هل يتحمّل نتنياهو نتائج كذبه؟
في السنوات الماضية فقد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الكثير من مصداقيته وبالتالي شعبيته، وذلك على خلفية ملفات الفساد التي لحقت به وأضرّت بسمعته ومن هذا المنطلق بدأ نتنياهو يهرب إلى الأمام في عالم السياسة محاولاً تقديم خدمات للإسرائيليين لإظهار مدى قدرته على انجاز ما لا يمكن لأحد انجازه، وساعده في ذلك وجود الرئيس الاميركي دونالد ترامب في سدة الحكم، ومع ذلك بقي الداخل الاسرائيلي يغلي غضباً من سوء ادارة نتنياهو للكيان الاسرائيلي وبدأت المظاهرات التي طالبت برحيله، ناهيك عن سوء الوضع الاقتصادي وعجز نتنياهو عن إدارة أزمة كورونا، وظن أن التطبيع مع الامارات سيساعده في الخروج من أزمته لكنه كان مخطئاً، ما اضطره للجوء إلى هوايته المعتادة "الكذب".
رفع عصاه نتنياهو ليشير لأعضاء الأمم المتحدة أين يقع معمل الأسلحة والصواريخ الدقيقة التابع لحزب الله القابع في منطقة سكنية، مدّعماً ادعاءاته بخرائط وصور، في محاولة منه لتأليب الرأي العام اللبناني ضد "حزب الله" بعد أن فشلت جميع المحاولات السابقة، والأهم كان بالنسبة لنتنياهو تحقيق أمرين:
الأول: ربط انفجار بيروت بهذا المعمل وإحداث ضجة داخل لبنان بأن الحزب هو المسؤول عن الانفجار الذي هزّ بيروت.
الثاني: إحراج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل دقائق من إطلالته على الشاشة لإلقاء كلمة له.
الصفعة جاءت أيضاً خلال دقائق، عندما دعا السيد نصر خلال خطابه الإعلام للتوجه الى المنشأة التي تحدّث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كلمته يوم الثلاثاء، مؤكداً أنها مخزن أسلحة لحزب الله.
الإعلام اللبناني وغير اللبناني توجّه إلى المكان المذكور، وجال في أرجاء المكان، ليكتشفوا جميعاً أن ما قال عنه نتنياهو مستودعاً أو معملاً للصواريخ ما هو إلا معمل لقوارير الغاز، ولا أيّ أثر لمصنع الصّواريخ المذكور، أو مخازن لها.
إذن سقط نتنياهو في بحر كذبه المعتاد، ولكن من سوء حظه كانت السقطة أمام أعلى منبر دولي، وأطاح السيد نصر الله بكلمة واحدة بكل الجهود والمساعي الإسرائيلية لتحريض الرأي العام اللبناني والعربي والدولي على حزب الله، تحت غطاء كارثة انفجار مرفأ بيروت قبل شهرين تقريباً.
الموضوع لن يتوقف عند تكذيب نتنياهو بل سيكون للأمر ترددات في الداخل الاسرائيلي، وستؤدي هذه الحادثة إلى تقاذف المسؤوليات عن الفشل في توقيت حساس داخلياً، وكذلك في سياق الصراع مع حزب الله، بالطبع، قد لا تخرج تداعيات الصفعة داخل المؤسسة الاستخبارية الى العلن، إلا أنها ستمثّل محطة لاستخلاص العبر ومحاولة الاجابة على أسئلة محددة: أين أخطأت الاستخبارات وأين أخطأ نتنياهو، وكيف يمكن حبك المعلومة الكاذبة في المحطات اللاحقة؟.
أولى تداعيات هذا الأمر كانت في تقديم وزير السياحة الإسرائيلي أساف زمير، الجمعة، استقالته من الحكومة، بسبب الوضع الحالي للبلاد، واحتجاجاً على قرارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن كورونا.
وقال زمير، الذي ينتمي لحزب "أزرق أبيض": "أنا قلق من أن الدولة على وشك الانهيار التام، ومن الواضح لي أن هذا لن يتغيّر طالما بقي بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء"، وكتب زمير في منشور على "فيسبوك" "التقيت ببيني غانتس وأخبرته أنني أستقيل من منصبي كوزير في الحكومة، لم يعد بإمكاني الجلوس في حكومة يقودها شخص لا أثق فيه".
واضح جداً أن الثقة بنتنياهو أصبحت شبه معدومة، وعليه أن يحاسب المؤسسة الأمنية والاستخباراتية التي قدمت له هذه المعلومات الكاذبة، وقد يكون من أسباب وقوع الجهاز في هذا الخطأ إلحاح القيادة السياسية على ضرورة توفير معلومة ذات مواصفات محددة، تخدم هدفاً مرسوماً في سياق سياسة التحريض.
بكل الأحوال سيكون هناك تغييرات قادمة بالنسبة للمؤسسة الأمنية، أو ربما سيزداد الغضب ضد نتنياهو لتقديمه معلومات كاذبة للإسرائيليين وللعالم بأسره.
الإعلام الاسرائيلي لم يتمكن من التغني بمعلومات نتنياهو الكاذبة، حيث عرض للإسرائيليين خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهم يصدقون السيد نصرالله أكثر بكثير من كل مسؤوليهم، وسجّل لدى المستوطنين الصهاينة ارتفاع حاد في منسوب الاستهزاء برئيس وزرائهم وبأكاذيبه.
الغريب في الأمر أنه رغم توجه الإعلاميين إلى المكان الذي تحدث عنه نتنياهو إلا أن بعض وسائل الاعلام العربية بقيت مصرة على معلومات نتنياهو الكاذبة ولم تتوقف عن تسويقها.
أفضل رد على هؤلاء جاء من مراسل عسكري إسرائيلي أكد أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يحظى باحترام كبير لدى القيادة في الجيش الإسرائيلي، بفضل اتزانه أو بفضل القدرات التي نجح في تحقيقها مع مرور السنين.
ونقل مراسل صحيفة "ماكور ريشون" العسكري عن محافل استخبارات رفيعة في الجيش الإسرائيلي أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله يقرأ كل تحليلات المراسلين العسكريين في "إسرائيل"، وإذ قال: "منذ صعود نصر الله إلى السلطة، نجح في إضفاء الشرعية داخل البرلمان اللبناني، وكذلك في العالم العربي"، أكد في الوقت نفسه أنه "زعيم يمتلك الكثير من الحكمة".وفي هذا السياق، أوضح مراسل الصحيفة إنه "يجب أن لا نتوهم، فنصر الله يحظى باحترام كبير لدى القيادة في الجيش الإسرائيلي". وكشف قائلاً: "بعد 7 سنوات، أنا في وظيفة مراسل عسكري ولم أسمع إطلاقاً كلمة واحدة تستخف به".
في الختام؛ ما قام به نصرالله هو رسالة واضحة للداخل والخارج، أن الحزب يتعامل مع الجميع بمنتهى الشفافية ولا يخفي أي شيء عن اللبنانيين، ونجح للمرة الألف في معركة الوعي والرأي العام، وأثبت مصداقية "حزب الله"، وفي نفس الوقت وجّه ضربة قاصمة لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ووسائل الإعلام العربية المتصهينة.
شفقنا