نتنياهو انعكاس لفاشية متصاعدة
علي جرادات
يشكل الوهم بإمكان إنهاء الصراع العربي الصهيوني بالقفز عن القضية الفلسطينية وجوهرها حق العودة، المحرك الأساس، إنما دون مجاهرة، لسياسة حكومات الاحتلال كافة، لكن هذا الوهم أصبح سياسة معلنة، لحكومتيْ نتنياهو الأولى والثانية التي انفرط عقدها مؤخراً.
ما يعني أننا أمام قفزة نوعية في تحولات النظام السياسي الصهيوني التوسعي العدواني. هنا قفزة أوسع وأخطر من أن تُعزى أسبابها إلى نتنياهو الشخص، وإن كان هو محورها، إنما إلى سيطرة نهجه كقائد لائتلاف الأحزاب الصهيونية العلمانية والدينية، وكامتداد لجناح جابوتنسكي وبيغن وشامير، أشد أجنحة الحركة الصهيونية تطرفاً وعنصرية ودموية وفاشية، وأكثرها تعلقاً بخيالات وأوهام إمكان إنهاء الصراع بتجاهل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وفي أحسن الأحوال اختزالها في القرار 242 بعد تحويله من قرار يدعو إلى الانسحاب من كامل الأراضي المحتلة عام 1967، إلى قرار يدعو إلى التخلي عن "أراضٍ” منها، للفلسطينيين أن يقيموا عليها حكماً ذاتياً تحت الاحتلال، ولهم أن يسموها دولة في إطار ما يسمى حل "دولتين لشعبين” مقابل إنهاء المطالب الفلسطينية ووضع حدٍ للصراع من دون حل جوهره، حق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية المكفول في القرار الدولي 194 الذي يصعب، بل يستحيل، تصور تنفيذه بالدعوة إلى "إيجاد حل عادل ومُتفق عليه لقضية اللاجئين”، كمقاربة ملتبسة تحوِّل هذا الحق إلى مجرد قضية تفاوضية تُحل بالتوافق، وكأن ذلك ممكن في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى ودعم الراعي الأمريكي للشروط الصهيونية وإجماع الأحزاب الصهيونية على رفْض الإقرار بالمسؤولية عن اقتلاع هؤلاء اللاجئين وابتلاع أرضهم، وفي ظل رفضها الإقرار بالحقوق الوطنية لأبناء الشعب الفلسطيني في مناطق 48، وبحق الشعب الفلسطيني عموماً في تقرير المصير وبناء دولة مستقلة وسيدة وعاصمتها القدس.
إننا أمام قفزة خطيرة في سياق تحولات العنصرية الصهيونية إلى فاشية، تعبر عن نفسها في فلتان المستوطنين وتحول أحزابهم إلى لاعب أساسي في مركز صياغة قرارات حكومات الاحتلال، وفي سيطرة الأحزاب الصهيونية الدينية الفاشية على ثلث المناصب العليا والمتوسطة في الجيش والأجهزة الأمنية، وفي سن كثير من القوانين الأساسية العنصرية، بما في ذلك الإقرار الحكومي لمبدأ "قانون القومية” الذي يوطد ويقونن، بمعزل عن الخلافات حول صيغه، "إسرائيل” ك”دولة قومية للشعب اليهودي”، أي لليهود كافة، وهو ما يضرب حق عودة اللاجئين، ووجود فلسطينيي 48 وحقوقهم الوطنية، ناهيك عن أنه يضرب إلى غير رجعة حلَّ إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس من دون إغلاق الباب على حق العودة والحقوق الوطنية لفلسطينيي 48، أي الحل المختلف عما يسمى "حل الدولتين لشعبين”، الاسم السري ل”إسرائيل” "دولة قومية للشعب اليهودي”، التي تدعو إليها جميع أحزاب الائتلاف الحكومي، بما فيها حزبا "يوجد مستقبل” بقيادة لابيد و”الحركة” بقيادة تسيبي ليفني اللذان، رغم معارضتهما للصيغة التي اقترحها نتنياهو بموافقة ليبرمان وبينت ل”قانون القومية”، إلا أن العودة لبرامجهما الانتخابية الأخيرة تظهر أن حزب "يوجد مستقبل” يعرِّف هوية "إسرائيل” بالقول: "نحن نؤمن بأن "إسرائيل” أنشئت كدولة قومية للشعب اليهودي. وينبغي لها أن تبقى دولة ذات أغلبية يهودية وذات حدود آمنة قابلة للدفاع عنها”.
أما برنامج حزب "الحركة” فيؤكد على التعريف ذاته بالقول: "للشعب "الإسرائيلي” حق غير قابل للنقض في أن تكون له دولة سيادية في حدود أرض "إسرائيل”، وطنه القومي، التاريخي، الديني، والثقافي”، و”الهدف المركزي للحركة هو ضمان تثبيت دولة "إسرائيل” كبيت قومي للشعب اليهودي”، و”ضمان بقاء "إسرائيل” كدولة يهودية يقتضي المحافظة على أغلبية يهودية بين مواطنيها”. بل إن برنامج حزب العمل القابع في المعارضة يعرِّف "دولة "إسرائيل” بأنها: "دولة الشعب اليهودي، وبناء عليه فإن حزب العمل يعارض عودة لاجئين فلسطينيين إلى داخل تخوم دولة "إسرائيل”، ويتم حل مشكلة اللاجئين بصورة متفق عليها بمشاركة دول المنطقة والمجتمع الدولي، ولكن ليس من خلال منح حق العودة (للاجئين)”.
ما دامت الأحزاب الصهيونية على هذا المستوى من الإجماع فيما يخص قضايا تعريف هوية "إسرائيل” ووظائفها، ورفض تحديد حدودها، ورفض حق اللاجئين في العودة، ورفض الحقوق الوطنية لفلسطينيي 48، ورفض حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني عموماً، إذاً لماذا أقال نتنياهو الوزيرين لبيد وليفني، ما أدى إلى حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة؟ وما هو سر الخلاف القائم بين نتتياهو ورئيس جهاز المخابرات، يورام كوهين، الذي حمَّل، ورؤساء سابقين للجهاز، نتنياهو المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية في مناطق 48 ومدن الضفة، والقدس، خصوصاً، بل وتكذيب اتهامه للرئيس الفلسطيني بهذه المسؤولية؟ وما هو سر الخلاف الذي نشب بين نتنياهو، (خلال ولاية حكومته السابقة)، وكل من رئيس أركان الجيش، غابي اشكنازي، ورئيس جهاز الموساد، مائير دوغان، ورئيس جهاز المخابرات، يوفال ديسكن، الذين اتهموا نتنياهو، ووزير الدفاع، باراك، آنذاك، بقلة المسؤولية والمغامرة بسبب دعوتهما إلى توجيه ضربة "إسرائيلية” للمفاعلات النووية الإيرانية في ظل معارضة أمريكية لمثل هذه الضربة التي تنطوي على توريط "إسرائيل” في حرب إقليمية، تتجاوز حدود قوة الجيش "الإسرائيلي”؟
خلاصة القول: نتنياهو وحلفاؤه يعالون وليبرمان وبينت ليسوا مجرد أشخاص عنصريين متطرفين، بل، وهو الأخطر، تعبير عمّا يجتاح "إسرائيل” على كل المستويات من فاشية متصاعدة، بدليل أن كل الذين اختلفوا مع نتنياهو من سياسيين وعسكريين وأمنيين صهاينة، اجمعوا على اتهامه وحلفائه، بالأيديولوجيين المغامرين "المنفصلين عن الواقع” لدرجة إلغائه، وإحلال أفكارهم محله، وهو ما سيؤدي، من وجهة نظر خصومه، إلى اتساع نطاق ومضامين عزلة "إسرائيل”، وزيادة شقة خلافها غير المسبوق مع الولايات المتحدة وأغلب دول الاتحاد الأوروبي، وتوسيع رقعة ما تتعرض له من حملة مقاطعة شعبية غربية، سياسية واقتصادية وأكاديمية، لم تعرف مثيلها منذ نشوئها.