kayhan.ir

رمز الخبر: 121219
تأريخ النشر : 2020October25 - 20:07

التطبيع السوداني الاسرائيلي: الصفعة الثانية لمصر!

إيهاب شوقي

في صفعة ثانية لمصر ومصالحها، قامت السودان بتطبيع العلاقات مع العدو الاسرائيلي، في خطوة تشكل خدمة انتخابية لدونالد ترامب وبنيامين نتنياهو من جهة، ومصلحة سودانية وقتية رخيصة تتمثل في قبول دولي ورفع من قائمة الارهاب، وانضمام خالص للمعسكر الصهيو ـ اميركي الذي يشكل املا للتابعين وراحة للمفرطين من عناء النضال والمقاومة، ممن فقدوا حميتهم وطاقتهم وقدرتهم على النضال او حتى دفع ثمن كرامتهم واحتفاظهم بالثوابت.

وهذه الصفعة الثانية جاءت بعد صفعة التطبيع الاماراتي المبرم، والخليجي عامة المرتقب، رغم ما اعلنته مصر الرسمية من ترحيب بالخطوتين!

وهنا يمكننا التفرقة بين مفهومين، الاول مفهوم الطعنة في الظهر، وهو ما يسري على الحالة الفلسطينية، حيث الغدر والخيانة للقضية والتخلي عنها واستبدال المقاومة والمواجهة بالتفريط والمحبة والوئام مع العدو، والقطيعة مع الفلسطينيين والضغط عليهم للتنازل والتفريط، وهو وضع غير مسبوق منذ النكبة، بل ومنذ نشأة الحركة الصهيونية.

اما، في حالة مصر، فهي صفعة لمسار كامل من التحالفات المتناقضة مع مصر ودورها، وصفعة لتمحور مصر بشكل لا يليق بدورها، وارتضائها بدور تابع، بعد ان اثبتت الحوادث التاريخية انها جديرة بمقارعة القوى الكبرى، وبقيادة امتها بقوة ناعمة ترتضيها الامة، لا عبر شراء الذمم والنفوذ والتآمر والتخريب كما يفعل القادة الخليجيون الراهنون، والذين ارتقوا للقيادة بعد تنازل مصر عنها بشكل طوعي مؤسف.

هاتان الصفعتان، تمثلتا في قناة السويس، وسد النهضة، وهما ملفان في غاية الحساسية للامن القومي المصري، ويمكننا تلخيص الصفعتين كما يلي:

اولا: التطبيع الخليجي وصفعة قناة السويس:

من جملة ما اسفر عنه الاتفاق الاماراتي الصهيوني، توقيع شركة خط أنابيب أوروبا آسيا "EAPC" الإسرائيلية، مذكرة تفاهم مع شركة "ميد ريد لاند بريدج"، ومقرها أبوظبي، من أجل توريد النفط الإماراتي إلى أوروبا عبر استخدام خط أنابيب "إيلات ـ عسقلان" الواصل بين البحرين الأحمر والمتوسط.

وتخطط الشركتان لإنشاء جسر بري لنقل النفط يوفر الوقت والوقود مقارنة بالنقل عبر قناة السويس، وهو ما يؤثر على إيرادات القناة، وهو ما يتيح نقل النفط المنتج في الخليج الفارسي للمستهلكين في أوروبا، وأيضًا النفط المنتج في البحر المتوسط والبحر الأسود إلى مناطق الشرق الأقصى.

وكما أشارت بعض الصحف الإسرائيلية، فإن هناك خيارين لنقل النفط بين الإمارات وميناء إيلات وهما إما استخدام ناقلات للنفط عبر البحر الأحمر، أو عبر إنشاء خط أنابيب يمتد داخل الأراضي السعودية، وهو الأمر الذي يتوقف على موافقة السعودية أيضًا.

وبحسب الاعلام الاسرائيلي: "سيساعد تصدير النفط إلى أوروبا عبر خط أنابيب بري يربط إسرائيل والدول الخليجية، على تجاوز الطرق الملاحية الخطيرة والمكلفة لمضيق هرمز وقناة السويس".

وكما تفيد التقارير، ليس فقط خط الأنابيب المقترح، سيكون عقبة أمام زيادة وهج قناة السويس تجاريا، بل وقعت "موانئ دبي العالمية"، عدداً من مذكرات التفاهم مع شركة "دوڤرتاوار" الإسرائيلية، بشأن تعزيز الحركة التجارية في المنطقة.

ويعني ذلك أن بديل قناة السويس المصرية سيكون متوفرا على بعد كيلومترات قليلة باتجاه الشمال الشرقي، في غضون سنوات قليلة، حال استمرار سيناريو العلاقات الصاعدة بين "إسرائيل" ودول خليجية.

ثانيا: التطبيع السوداني وصفعة سد النهضة:

بعد سنوات من المفاوضات، ثبت ان هناك نوع من العبث السياسي والاستعلاء الاثيوبي غير المبرر، وغير المستند على فائض للقوة، وثبت ان المسار السياسي يفضي الى طرق مسدودة، ومما زاد الطيب بلة، ان الموقف السوداني ظل غامضا ومريبا.

فبينما كان من المفترض ان يكون الموقف السوداني متطابقا مع مصر ومتحالفا معها باعتبار ان هناك تهديدا لحصة الدولتين، بدا موقفا مائعا ووسيطا تارة، ومنحازا عمليا لاثيوبيا تارة اخرى، رغم ان التصريحات السودانية حاولت الايحاء بغير ذلك.

هنا يمكننا بأثر رجعي العودة لتصريحات وزير الخارجية السوداني السابق إبراهيم غندور والتي نقلها موقع "سودان تريبيون" يوم (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) بأن مصر تتخوف من سد النهضة الإثيوبي لأنه "سيمكِّن السودان من استخدام كامل حصته في مياه نهر النيل التي كانت تمضي لمصر على سبيل "الدين" منذ عام 1959 ". ونقل عنه الموقع القول في مقابلة تلفزيونية إن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق يحقق للسودان مصالحه، "لذا يقف السودان مع مصالحه".

وعزا غندور تخوفات مصر من السد إلى خسارتها نصيب السودان الذي كان يذهب إليها خارج اتفاقية مياه النيل كسلفة.

وهذا يفسر ما قاله الرئيس الاميركي دونالد ترامب، عقب الاعلان عن التطبيع السوداني الصهيوني، من أنه أبلغ مصر بضرورة التوصل لحل ودي بشأن الخلاف على سد النهضة الإثيوبي.

وقد أفادت وكالة "رويترز" بأن رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك أعرب لترامب في اتصال هاتفي عن رغبته في التوصل لحل ودي للخلاف بشأن السد مع إثيوبيا.

وبالعودة لتصريحات غندور الكاشفة، وحول إمكانية استغلال الخرطوم والقاهرة للمياه في مشروعات مشتركة، قال غندور إن "السودان عرض لسنوات طويلة جدا مشروعات ضخمة لزراعة القمح في شمال السودان لكن مصر لم تستجب".

هنا يمكننا دون لي لعنق الحقائق ان نستنتج ان المشروعات المشتركة بين مصر والسودان ستتحول لمشروعات مشتركة بين السودان والعدو الاسرائيلي استغلالا للحصة التي ستسترجعها السودان من مصر، وخاصة ان الاتفاق السواني الاسرائيلي وفقا لما تم اعلانه، سيتركز على الزراعة قبل المجالات الاخرى!

الخلاصة هي ان السودان واثيوبيا والعدو الاسرائيلي، على اعتاب مشروعات مشتركة يتم بها استغلال فائض المياه المنتقصة من حصة مصر، وان السودان طلب من اميركا ان تقنع مصر بالصمت، وهنا يطالب ترامب مصر علنا بالاستسلام والقبول بالامر الواقع، في صيغة لطيفة عنوانها "الحل الودي"!