kayhan.ir

رمز الخبر: 12003
تأريخ النشر : 2014December17 - 22:24

الحوار اللبناني: بين السريع والمتسرِّع

أمين أبوراشد

لم يُحدَّد موعد لبدء الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، لتبدأ وسائل الإعلام في الحكم على الأمور والدخول في إجتهادات قبل أوانها، لأن مجرَّد البحث بإمكانية الحوار هو إنجاز يخفِّف من حدَّة المواقف المواكبة له من خارج الحلقة، وهذا الحوار واجب الوجوب أن يحصل ضمن الإطار اللبناني وضمن حدود لبنان، مع حفظ كل الإحترام للجوار القومي والعربي والإقليمي، خاصة أن تأشيرة العبور الى الحوار لا يجب أن تُمنح من سفارة ولا بأمر من مبعوث خارجي.

كلّ حوار مرحَّبٌ به، سواء بين حزب الله وتيار المستقبل، أو بين التيار الوطني الحر و”القوات اللبنانية”، وإذا كانت للحوار الأول مستلزماته التحضيرية، فإن الحوار الثاني يبدو أنه أصعب، ربما لأن المسيحيين في لبنان ليسوا مختلفين على توحيد الكنائس ولا على عيد الفصح، وخلافهم هو سياسي وسياسي بامتياز ولن ينتهي بـ”وحدة حال” خلال أيام أو أشهر أو سنوات، والمطلوب ليس أن يطلع بعض المسيحيين من مسيحيتهم، بل أن يطلعوا بها الى المسؤولية الوطنية، وأن يقتنعوا بأن الكيان اللبناني مهدَّدٌ برمَّته، وأن التوافق على العدو والصديق هو أولوية بل شرط لإنجاح أي حوار، لأن لبنان شاء أم أبى قد دخل في "لعبة الأمم”، و دوره السياسي في ما يحصل بالإقليم متواضعٌ جداً ويقتضي منه ترميم نفسه والوقاية من التداعيات الإقليمية قدر الإمكان.

قبل الدخول في أي حوارٍ لبناني يجب أن نكون واقعيين، وأن لا نضع العربة أمام الحصان، وإذا كان انتخاب رئيس للجمهورية مطلوباً على وجه السرعة فهذا لا يعني ضرورة التسرُّع قبل الإطمئنان على وضع الحصان، لأن سَرجَه قبل التأكد من أهلية الفارس أمرٌ غير محمود، وتحصين لبنان هو أولوية على ضوء التهديد الإقليمي الناجم عن الإرهاب المتنقِّل والصراع المستمرّ بين اللاعبين، والذي عَكَسه منذ يومين تصريح نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الذي يجول في المنطقة، أن رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان قال له حرفياً في موسكو: "نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا!”، وكان قد سبقه قبل أيام الرئيس الأسد حين أكَّد أن المعركة مع الإرهاب طويلة.

الأمور تستوجب التسهيل والتبسيط ليكون "البساط أحمدي” في أي حوار، والزيارة التي أرادها الرئيس أمين الجميل الى الجنوب وقوله أن هذه الزيارة هي "مقاومة”، ولو أنها جاءت بمناسبة تدشين إقليم مرجعيون الكتائبي، يؤسَّس على مثيلاتها من المبادرات للتقارب اللبناني اللبناني، وهي في توقيتها غير المقصود جيدة في كل المعايير وأثبتت صدقية القول: "لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من يُقسَّم” ولو كان قابلاً للبلع لما تمكن الرئيس الجميل من عبور مناطق محرَّرة بدم الشهادة ليصل الى مرجعيون، ولو كان قابلاً للتقسيم لما كان إبن بكفيا يفتتح فرعاً للكتائب في مرجعيون.

حسناً فعل الرئيس الجميل بزيارة الجنوب، وحسناً فعل عندما اعترف بالخطر التكفيري المُداهم والدَّاهم من الشرق، والذي لا يقلّ خطراً عن الإسرائيلي، وحسناً قال عندما بارك كل حوار، وحسناً قال عندما حدَّد أن الرئيس لا يكفيه أن يلتفَّ النواب حوله بل أن يلتفّ الشعب حوله.

من ناحية أخرى، تزامنت زيارة الرئيس الجميل في نفس اليوم مع ذكرى المرحوم جبران تويني، والكلمات التي أُلقيت في الذكرى أثبتت أن كل طرف يرى لبنان الذي على قياسه، بينما المطلوب من الجميع الإعتراف، أن الخطر على لبنان واحدٌ، سواء كان متمادياً من الجنوب أم مستحدثاً عبر من يهدِّدون بالزحف إليه من الشرق، وإذا كنا لم نقتنع بعد أن الزاحفين الى لبنان من الشرق هم أعداء لبنان والإنسانية والقِيَم والأديان السماوية فعبثاً نحاول الحوار، وعبثاً نُغربِل مرشَّحين، وعبثاً نبحث عمَّن يملأ كرسي في بلدٍ عليه بدايةً أو بالتزامن تحصين كيانه وضبط حدوده والتوافق على استراتيجية وطنية ليبقى الوطن أولاً وتبقى الجمهورية، ويُنتخب على هذا الأساس رئيسٌ لهذه الجمهورية...