kayhan.ir

رمز الخبر: 120180
تأريخ النشر : 2020October02 - 20:31

تركيا تشعل حرب القوقاز انطلاقا من آذربيجان وأرمينيا

سركيس ابوزيد

اهتز الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، وهي ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. وقعت مؤخرا مواجهات عنيفة بين الجيش الآذربيجاني ووحدات أرمينية في منطقة ناغورني قره باغ، أدت إلى سقوط عسكريين ومدنيين من الجانبين، في أعنف اشتباكات بين أرمينيا وآذربيجان منذ العام 2016، ما يجدد المخاوف بشأن احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين آذربيجان وأرمينيا اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورني قره باغ. ومن شأن اندلاع مواجهة من هذا النوع بين البلدين الجارين في القوقاز، واللذين كانا ضمن الاتحاد السوفياتي السابق، أن يدفع القوتين الإقليميتين، روسيا وتركيا، إلى التدخل، وهو ما ظهرت إشاراته، بالفعل، عبر التصريحات التصعيدية التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والتي تزامنت مع تقارير عن إرساله مرتزقة من سوريا إلى آذربيجان للمشاركة في القتال.

وقد افادت مواقع أن مسلحين من فرقة "السلطان مراد ـ الجيش الحر"، الموالية لتركيا، يستعدون للذهاب برفقة مسلحين تركمان إلى أذربيجان للقتال ضد الأرمن إلى جانب الأذريين، وأن القوات التركية جهزت مسلحين من كتائب التركمان وفرقة السلطان مراد في مدينة عفرين لإرسالهم إلى أذربيجان، وتعرض على كل فرد من المسلحين المنوي نقلهم إلى أذربيجان مبلغا ماليا بقيمة 2500 دولار أميركي.

يعود النزاع الآذربيجاني - الأرميني إلى بداية القرن الماضي، عندما ألحقت السلطات السوفياتية ناغورني قره باغ، الذي تسكنه أغلبية أرمينية، بآذربيجان، عام 1921. أعلن استقلال الاقليم عام 1991 بدعم من أرمينيا، لتلي ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف.

سيطرت القوات الأرمينية على ستة أقضية آذربيجانية في جوار الإقليم، ما اضطر سكانها، وعددهم حوالى مليون، إلى الهرب إلى جوار العاصمة باكو، فيما تم ترحيل الآلاف من الأرمن الذين كانوا يسكنون في باكو ومدن أخرى إلى أرمينيا التي لا يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين، مقابل تسعة ملايين هم عدد سكان آذربيجان الآن.

فشلت جميع المساعي الأوروبية والروسية والأميركية والأممية، طيلة الفترة الماضية، في التوصل إلى حل لمشكلة الإقليم الذي كان يتمتع بحكم ذاتي داخل حدود آذربيجان في العهد السوفياتي. ولم يحالف الحظ الأرمن في قره باغ في إقناع العالم بالاعتراف بهم ككيان مستقل أو في ضم إقليمهم إلى أرمينيا التي تفتقر إلى الإمكانيات العسكرية والاقتصادية التي تملكها آذربيجان النفطية المدعومة من تركيا.

بدأت أنقرة في السنوات الأخيرة بتسليح الجيش الأذربيجاني، خاصة بالطائرات المسيرة. وحرب الطائرات المسيرة بين أذربيجان وأرمينيا بدأت قبل خمس سنوات، إثر شراء أذربيجان أسلحة ومعدات حربية من "إسرائيل "، منها طائرات مسيرة متطورة من طراز "أربيت هارمس" و"أوربيتار" و"هاروب". وأقامت تل أبيب في المقابل قواعد أو مراكز عسكرية واستخبارية عديدة في مختلف الأراضي الأذربيجانية. استهدفت "إسرائيل" بذلك الجارة إيران لمراقبة كل التحركات العسكرية، وخاصة في المواقع النووية شمال إيران وشرقها القريبة من الحدود مع أذربيجان.

في المبدأ، كان ينظر إلى العلاقات بين تركيا وأذربيجان على أن السكان فيهما شعب واحد في دولتين، والرابطة القومية التي تجمعهما كانت أقوى من التباين المذهبي، الشيعي في أذربيجان والسنّي في تركيا. يضاف إلى ذلك أن تركيا وأذربيجان تشكلان قاعدة قوية للمصالح الأميركية والأطلسية، معطوفة على الوجود الاستخباري القوي لإسرائيل في أذربيجان ضد إيران. وإذا كانت بعض الأحزاب التركية المعارضة تختلف مع الرئيس رجب طيب إردوغان في أكثر من ملف في السياسة الخارجية، غير أنها تلتقي معه في الوقوف، من منطلق قومي، مع أذربيجان.

تركيا، التي لا تلعب دورا مباشرا في اندلاع الاشتباك الأخير، كانت السبّاقة إلى الاستثمار فيه، انطلاقا من أسباب عديدة ولأهداف كثيرة. وقد تجسد ذلك في الأنباء عن إرسالها مئات المرتزقة من سوريا إلى آذربيجان للقتال. وعلى رغم نفي حكمت حاجييف، مساعد رئيس آذربيجان للسياسة الخارجية، صحة هذه الأنباء، إلا أن تقارير سابقة أفادت بأن تركيا بدأت نقل مئات المرتزقة السوريين إلى حليفتها آذربيجان، إلى جانب إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع باكو، وتهيئة الأرضية لتأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك قرب الحدود مع أرمينيا. يأتي ذلك بينما لا يزال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ماضيا في فتح جبهات جديدة أمام بلاده، من دون أن يغلق أيا منها، بما يتماشى مع طموحاته التوسعية.

وبينما يمثل التصعيد التركي عبئا على الداخل حيث تتصاعد الأزمة الاقتصادية، يتوقع محللون أن يكون تصرف أردوغان نابعا من حساباته الداخلية الخاصة، المرتبطة بالمزايدة والتجييش القوميين، ولا سيما أن الشعب الآذربيجاني ينتمي، عرقيا، إلى الجنس التركي، وأن اللغة الآذرية تعتبر واحدة من أقرب اللغات إلى التركية. وعلى هذا الصعيد، يشير هؤلاء إلى أن آذربيجان تُعد بالنسبة إلى تركيا جزءا مهما في عدد من التحالفات الصغيرة والكبيرة، التي تربط مكوناتها معا أواصر الجغرافيا الثقافية، مثل "المجلس التركي" الذي أنشئ عام 2009 ليضم عددا من الدول الناطقة بالتركية، مثل قرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان وآذربيجان، و"التحالف الثلاثي"، شمال شرق الأناضول، الذي يضم آذربيجان وجورجيا إضافة إلى تركيا، و"التحالف السداسي" الذي يضم إلى جانب الثلاثي السابق إيران وباكستان وتركمانستان.

ومن شأن التصعيد في القوقاز، في حال تحقق للرئيس التركي ما يريد، أن يقوي نفوذ أنقرة في منطقة حيوية تمتد عبرها أنابيب الغاز عالميا، ويعزز رصيدها في مقابل موسكو. كما أنه يتيح لإردوغان الانتقام من أرمينيا بطريقة ما، خصوصا أن يريفان نجحت في وصم بلاده، حين اعترفت دول كبرى في العالم خلال الأعوام الماضية بالإبادة العثمانية الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى.

ستجد موسكو نفسها في قره باغ وجها لوجه مع أنقرة التي تتعارض معها في الحسابات في ليبيا وسوريا، وبشكل خاص غربي الفرات حيث يرفض الجانب التركي الانسحاب من محيط إدلب وباقي المناطق. ويتوقع مراقبون أن لا يتأخر الجيش التركي في التدخل المباشر إلى جانب آذربيجان ذات الموقع الاستراتيجي في القوقاز وبحر قزوين، وعبرهما بالنسبة إلى آسيا الوسطى حيث الغاز والبترول في كازاخستان وتركمانستان. ويقول البعض إن إردوغان، بدوره، بحاجة إلى مثل هذه الأزمات الساخنة التي ستساعده على إلهاء الرأي العام الداخلي عبر الشعارات القومية والدينية.. من جهة اخرى يوجد مصلحة لروسيا في توسيع جبهة الصراع ضد تركيا التي تضغط على روسيا في ليبيا وسوريا وشرقي المتوسط. قد لا تستطيع تركيا تحمل فتح عدة جبهات عسكرية دفعة واحدة، فتكون جبهة القوقاز ورقة مساومة بيد روسيا تجاه تركيا ومن ورائها الولايات المتحدة في الملف الليبي. وهكذا نشهد مسلسل نزاعات متداخلة تمتد من القوقاز الى المتوسط والمشرق من اجل رسم خطوط الغاز وربما خرائط جديدة.