كيف ينتهي النزاع الأذري - الارميني؟
شارل ابي نادر
بين حق تقرير المصير الذي يتمسك به أرمن ناغورني قره باغ، وبين القانون الدولي الذي أعطى لاذربيجان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية السيادة على الاقليم المتنازع عليه، هناك تعارض واسع واختلاف كبير، ومن المستحيل كما يبدو، ايجاد الحلول المناسبة لهذا النزاع، والتي ممكن أن ترضي الطرفين.
من ناحية أخرى، وبمعزل عن تاريخية الاقليم قبل سيطرة السوفيات ووضع اليد عليه من قبل ستالين، بشكل مخالف لحقوق أبنائه الأرمن، وبمعزل عن اعتماد تقسيم الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الاتفاقيات التي انتجت توزيع حصص المنتصرين، كمرجع للقانون الدولي تم اعتماده لتحديد جغرافية الدول، (اتفاقيات لوزان وسايكس بيكو ووعد بلفور المشؤوم وغيرها)، مما أعطى الحق والسيادة لأذربيجان، وأسَّس لاعتبار الوجود الأرميني في الاقليم اليوم مخالفًا للقانون الدولي، فإن تطور النزاع اليوم وشراسته وما ينتج عنه من خسائر ضخمة في الأرواح ومن دمار غير سهل، أصبح يفترض وبقوة وبضرورة قصوى، ايجاد حل يوقف القتل والدمار أولًا، ويؤسس لتسوية تكون مناسبة لوأد كل أشكال النزاعات والحروب بين الشعبين الجارين الأذري والأرميني مستقبلًا.
اذا استندنا الى التصريح الأخير للرئيس الأرميني، والذي قال فيه ما حرفيته: "إن النزاعات في ناغورنو قره باغ يجب أن تُحلّ بناء على تنازلات متبادلة، وإن بلاده مستعدة لتقديم تنازلات في نزاعها مع أذربيجان حول إقليم ناغورنو قره باغ، شرط وجود نية مماثلة لدى باكو"، يمكن اعتبار هذا التصريح للرئيس الأرميني بمثابة ثغرة في جدار الأزمة، وهو مؤشر إلى أنه غير متصلب ويمكن التفاوض، والأهم، قال إنه مستعد لتقديم تنازلات، ويطالب بأن تكون متبادلة أي أيضًا من جهة باكو (عاصمة اذربيجان).
من هنا، ومع التجاوب الذي أبداه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، في تواصله الأخير مع الرئيس الايراني، ولما قاله من أن أمن إيران من أمن اذربيجان وإنه (علييف) لن يسمح لهذا النزاع بأن يؤدي إلى زعزعة الأمن في الدول المجاورة، ومع إعلان طهران الإثنين الماضي أنها أعدت خطة مفصلة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، وأنها مستعدة لمناقشتها مع طرفي النزاع، يضاف الى ذلك ما أعلنته مؤخرًا الخارجية الروسية، من أن أرمينيا وأذربيجان قبلتا دعوة الرئيس فلاديمير بوتين للتفاوض في موسكو حول هدنة في القتال حول ناغورنو كاراباغ، وأنها تجري التحضيرات اللازمة بنشاط لاحتضان المفاوضات الأذربيجانية الأرمينية، بناءً على ذلك، هل يمكن ايجاد صيغة مقبولة من الطرفين تنهي النزاع وتؤسس لعلاقة جديدة، مبنية على السلام والأمن واحترام خصوصية ومصالح كل طرف؟ وعلى ماذا يمكن أن تقوم هذه الصيغة؟
ننطلق من الجغرافيا، جغرافيا اذربيجان وجغرافيا اقليم ناغورني قره باغ. الأولى (اذربيجان) مفصولة عن اقليم ناختشيفان الأذري بشكل كامل والذي يوجد على الحدود الشرقية لتركيا، كما أن اقليم (ناغورني) مفصول عن أرمينيا أيضًا بشكل كامل، الأمر الذي دفع بالأخيرة في تسعينيات القرن الماضي الى توسيع سيطرتها على مناطق أذرية، بهدف خلق التواصل الجغرافي والميداني بين ارمينيا وبين الاقليم.
هذا التغيير الجغرافي الذي فرضته ارمينيا في التسعينيات، وطبعًا بدعم خارجي، روسي وأوروبي، يعتبر ضروريًا وتحتاجه أرمينيا والاقليم بقوة، ومن غير الواقعي تخليها عنه، يقابله حاجة أذرية ايضًا ضرورية ولا يمكن التغاضي عنها، لربط اقليم ناختشيفان الأذري الغربي مع اذربيجان الأم شرقًا، والمفصولين حاليا بالكامل عن بعضهما بعضًا.
من جهة أخرى، اللافت ما بدأ يظهر من نتائج ميدانية للعمليات العسكرية، حيث سيطرت الوحدات الأذرية على شريط ميداني غير مكتمل جنوب الاقليم، يتضمن مدينة جبرائيل مع بعض البلدات، يوحي بأن استكمال هذه السيطرة غربا، أي على شريط كامل في جنوب الاقليم، يؤمن فيما لو اكتمل، ربطًا جغرافيًا وميدانيًا بين منطقة ناختشيفان الأذرية وبين عمق الدولة الأذرية شرقًا.
هنا، ومع هذا التغيير الميداني على الأرض، تصبح جغرافيا كل من أرمينيا مع اقليم ناغورني قره باغ مرتبطة ببعضها بعضًا، وجغرافيا اذربيجان مع اقليم ناختشيفان مرتبطة ببعضها أيضًا، وتحصل عمليًا، الأغلبية الأرمينية في اقليم ناغورني قره باغ، على امتداد شعبي وجغرافي واجتماعي مع دولة ارمينيا، قد يدفع ابناء الاقليم للاستغناء عن المطالبة بدولة مستقلة، فيما لو حصلوا على كامل الحقوق السياسية الادارية كابناء أرمينيا.
من جهة أخرى، وبالاضافة إلى أن هذا التغيير الجغرافي سيؤمن فيما لو تم الاتفاق عليه، لكل المكونات المختلفة في أرمينيا وفي أذربيجان وفي الاقليمين، قره باغ وناختشيفان، كامل حقوقهم ومصالحهم، فإن هذه التسوية فيما لو اكتملت، ستؤمن ثباتًا واستقرارًا في العلاقة بين الدولتين، تنهي أية خلافات ونزاعات سابقة، وسيتمكن شعبا الدولتين من التقرب أكثر بين بعضهما بعضًا وفتح افق جديد من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لن تكون الا لمصلحتهما، خاصة أنه في تواصلهما الجغرافي (الودود) وغير المتوتر، تستفيد أرمينيا من امكانية الوصول الى بحر قزوين والى الدول الساحلية عليه، وتستفيد أذربيجان وعبر علاقتها الجيدة مع جورجيا، من امكانية الوصول الى البحر الاسود والدول الساحلية عليه.