"الشام الجديد" وتفجير الأردن
ناصر قنديل
– للمرة الثانية ينعقد لقاء مصري عراقي أردني تأكيداً على مشروع ثلاثي بعنوان اقتصادي لا يُخفى البعد السياسي وربما الاستراتيجي وراءه، فالمشروع المسمّى بالشام الجديد، لا يملك جواباً على كيفية قيام مشروع يحمل اسم الشام ويستثني الشام من حساباته؟ بل لا يستطيع القيّمون على المشروع إنكار حقيقة أن الثلاثي الجديد يلعب دور العازل بين إيران وسورية، عدا عن كونه يعزل الأردن والعراق عن سورية بينما هي تتوسّطهما معاً، كما لا يمكن لأصحاب المشروع إنكار ما قاله الأميركيون عن أبوتهم للمشروع بالتوازي مع أبوتهم للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، حيث يكمّل أحد المشروعين الآخر، ويضمن نجاحه.
– العائد الاقتصادي للمشروع غير منفصل عن وظيفته السياسية، فالكهرباء المصرية للعراق هي من جهة تعويض لمصر عن خسائر قناة السويس الناتجة عن التطبيع الخليجي الإسرائيلي، ومن جهة مقابلة تأمين بديل كهربائي للعراق عن المصدر الإيراني، كما تبادل النفط العراقي والغاز المصري عبر الأردن فك للعراق عن حاجته للغاز الإيراني، وتأمين موارد إضافيّة بديلة عن خسائر ستحلق بقناة السويس من الاتجاه للاعتماد التجاري للدول الخليجية على موانئ كيان الاحتلال بعد التطبيع، أما العائدات الموعودة للأردن من هذا الربط فهي لتمويل يعوّض على الأردن ما سيُصيبه من خسائر توقف خط الترانزيت الى الخليج الفارسي عبر سورية مقابل لعب دور المعبر الإلزامي للبضائع الواصلة إلى موانئ كيان الاحتلال والمتجهة نحو الخليج الفارسي.
– التطبيع الخليجي الإسرائيلي المؤسس على ركيزة منح كيان الاحتلال دوراً اقتصادياً محورياً في المنطقة، يُعيد تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية لدول المنطقة، ويتم تسويق هذه الخريطة بأسماء جاذبة مثل الشام الجديد، فعلى مصر وفقاً للخريطة الجديدة أن تتلقى خسارة قناة السويس لدورها وتصمت لقاء فتات دور بديل، وعلى العراق الذي يكلف بمهمة فصل سورية عن أيران وتطويق سورية بحصار عراقي أردني، أن يرتضي خسارة مصالحه المشتركة الطبيعيّة مع كل من سورية وإيران، وأن يعرّض تماسكه الداخلي ووحدته واستقراره الأمني للخطر، لكن الأردن سيبقى الساحة الأشد عرضة للضغوط والتأثيرات الناجمة عن هذا المشروع رغم العروض التشجيعيّة التي يتلقاها لقبول الدور.
– الأردن الذي يشكّل خط تقاطع فوالق الأزمات المستجدّة بفعل التوتر العالي لخطَّي إغلاق أبواب الحلول أمام القضيّة الفلسطينية، وفتح الباب الواسع للتطبيع الخليجيّ الإسرائيليّ، يتم ربطه بخط توتر عالٍ ثالث عنوانه فصل سورية عن إيران، وعزل العراق والأردن عن سورية بنية حصارها، ويصير السؤال هل الوضع الدقيق في الأردن يحتمل هذه الضغوط، في ظل حجم حضور القضية الفلسطينية وتأثيرها على الأردن، خصوصاً مع وحدة الموقف الفلسطيني بوجه صفقة القرن، وعجز الأردن عن تحييد نفسه عن هذه التحولات الفلسطينية، وفي ظل حجم التشابك الاجتماعي والسياسي الأردني السوري، وتنامي مناخ شعبيّ أردنيّ يتطلع لتسريع العلاقات الطبيعيّة والتعاونيّة بين سورية والأردن، وفي ظل مطالبات أردنية بإغلاق السفارة الإسرائيلية هل يمكن للأردنيين تحمل مشاهد الشاحنات العابرة من مرفأ حيفا نحو الخليج الفارسي؟
– ما لم يكن مشروع الشام الجديد رباعياً يضمّ سورية، وينفتح عليها، ويرفض الدور المرسوم لتسويق التطبيع على حساب الشعب الفلسطيني والمصالح المصرية، ويرفض لعب دور العزل والحصار بحق سورية، فإن العراق ومصر سيدفعان أثماناً سياسية واقتصادية، من استقرارهما، لكن الأردن سيكون أمام تحديات مصيرية وربما وجودية، تشبه تلك التي دُفع لبنان نحوها عشية كامب ديفيد.