kayhan.ir

رمز الخبر: 120540
تأريخ النشر : 2020October09 - 21:11

بَعدك صار للماء معنى البحر وتوقف الليل فلم يغادره السحر

حسين شريعتمداري

1 ـ في العشرين من صفر عام 61 للهجرة، حيث مضى اربعون يوما على شهادة ابي عبدالله الحسين(ع) واثنين وسبعين من اصحابه، حطت رحال "جابر بن عبدالله الانصاري" الصحابي الجليل والذي إنطفأت عيناه لبلوغه في الكبر عتيا، ويصطحبه "عطية العوفي" وهو من التابعين الموالين لامير المؤمنين(ع)، ناقل لعلم الحديث ومبينا لكتاب الله، ارض كربلاء زائرا التراب الطاهر لسيد الشهداء والمستشهدين بين يديه، وعلى اعتابهم تحط قافلة اسرى الشام، لتتشابك الدموع والشجون في عزاء شهداء كربلاء... فيبكون غربة ويشكون ما نزل بآل الرسول(ص) من ظلم وجور، في زمن إدلهمت ساعات نهاره، ويتربع ابناء هند آكلة الاكباد التي مضغت في "اُحد" كبد حمزة سيد الشهداء بعد ان شقت صدره، حقدا على الاسلام، تربعوا على منبر رسول الله(ص) يدعون زورا الخلافة الالهية! فجلسوا على كرسي الحكومة الاسلامية ليلبسوا الاسلام لبس الفرو مقلوبا كما قال الامام علي (ع). فما اشبه حال المسلمين بوصف القرآن في سورتي الروم والصف: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" و... فلم يكن يخطر ببال احد ان السماء المتلبدة بقطع الليل المظلم ستنفرج سحرا.

2 ـ وتمضي السنون لنعيش الاربعين بعد الف وثلاثماءة وثمانين عاما، في عصر لقب بعصر الخميني. فانكشفت الغربة عن الاسلام، وعن لقاء آل الله في اربعين عام 61 للهجرة. فجاء عشرات الملايين من انحاء العالم لزيارة شهداء كربلاء. فالمسافة من النجف الى كربلاء 85 كيلومترا يقطعونها مشيا على الاقدام، نساء وصبية شيبا وشبابا و... لقد وقعت الواقعة التي كانت تبدو بعيدة المنال يومها، كما قال المنظر الروسي الشهير "الكساندر دوغين"، الذي حضر قبل ثلاث سنوات مسيرة الاربعين المهيبة في العراق؛ "ان قضية مسيرة الاربعين التي باتت تاخذ كل يوم ابعادا دولية واسعة وتشترك فيها جميع الملل والاديان ومنهم المسيحيون، هي مقدمة لتحول اساسي على مستوى العالم. وارى ان عالمنا المعاصر يودع الايديولوجية الليبرالية الرأسمالية، فلم تجلب هذه الايديولوجية للبشرية غير الازمات، فيما البشرية تحتاج اليوم الى انبعاث معنوي والهي، وهو ما نعثر على اولياته بوضوح في الثورة الاسلامية ونهضة الامام الخميني".

وكما قال المرحوم سلمان هراتي:

بَعدك صار للماء معنى البحر

وتوقف الليل فلم يغادره السحر

3 ـ لنقرأ جوانب من تقرير لمراسل هافينغتون بوست" والذي حضر مسيرة الاربعين قبل خمس سنوات: "إن جانبا من مراسم العزاء والذي يبهر كل مار، هو الوقوف على مشهد آلاف الخيم كمطابخ مؤقتة يقيمه قرويو المنطقة على جوانب مسير الزوار. فاصحاب المواكب يستوقفون كل زائر يلتمسونهم قبول الدعوة المؤلفة من مجموعة كاملة من الخدمات التي تليق بالامراء؛ فيبدأوا بتدليك القدمين ومن ثم تقديم الطعام الطازج اللذيذ، ليهيؤوا بعدها اسباب الراحة فيما يقومون بغسل الثياب وتوضيبها ليعيدوها بعد ان تفيق من النوم، كل ذلك دون مقابل مشفوعة بالمودة والرحمة".

مراسل اميركي آخر يدون مشاهداته في مسيرة الاربعين، مشيرا الى حقد الارهابيين الوحوش امثال داعش ضد الشيعة وعدائهم العميق لايران الاسلامية وهي منطلق الثورة، ليخرج بنتيجة متابعاته لمسيرة الاربعين، قائلا: "لو كان العالم يعرف رسالة الحسين وتضحياته لتمكن الجميع من تشخيص جذور الفكر الداعشي، ولعلموا اساس عقيدة هذه الفئة في الموت والابادة. فلقرون مضت شهدت الانسانية بكربلاء اساس التوحش والجريمة. الوحشية والجريمة التي تمخضت بقتل الحسين، انها مواجهة الظلام الدامس مع النور المطلق، وتقابل الفساد مع الفضيلة، وهذا سر خلود روح الحسين لليوم، وان حضوره امتزج بكامل جوانب حياة هؤلاء الاشخاص ... فتعجز كل وسائل الاعلام على حظر نوره. فمن هو الحسين؟ انه تساؤل بهذا العمق الذي يؤدي لتغيير المنتمين لهذا الدين، وتبقى الاجابة على السؤال حين تشترك في مسيرة الاربعين حاف القدمين نحو حرم الحسين".

4 ـ كم هي ملفتة المقارنة بادارة حشد الناس في مسيرة الاربعين مع ادارة مشابهة حتى من نوعها الدولي، لاسيما حين نسمعها من وسائل الاعلام ومراكز غربية، لنقرأ؛ اذ تكتب "هافينغتون بوست"في تقريرها؛ "بعد زلزلة هايتي، استطاعت النقابة الدولية للطعام بالتعاون ودعم دولي وفي افضل حالاتها، ايصال الطعام لـ 500 الف شخص. فيما الجيش الاميركي اطلق عمليات مشتركة لتوظيف مختلف وكالات الاغاثة الفدرالية، وبالتالي، يعلن انه خلال خمسة اشهر من الكارثة البشرية ايصال الطعام لـ 1/4 مليون شخص من المبتلين بالزلزال، ولنقم بالمقارنة، فاكثر من خمسين مليون وجبة طعام كل يوم في مراسم الاربعين اي ما يعادل 700 مليون وجبة طعام للزائرين خلال هذه الفترة من الزمن، اي بالضبط ليس عن طريق اميركا والمؤسسات الخيرية العالمية وحسب بل بواسطة العمال الفقراء وزرّاع يعملون على مدى العام كي يتمكنوا من جلب رضى الزوار ويلبوا احتياجاتهم."

5 ـ هذا العام تسببت جائحة كورونا في حرمان ملايين العشاق حضور المسيرة الاربعينية الكبرى. وفي الجانب الاخر وكما السنوات المنصرمة تم توليف جنينة، وفي هذا الجانب آسر عشاق حضرته القلق شوقا وبكاءا حين لم يجدوا حيلة للزيارة. وهو اشبه بمعاناة الصحابة المؤمنين حين حرموا مشاركة الجهاد مع رسول الله(ص) فلم يكن هناك مؤنة كافية للسفر، فعادوا ادراجهم ولسان حالهم؛ "الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون". (1)

وعندما عاد امير المؤمنين من معركة الجمل، قال له بعض اصحابه، وددت أن أخي فُلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على اعدائك فقال له (عليه السلام) أهوى أخيك معنا؟ فقال نعم. قال فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في اصلاب الرجال وارحام النساء سيرعف به الزمان ويقوى بهم الايمان. (2)

وشهدنا قبل أيام كيف ان سماحة القائد وهو من امراء قافلة الساعين لحرم سيد الشهداء (ع) ومن المحضين على المشاركة في مسيرة الاربعين، دعا الى اقامة العزاء عن بعد وذلك بالمكوث في البيت بسبب انتشار جائحة كورونا حفظا لسلامة الزوار والموالين و...

1ـ (سورة التوبة الآية 92).

2ـ (الخطبة 12 من نهج البلاغة)