منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بين الحقيقة والتضليل سورية نموذجاً
منظمة حظر الأسلحة الكيمائية، هي منظمة دولية يقع مقرّها في مدينة لاهاي الهولندية، وهي تسهر على تنفيذ وتطبيق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تُطبق من قبل الأعضاء الموقعين والمصادقين عليها.
والمفارقة أنه وبالرغم من أنّ جُلّ قرارات هذه المنظمة مُسيّسة وتتبع الأهواء الأميركية منهجاً لتقاريرها، إلا أنه تمّ منح جائزة نوبل للسلام لسنة 2013 لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، «لجهودها واسعة النطاق للقضاء على الأسلحة الكيميائية».
تطورات كثيرة على مستوى العالم تؤكد أنّ هذه المنظمة دأبت تنتهج انحيازاً لقرارات الدول التي تُشكل جزءاً هاماً منها، وذلك وفق ارتباطات خاصة بأجندات تقتضيها التطورات الطارئة في المنطقة، ولعلّ الحروب الإرهابية في المنطقة العربية وتحديداً في العراق وسورية، شكّلت مسرحاً غنياً للبدء بتحركات بعض ممثلي هذه المنظمة.
ففي 2003 بدأت المنظمة عملها في العراق تحت ذريعة امتلاكه لسلاح الدمار الشامل، وكان غزو العراق تحت رعايتها، بعد أنّ تمّ إبعاد الدبلوماسي البرازيلي جوزي بوستاني، وهو أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن فترة ولايته انتهت بطريقة مثيرة للجدل في آذار 2002، وذلك بعد اقتراح تقدّمت به واشنطن ووافقت عليه 48 دولة في المنظمة، وتمّت إقالته لأمور تتعلق بسوء الإدارة والاستقطاب والسلوك الصدامي، وتمّ العمل على فرض الإقالة نتيجة جهوده من أجل توقيع العراق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وخضوعه لعمليات تفتيش دولية قبل الغزو الأميركي، مما أثار خلافاً حاداً بين بوستاني وجورج بوش الابن آنذاك.
أما في سورية وخلال سنوات الحرب الإرهابية، فقد ظهرت مسألة استخدام الكيماوي كبند إضافي للنيل من الدولة السورية، عبر ذريعة استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً ضدّ المدنيين، وخلال الحرب مع المجموعات الإرهابية، كما حدث في دوما، وما يحدث حالياً في إدلب، على الرغم من جُملة التقارير التي تؤكد عزّم المجموعات الإرهابية، استخدام السلاح الكيميائي وفق مسرحية أميركية وسيناريو غربي، بُغية توجيه الاتهام للدولة السورية، وتوظيف هذا الاتهام في الاستثمار السياسي لملفي إدلب والجزيرة السورية.
ولم تكتف الدول المنخرطة في الحرب الإرهابية على سورية باستخدام ملف الكيماوي، بل كوّنت لذلك منظمة الخوذ البيضاء، والتي أكدت التقارير الصادرة عن عدة دول ومنها سورية، أنّ هذه المنظمة تضمّ جماعات من الإرهابيين الذين يقومون بتمثيل أدوار مسرحية على أطفال ومدنيين أبرياء، لتكون تقاريرهم مُساندة لاستمرار الضغط على الدولة السورية.
ورغم تأكيد الدولة السورية خلال جلسات مجلس الأمن بتنفيذ كامل التزاماتها مع المنظمة، إلا أنّ ما أصدره المجلس الأوروبي في 12/10/2020، لجهة تمديد العقوبات المفروضة على سورية لمدة عام إضافي، على بعض المؤسسات والأفراد السوريين، بذريعة تطوير واستخدام الاسلحة الكيميائية، يؤكد على مدى انحياز هذه المنظمة إلى قرارات الدول المعنية بانهيار سورية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وهو ينخرط ضمن الحملة المعادية لسورية.
هذا الأمر أكده مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، عند قراءته لتقرير يفضح المؤامرة الأميركية التي أدّت إلى إقالة بوستاني، والذي أشار إلى أنّ التحقيقات الخاصة باستخدام الكيميائي أصبحت تحدياً كبيراً لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مشككاً بحياديتها ومهنيتها بسبب الضغوط التي تُمارسها بعض الدول على المنظمة، والتي شكّلت نتائج كارثية رهيبة على العراق وسورية.
ختاماً، بات واضحاً أنّ الحرب المفروضة على سورية تتخذ مناحي جديدة، بُغية تعقيد مسار الحلول، وإطالة أمد الحرب، والإمعان بإغراق الشعب السوري بالأزمات، فقد شكّلت مثل هذه الملفات وتحديداً حيال الأسلحة الكيماوية، بوابة جديدة من بوابات الإرهاب الأميركي ضدّ سورية، على الرغم من أنّ الدولة السورية قد دمّرت وبإشراف أممي المخزون الكيمائي لديها، وبالتالي فإنّ مثل هذه الممارسات الأميركية لا يُمكن أنّ تندرج إلا في إطار الإرهاب الدولي، والضغط على الدولة السورية. كلّ ذلك وفق شعارات ظاهرها انسانيّ، ومضمونها إرهابيّ.
البناء