المعارضة السوريّة «انكشاريّة» تركيّة في خدمة الباب العالي
د. وفيق إبراهيم
الجيش الانكشاري فرقة كبيرة من قوة الإمبراطورية العثمانية بولاء شديد لها باعتبار أن أفراده جمعتهم تركيا من بين أطفال يتامى ولقيطين من أزمة الدول التي كانت تحتلها وربّتهم في مؤسساتها على الولاء الأعمى للسلطان والقتل والسفك من دون رحمة في سبيل بابها العالي.
ما الفارق بين هذه الفئة التاريخيّة المنقرضة وبين ما يُسمّى معارضة سورية حديثة؟
نجح الأتراك المعاصرون في استبدال عادة السلطان القديم بالانصياع لايديولوجيا الاخوان المسلمين جاذبين عشرات الآلاف منهم من أصقاع الارض ومنظمتي الإيغور الصينيين ومسلمي آسيا الوسطى و"اخوان" تونس والجزائر والمغرب واوروبا الغربية وجزئها الأوروبي الإسلامي والجمهوريات الإسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي ومصر والسعودية ولبنان والأردن وفلسطينيي حماس وفتح وقوميات أخرى من بينها سورية.
هؤلاء شكلوا نحو مئتي ألف مسلح اطلقوا على منظماتهم وتشكيلاتهم اسم المعارضة السورية حتى توهّم المتابعون انهم يشكلون الجزء الأكبر من الشعب السوري.
ما دعم هذا «التوهم» هو ذلك التدفق الأسطوري لأكثر من مئتي مليار دولار توزعوا على هذه المعارضات من السعودية والامارات وقطر، فيما تولت تركيا والأميركيون تنظيم أضخم عمليات تدريب وتوزيع للسلاح ورعاية انتقاله بحراً عبر المتوسط التركي أو جواً بواسطة الطائرات الاميركية، بذلك قدم الإعلام الغربي هذه المعارضات على أنها سورية وذلك من خلال اختيار سوري كناطق رسمي باسم تنظيمه، ما يضفي الصفة السورية على كامل هذه التنظيمات. وهذا فصل بسيط من فنون الحيلة والمكر عند الغربيين والأتراك.
لكن تحالف الدولة السورية مع الروس والإيرانيين وحزب الله انهى بدءاً من 2016 هذا الارهاب في مناطق واسعة حول دمشق العاصمة ومناطق الغوطة والجنوب والوسط والساحل، وصولاً الى مشارف الحدود التركية بعد مدينة حلب.
ما حدث في هذه الرقعة الجغرافية التي تشكل العاصمة وضواحيها نحو سبعين في المئة من مساحة سورية، ان التنظيمات الارهابية الشديدة الولاء للسعودية والإمارات والأميركيين والأردن أصيبت بضربات قاتلة من الهجوم المضاد للدولة السورية وتحالفاتها ومن نجا منهم فرّ نحو الشمال والشرق ملتحقاً بالتنظيمات الاخوانية الموالية لتركيا، أو مختبئاً ضمن المشروع الانفصالي الكردي في الشرق والمغطى من احتلال أميركي مباشر.
هذا ما ادى الى تضخم كبير في عديد المنظمات الاخوانية او المتحالفة معها منسحباً على شكل تضخيم للدور التركي في منطقة ادلب وشريط حدودي كبير داخل الأراضي السورية بما يضمّ ايضاً عفرين وبعض أرياف اللاذقية.
هؤلاء الإرهابيون ارتبطوا بتركيا بكل شيء تقريباً، المأوى والمورد والمال والسلاح والتدريب وحماية الجيش التركي بشكل مباشر هذا مقابل إصرار من السياسات التركية على تقديم هؤلاء الإرهابيين بصفتهم الاولى أنهم سوريون والثانية أنهم اخوانيون. وهذا يؤدي تلقائياً الى اعتبارهم فريقاً سورياً له الحق بالمشاركة بالنظام السياسي السوري.
وهذا استدعى إيقاظ بعض القيادات السورية من المعارضة القديمة والمنتهية الصلاحية لتشارك في مؤتمرات جنيف وسوتشي على اساس انها هي التي تقود المنظمات في الجزء السوري التي تحتله تركيا ما يبيح لها حق تمثيلها سياسياً.
هنا تكمن الفضيحة بأمّ عينها، بدأت مع مفاوضات روسية – تركية تأكدت من خلالها قيادة الرئيس التركي اردوغان ان روسيا لن تهاجم مناطق إدلب المحتلة بالقوة، اقله في القريب فسحبت نحو 15 ألف إرهابي من المناطق التي تحتلها في سورية، وادخلت بديلاً منهم آلاف الجنود من الجيش التركي المباشر مع مئات الاليات التي ترفع الاعلام التركية. وكان هذا الامر رسالة الى الروس بأن اي هجوم من قبلهم هو هجوم يؤدي الى قطع العلاقات التركية – الروسية التي يراهن عليها الكرملين لتصديع علاقات انقرة بواشنطن والناتو وخفض الهجمات التي تتعرّض لها بلاده على مستوى موارد الغاز في العالم.
بذلك أصبحت السياسة متحررة نسبياً من الميدان السوري المستقر، وارسلت نحو اربعة آلاف إرهابي تزعم انهم سوريون لدعم دولة السراج في ليبيا، وها هي توفد تسعة آلاف إرهابي تدّعي انهم من المعارضة السورية الى اذربيجان ليشاركوا في الهجمات على اقليم ناغورني كاراباخ والسبب ان اذربيجان تركمانية العرق وتوالي السياسة التركية.
وسرعان ما اتضح ان السوريين من الاخوان المسلمين لا يشكلون ربع الموجودين اليوم في «زنقات ليبيا» وضيافة الجماعات الأذربيجانية الإرهابية المسلحة.
وهذا ما كشفه الاعلام الغربي الذي وصفهم بمجموعات من إرهابيي ادلب ينتمون الى الايغور وعشرات الجنسيات من آسيا الوسطى ودول عربية ومجموعات من السوريين الاخوانيين.
فهذه اذاً ليست معارضة سورية بل مجموعات من الفدرالية العالمية للاخوان تلعب دور مرتزقة في خدمة المطامع التركية التي لا علاقة لها بالفتوحات الإسلامية، بما يستدعي موقفاً من اولئك الذين ينتحلون صفة معارضة سورية وذلك برفضهم لسورية المرتزقة من ليبيا وكاراباخ. وقد توفد تركيا في اطار عثمانيتها مجموعات الى اليمن لدعم حزب الإصلاح الاخواني ومناطق اخرى قيد التحضير. بما يدفع الى مطالبة المعارضة السورية الداخلية الى الاعلان عن الدور الانكشاري لهذه المعارضة وإعلانها مجموعات من المرتزقة تعمل في خدمة التجديد للباب العالي الذي سقط منذ 1920 ويحاول الاخوان المسلمون إعادة ترميمه على حساب مصالح السوريين والاستقرار في الشرق.