kayhan.ir

رمز الخبر: 120773
تأريخ النشر : 2020October13 - 19:59

هل الثورة مقبلة إلى الولايات المتحدة؟ المقارنة مع روسيا

زياد حافظ

في سلسلة من المقالات والأبحاث المعمّقة أشرنا إلى تعاظم الاحتمال لانهيار داخلي في الولايات المتحدة. تسارع الأحداث في شوارع المدن الأميركية والانفلات الإعلامي في الفضاء السياسي والفوضى في الحوار التصادمي بين مكوّنات المجتمع الأميركي، فكلّ ذلك ينذر بأنّ شيئاً ما سيحدث قريباً. في مقال مثير للباحثة هيلين اندروز على موقع «الأميركان كونسرفاتيف» (الأميركي المحافظ) كتبت في مطلع هذا الشهر أنّ المناخ السائد في الولايات المتحدة يشبه المناخ الروسي سنة 1917. أن يصدر كلام من هذا النوع في الولايات المتحدة أمر لافت للنظر ولكن أن يصدر من موقع محافظ فهو دليل على خطورة الوضع الداخلي.

اعتبرت الباحثة انّ عام 2020 عام التدحرج نحو مناخات 1917 ذلك رغم الإنذارات المتكرّرة منذ الستينات في القرن الماضي والتي شهدت أعمال عنف وتمرّداً من قبل الشباب. لكن تلك الإنذارات لم تترجم إلى عمل يقود إلى الثورة ما جعل النخب ترتاح أن «الثورة» لن تحدث في بلد كالولايات المتحدة. لكن ما يحدث اليوم قد يكون مختلفاً عما حدث في الستينات من حركات احتجاجية لم تؤدّ إلى التغيير المطلوب آنذاك. وتسترسل الباحثة في سرد المناخ القائم في 1917 في روسيا مع ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة. لكن «الثورة» المقبلة قد تكون مختلفة عن الثورات في العالم التي تريد التغيير. فهي «ثورة» تريد تثبيت الأمر الواقع وتقوم بحركة مناهضة لأيّ تغيير!

فحركة المقاومة في الولايات المتحدة (نعم هناك حركة اسمها المقاومة تهدف إلى خلع الرئيس الأميركي) تقول بوضوح إنها لن تقبل إعادة انتخاب ترامب في 2020 كما رفضتها في 2016. فالرئيس الأميركي كان ظاهرة تتمرّد على التوازنات القائمة وبالتالي حاولت تلك «المقاومة» الإطاحة بترامب عبر فضيحة «روسيا غيت» أيّ التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات سنة 2016. ويعتبر الكاتب والأستاذ الجامعي مايكل ريكتنوالد أنّ الجبهة العريضة المعادية لترامب والتي تسعى الإطاحة به بأيّ وسيلة ممكنة مؤلّفة من ماكينة الحزب الديمقراطي، الديمقراطيين الأوفياء، المعادين لترامب من داخل الحزب الجمهوري تحت يافطة «أبداً لا لترامب» منهم من المحافظين الجدد كـ وليام كريستول ودوغلاس فيث، والدولة العميقة المؤلّفة من الجهاز البيروقراطي والمؤسسات الأمنية والمجمع العسكري الصناعي والمالي، ثم مجمل الإعلام الشركاتي المهيمن باستثناء بعض الجزر الصغيرة المستقلّة، وحركة «انتيفا»، وحركة «بي أل أم» (حياة السود مهمّة) المموّلة من الشركات الكبرى المالية والمعلوماتية على حدّ سواء. هذا التحالف يعيش وفقاً للكاتب في عالم موازي بعيداً عن هموم المواطنين الأميركيين العاديين ولا يريد التغيير. الاحتجاج ضدّ العنصرية «مقبول» من قبل الدولة العميقة طالما لا يمسّ بالمعادلات الاقتصادية والمالية القائمة.

وما يزيد من قلق المراقبين هو تباشير عن إمكانية تدخّل القوّات المسلّحة الأميركية حلبة الصراع القائم لصالح القوى المناهضة لترامب ما يزيد في وتيرة البارانويا في صفوف الجبهة الأخرى. ويعتبر الباحث أنّ تصريحات وزير الدفاع السابق في إدارة ترامب جون ماتيس حول ضرورة اقتلاع كلّ من لا يحترم الدستور تحذيراً لترامب. كما أنّ رئيس هيئة الأركان المشتركة انتقد الرئيس عندما أراد الأخير زجّ الجيش في قمع المظاهرات الاحتجاجية ضدّ العنصرية. ويُضاف إلى ذلك ضلوع مدير مكتب التحقيق الاتحادي السابق جيمس كومي في تبنّيه لملفّ مزوّر من أحد العاملين في وكالة الاستخبارات حول تورّط الرئيس الأميركي مع روسيا خلال الحملة فيضيف إلى مصداقية التهم التي يوجّهها ترامب وأنصاره إلى تواطؤ الأجهزة الأمنية في محاولات الإطاحة به. فالإيحاء بأنّ القوّات المسلّحة ومختلف الأجهزة الأمنية تنظر بعين الرضى لمشاريع الإطاحة بترامب جعلت المرشّحة السابقة هيلاري كلنتون تحثّ جوزيف بايدن على عدم القبول بالهزيمة فيما لو فاز ترامب في تشرين الثاني.

في المقابل يعمل أنصار ترامب، مع أنهم لا يحظون بتأييد الإعلام المهيمن، على نبش كلّ الفضائح التي تعود إلى المرشح بايدن ونجله هنتر. الاعلام المهيمن إما يتجاهل عمداً الاتهامات الموجّهة ضدّ فساد جوزيف بايدن ونجله أو يستحفّ بمصداقيتها. ونذكر أيضاً تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو حول عزمه لنشر الرسائل السرّية لهيلاري كلينتون تثبت تورّطها في فضائح عديدة وذلك خلال الأيام المقبلة قبل موعد الانتخابات. كما أنّ الحركات اليمينية المتطرّفة والعنصرية البيضاء تساهم في استمرار موجة الكراهية السائدة في البلاد. فالحقد والكراهية بين الفريقين المتنافسين يأخذ أبعاد خطرة للغاية حيث إمكانية التفاهم أصبحت شبه معدومة وأنّ الفصل قد يكون في الشارع.

أما الباحث الأميركي الذي يكتب تحت اسم جون كوينسي آدامز، وهو اسم مستعار للرئيس السادس للولايات المتحدة وهو ابن جون آدامز الرئيس الثاني وأحد مؤسّسي الدولة الأميركية، فيعتبر أنّ الولايات المتحدة «انتهت» كما كتب في مقال في موقع «استراتيجيك أند كلتشر فونداشين» (موقع مؤسسة الاسترتيجيا والثقافة) وذلك في 25 أيلول/ سبتمبر 2020. ويقيم مقارنة بين واقع الحال في الولايات المتحدة وواقع الحال في روسيا قيل عشرين سنة.

النقطة الأولى تعتبر أنّ من يتحكّم بالقرار في الولايات المتحدة الآن هي الاوليغارشية المالية التي لم تساهم في بناء الجسور والطرقات والمرافق العامة ومجمل البنى التحتية والقاعدة الصناعية والزراعية. بل هي مجموعة من مضاربين ماليين في معظمهم. في المقابل فإنّ الاوليغارشية التي لم تبن أيضاً أيّ شيء في روسيا بل استفادت من التفكك والفساد لبناء ثروات طائلة وتحكّمت بروسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي تضاءل نفوذها بشكل ملحوظ مع صعود الرئيس بوتين.

النقطة الثانية هي أنّ الثقة في الدولة تتزايد يوماً بعد يوم في روسيا بينما تتراجع بشكل سريع في الولايات المتحدة. معظم الروس يعتبرون السياسيين من اللصوص والنصّابين إلخ في المقابل تشير استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة ازدياد حالة القرف من السياسيين ومن الحكومة والدولة. فثقة الأميركيين بالدولة تراجعت بسبب عدم الشفافية (69 بالمائة) كما أنّ العلاقات والخطاب السياسي فقد الحدّ الأدنى من اللباقة والتهذيب (72 يالمائة).

النقطة الثالثة هي تراجع الكفاءة والقدرة العسكرية الأميركية بينما تتصاعد بشكل ملحوظ في روسيا. أشرنا في مقالات سابقة إلى عدم الجهوزية العسكرية الأميركية وذلك على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة وتقارير مراكز الأبحاث. كما أنّ الإخفاقات في الميدان ظهرت للجميع، سابقاً في فيتنام، وحالياً في أفغانستان والعراق. كما أنّ نوعية التسليح الروسي أفضل وأقلّ كلفة من التسليح الأميركي وخاصة في السلاح الكاسر للتوازن.

النقطة الرابعة هي أنّ الولايات تنفق الكثير على التسليح ومعظمه يذهب هدراً بينما روسيا أكثر ترشيداً ورشاقة في نفقاتها العسكرية. فروسيا تحرص على عدم تحويل وارداتها إلى التسلّح مستفيدة من تجربة الماضي في سباق التسلّح الذي أدّى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. التركيز هو على السلاح النوعي والأقلّ كلفة. لذلك نرى تزايد في الإنفاق العسكري الأميركي وتراجع في الإنفاق العسكري الروسي.

النقطة الخامسة هي أنّ كلّ من روسيا والولايات المتحدة تشهد تراجعاً ملحوظاً في معدّلات الولادة. فخلال العقد الماضي تراجع عدد السكان في روسيا بنسبة مليون بسبب انخفاض معدّلات الولادة وتزايد معدّلات الوفيات بسبب الكحول. وإذا استمرّت الحال فإنّ روسيا قد تخسر ثلث عدد سكّانها الـ 146 مليون في عام 2050. في المقابل فالولايات المتحدة تواجه تراجعاً في الولادة وتزايداً في الوفيات بسبب المخدّرات والإقبال على الانتحار. لكن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أنه تمّ تثبيت معدّلات الولادة في روسيا بينما عدد السكان في الولايات المتحدة يتراجع. وهنا تكمن المشكلة لأنّ الحلّ في تثبيت عدد السكّان لن يأتي إلاّ عبر الهجرة. والهجرة يعني تغييراً كبيراً في نسبة المكوّنات العرقية في الولايات المتحدة وما يرافق ذلك من تغيير في الثقافة والقيم والتي تصطدم مع الموجة العنصرية المتفشية في الولايات المتحدة.

كلّ ذلك يدّل على أنّ الوضع في روسيا أكثر استقرار مما هو عليه في الولايات المتحدة وأنّ الأخيرة في طريقها إلى الانهيار الداخلي إنْ لم تصحُ النخب على الواقع وتقوم بالإجراءات الجذرية اللازمة. لكن ما نشهده في هذه الأيام هو تأجيج متزايد نحو مواجهة في الداخل الأميركي خارج إطار المؤسسات بسبب موقف «المقاومة» للتغيير وموقف من يريد التغيير وإنْ لم تكن ملامح التغيير المطلوب واضحة. وهذا ما يزيد خطورة في الوضع لأنّ غياب هدف مشترك ينذر بالتفتّت والانشقاق.