يدعم أجنحته العسكرية بالمال والعدة والعتاد من خلال رئاسة الأركان، وهذا أيضا ما حصل مع التيار الليبرالي فقد عمل على دعم أجنحته العسكرية بالمال والعدة والعتاد، وذلك من خلال وزير الدفاع... وفي كثير من الأحيان كان الدعم السياسي لتلك الأجنحة العسكرية وعملية شرعنتها تتم من خلال الحيل القانونية أو بتجاوز القانون العسكري وبرتوكولاته.
بعد انتخاب البرلمان، وفوز التيار الليبرالي بأغلبية المقاعد، تحول ذلك الصراع الكلاسيكي بين السياسيين السابقين بالمؤتمر إلى نزاع دموي بين أبناء الشعب.
ويشير الباحث الليبي الى أن هناك عمليات قتل وخطف تمت للمئات من العسكريين والحقوقيين والإعلاميين، وغالبا ما كانت أصابع الاتهام توجه إلى تيار إسلامي متشدد فكريا يُعرف " بالتيار التكفيري”. ومن هذه العمليات أخذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر منطلقاً له وأعلن عملية الكرامة لتحرير بنغازي من سيطرة تلك التيارات المتشددة التي لا تؤمن بقيام الدولة القطرية بمفهومها الحالي.
وجد حفتر التضامن من قبائل ليبية ومن بعض مؤسسات المجتمع المدني، والتقت المصلحة السياسية لرئيس الحكومة ووزير الدفاع في "حكومة البرلمان” الليبي الذي أعلن دعمه وتأييده لعملية الكرامة. وبذلك انضمت الأجنحة العسكرية بالمنطقة الغربية السالفة الذكر للتيار الليبرالي تحت مظلة اللواء خليفة حفتر، متضامنة مع قوات تم تشكيلها من أبناء القبائل - أطلق عليها اسم جيوش القبائل الليبية، وهي قريبة من حيث تركيبتها من "صحوات العراق” - المؤيدة للتيار الليبرالي وأصبح النزاع بينها وبين قوات فجر ليبيا بالغرب الليبي المدعومة من المؤتمر الوطني العام.
تتلقى القوات التابعة للواء المتقاعد حفتر الدعم اللوجستي والمعلوماتي من مصر والإمارات والسعودية في حين تتلقى قوات فجر ليبيا -التي سحبت منها الشرعية من قبل البرلمان - من قطر وتركيا والسودان. وقوات فجر ليبيا حتى الآن هي القوة المسيطرة فعليا على أكثر المناطق الليبية، وهي أيضا الأكثر سيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية.
ويقول عبد المنعم الحر عضو التحالف الدولي للحد من انتشار الأسلحة بالشرق الاوسط وشمال إفريقيا، ان هناك مبادرة لمعالجة القصور في تكوين الجيش الليبي وللعزوف به بعيداً عن دهاليز السياسية. اذ يتم تكوين مجلس أعلى لرئاسة الأركان يضم كافة أركان الجيش المعترف بها – الأركان البرية والجوية والبحرية – وتكون رئاسة هذا المجلس لأقدمية الرتبة العسكرية، وقرارات المجلس تؤخذ بالأغلبية مع مراعاة التدرج الوظيفي، وذلك لضمان عدم تحول المؤسسة العسكرية لخدمة جناح عسكري لأحد التيارات السياسية.