آل خليفة بين الغزو والخيانة
أبو منذر البحراني
منذ أن وطأت أقدام الغزاة الخليفيين أرضنا واستباحت حرماتها، وصراع شعبنا مستمر معهم، وقد تجلى هذا الصراع عبر محطات تاريخية مختلفة أخذت فيه أشكالا وأنماطا مختلفة وحضورا شعبيا ونخبويا متفاوتا، تنوعت عناوينه لكنه بقي في إطار عدم التجانس والرفض لجسم غريب تسلل لبلدنا تحت عنوان "الفتح”.
طوال فترة الصراع والرفض الممتد منذ سنوات الغزو الأولى 1873م استعان كلا طرفي (الرفض والغزو) بعناصر قوة تعزز رفضه وفي المقلب الآخر تعزز غزوه، فقد لجأ الغازي الخليفي لعدة عناصر محاولاً فرض نفسه على شعبنا، منها الاستعانة بالقوى الأجنبية أكانت إقليمية أو دولية، والحركة الوهابية والاستعمار البريطاني كانت إحدى تلك النماذج التاريخية وصولا لقبيلة آل سعود والاميركي في وقتنا الحالي، وعلى صعيد عناصر الرفض فقد كان للمرتزقة حضور تاريخي متجدد ومن نماذجه "قبائل الأعراب” و”الفداوية” وصولا لأصناف متعددة من أراذل المرتزقة حاليا.
أما طرف الفرض والأرض فكانت له عناصره التاريخية المتجذرة، ومنها حضوره الشعبي الكمي المتفوق، فمع دخول الغازي لأرضنا ظل حضوره الكمي محدودا في إطار "قبائل الأعراب” وبعض المرتزقة حتى مطلع التسعينيات مع جريمة تغيير التركيبة السكانية وصولا لافتضاح هذه الجريمة عبر تقرير "البندر”، محاولاً عبر هذا الإجراء كسر أحد عناصر تفوق أهل الأرض والذين ظل لهم التفوق على مستوى هذا العنصر وعناصر أخرى مثل الحق التاريخي في الأرض تدعمه الشرعية التاريخية والإنسانية، فالحق لا يسقط بالتقادم وإن تمت محاولة تزوير التاريخ أو فرض أغراب على أهل الأرض وتمكينهم وتسليطهم، فقضية أهل الأرض في أوال سبقت نماذج تاريخية مشابهة ومنها القضية الفلسطينية .. ويستمر الصراع بين أهل الأرض والفرض وصولا للانتصار الحتمي الذي تعززه السنن والنماذج التاريخية المختلفة.
يحدثنا التاريخ عن القرون الماضية أن توسع الاستعمار البريطاني في البلدان واحتلال شعوبها قد أخذ أشكالا ودوافع مختلفة وبأدوات متعددة وقد استعملت بريطانيا في توسعها شركة تجارية تحت اسم شركة الهند الشرقية منذ عام 1600م كواجهة لخلق وجودها تحت اسم لطيف ومقبول ليجنبوا أنفسهم سخط الشعوب في شكل تجارة للبهارات.
وسرعان ما أصبحت ذراعا قوية لبريطانيا في قارة آسيا والحاكم الفعلي للاستعمار ولذا كانت الهند لدى بريطانيا موطأ قدم للتوسع الخارجي وكانت تمثل الشركة رمزا للقمع والإهانة وعاملا قويا في تركيع الهند كما هي تجربة الأستعمار البرتغالي ،وقد كانت الشركة تساهم في رصد وتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانت الشركة تستلم توجيهاتها من قبل ملكة بريطانيا مباشرة وقد خولتها الملكة باستثمار واحتكار الشرق حتى توسعت إداريا واقتصاديا في مجالات مختلفة.
وبعدما تمكنت الشركة بخبث في رفع فرص استعمارها أكبر وكان طمعها وعينها على منطقة الخليج الفارسي حتى تأسست طرق التجارة والاتفاقيات المتبادلة بين الأنكليز والفرس في تبادل السلع وقد اعطى شاهنشاه إيران حق المتاجرة معهم وتدفقت السفن البريطانية إلى الموانىء الفارسية حتى تطورت علاقة الشركة بالشاه إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الفرس ،ذلك يعني أن الشركة كانت تقوم بدور سياسي وليس تجاري فقط مما ولد علاقة سياسية مع بريطانيا ووقوف بريطانيا عسكريا مع الشاه ضد الاستعمار البرتغالي وكان ذلك مبررا لدخول بريطانيا في الخليج الفارسي في مقابل البرتغاليين الذين هم أول نذر الشر في الخليج الفارسي والعالم الإسلامي ،وقد فرضوا سيطرتهم بقوة النار والحديد وبوحشية مع الدول الخليجية إلى درجة أن القبائل انكفأت على أنفسها في الداخل وابتعدت عن الخليج الفارسي بسبب إرهاب البرتغاليين في استخدام سلاحهم الفتاك في مقابل أسلحة القبائل التقليدية.
ومع وصول شركة الهند الشرقية تحالفت مع الشاه عباس الذي كانت توجهاته ضد البرتغال وكانت الأخيرة في حالة ضعف بسبب توسعها الكبير وتغلب قوى أخرى عليها ،وبعد سقوط البرتغاليين في مناطق من الخليج الفارسي وخروجهم منه أسس البريطانيين مع القبائل إلى تحول كبير في التجارة وسرعان ما تغيرت سياسة الشركة المدعومة من بريطانيا تحت قاعدة العلاقات الأقتصادية فسمحت للقبائل بالعمل في الدول الخليجية وإذا حصل اختلاف بينهم أثناء العمل فرضت الشركة عليهم قانون محاربة القرصنة والعبودية وصياغة الاتفاقيات ،حتى رسمت للقبائل حدوداً للعمل ومناطق محايدة أسستها كوسيلة للفتن بين القبائل واشعالاً للمعارك والخلافات في سياسة خبيثة وغادرة من قبل البريطانيين ضد القبائل حتى وصلت الأمور إلى احتلال سواحل الخليج الفارسي وتحول بعضها الى موانىء للتجارة البريطانية بالكامل ،وكان أول مقر رئيسي للشركة في منطقة البصرة.
ومما يؤكد تنوع الخبث لدى البريطانيين هو استخدامهم لعبة السياحة في فترة وقوع البحرين تحت إدارة الدولة الفارسية بقيادة نادرشاه ،إذ بلغ الحكومة الفارسية أن سياح انجليز وصلوا إلى البحرين قد حلوا ضيوفا على الشيخ نصر طالبين زيارة البحرين والتفرج على آثارها فأذن لهم بذلك فكتب وزير الداخلية التابع للحكومة الفارسية مكتوبا للوالي نصر يلومه ويوبخه على صنيعه وانتهت الردود بينهما أن الأخلاق مع الغزاة لا تنفع وعليك الالتفات الى خبث سياسة البريطانيين.
وبعد ذلك التحول تمكنت بريطانيا في المنطقة وتوسعت تجارتها حتى استمرت الشركة في استخدام القوة بحثاً عن مصالحها التجارية وسيلة لعقد الاتفاقيات و تبادل الحقوق التجارية ،وقد استخدمت الشركة لعبة خبيثة في التحالفات منها تقوية قوى وتضعيف أخرى ،وخير مثال لذلك توفير الإمكانات للوالي العثماني على البصرة للوقوف بوجه الزحف الفارسي ، واستمر التوسع حتى أخذت شركة الهند الشرقية البريطانية تتطور بشكل مرعب متحولة إلى كيان عسكري كبير ،وفي نهاية القرن التاسع عشر وضعت بريطانيا البحرين تحت حمايتها وبحلول الحرب العالمية الاولى شددت قبضتها على البحرين فبدأ الوكلاء السياسيون البريطانيون تنفيذ خطط الاصلاح المزعوم بأساليب خبيثة أيضاً فتارة يتقربون إلى آل خليفة ضد الشعب وأخرى من الشعب ضد آل خليفة وهكذا حتى مكنوا آل خليفة على رقاب البحرينيين في نهاية المطاف.
والى مقال آخر يبين مؤامرة استقلال البحرين من البريطانيين وتمكين آل خليفة من حكم البحرين.