الضعف العربي ووهم الاستفادة الاسرائيلية
إيهاب شوقي
كشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية جانبًا من مشهد فاضح لكيفية تعاطي الادارة الأميركية مع الأنظمة العربية ومع الملفات المصيرية والقضايا المركزية، حيث قامت بتسريب جانب من زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى السودان، والتي تعد أول زيارة أميركية رفيعة المستوى منذ 15 عامًا.
فقد تناولت المجلة في مقال بقلم روبي جرامر، وكولوم لينش، وجاك ديتش، بعض تفاصيل كواليس الزيارة، ذاكرة انه عندما ذهب وزير الخارجية مايك بومبيو إلى السودان الشهر الماضي، لم يكن البند الرئيسي على جدول أعماله هو السودان أو العقوبات أو انتقال البلاد إلى الديمقراطية بعد عقود من الديكتاتورية، بل كانت "إسرائيل"، هي البند الرئيسي، بحسب رواية لثلاثة أشخاص اطلعوا على الزيارة.
وأضاف المقال إنه، خلال اجتماع خاص للتوصل إلى تفاصيل صفقة لإزالة السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، حث بومبيو رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك فجأة على الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبدء تطبيع العلاقات بين البلدين، وقال بومبيو إن هذه البادرة ستسهل عليه إقناع الكونجرس بشطب السودان من قائمة الإرهاب.
ونقل المقال عن أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماع ان المفاجأة وطريقة الطلب ألجمت السودانيين، وان حمدوك رفض، موضحًا أنه لا يمتلك التفويض لمثل هذه الخطوة المهمة.
ونقل المقال أن بومبيو حاول مرة أخرى في وقت لاحق مع كبير ضباط الجيش السوداني، الذي رفض أيضًا، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
ولا شك ان الاعلانات المتتابعة للتطبيع بداية من الامارات الى البحرين، ووصولا لدول اخرى يمكن ان تعلن هذا الخزي بين وقت واخر، مثل السعودية وموريتانيا وايضا السودان. ويمكن رصد عدة أمور كما يلي:
1- التعاطي الأميركي مع الأنظمة بشكل وظيفي، حيث سياسة الاستخدام والاملاء دون احترام أو تقدير لظروف كل بلد داخليًا او اقليميًا أو مدى ارتباط ما تطلبه بالتاريخ والوجدان والثوابت.
2- الاعتماد المطلق على الدبلوماسية القسرية، حيث ترفق المطالب الأميركية دومًا بضغوط ومساومات، وتكون أميركا هي الخصم والحكم، فهي لا تعرض مساعدات لحل أزمات عامة مقابل تحقيق رغباتها، وانما هي التي تختلق الأزمة وتفرض العقوبات، ثم تناور وتضغط بما فرضته!
3- تتضح رغم التبعية والارتهان، بعض الفوارق بين الأنظمة الجمهورية والأنظمة الملكية، حيث التدبر والحسبان للشعوب حتى حين توفر النوايا للتفريط، يميز الأنظمة الجمهورية، بينما الملكيات المطلقة، لا تعير للشعوب وزنا، فلم نر حوارًا شعبيًا أو عرضًا على مجلس لشورى أو استفتاء، او تحسبًا من ردود أفعال، أو حتى اهتمامًا بأي رفض!
4- الى جانب الفوارق بين الأنظمة الملكية والجمهورية، فإن هناك جانبًا مضافًا يتعلق بالقواعد العسكرية والاحتلال، فلا تستطيع دول تستضيف القواعد والأساطيل رد الأوامر والاملاءات، فهي تخشى من مغادرة الأساطيل والقواعد أكثر من خشيتها من وجودها، حيث حماية العروش هي الثوابت الوحيدة لهذه الكيانات.
نحن اذاً بصدد مشاهد فاضحة، تعد تجسيدًا لتوازنات الضعف بين أميركا والعدو الاسرائيلي والأنظمة العربية.
أميركا في لحظات ضعف كبرى ليس أمامها بعد الفشل الذي أجمع عليه محللوها الاستراتيجيون، الا تحقيق سلام وهمي بين أنظمة لم تدخل طرفًا في الصراع من الأساس وبين عدو اسرائيلي مأزوم.
ترامب قائد أميركا المتراجعة، لديه لحظة ضعف مضافة، تتعلق بغموض وضعه الانتخابي قبل أسابيع من انتخابات تلوح في أفقها احتمالات فشل غير صغيرة، وبالتالي فهو يلعب بالورقة الصهيونية على أمل انقاذ ما يمكن انقاذه داخليًا في بلاده، مع يقينه بأن مردود الخطوات خارجيًا يقترب من الصفر الاستراتيجي طالما بقيت المقاومة وبقي الحد الأدنى من الرفض.
والضعف العربي وصل لمرحلة من عدم القدرة حتى على المساومة على التفريط والخيانة. كما أن هذه الأنظمة تدرك حجم الأزمة التي مر بها سيدها ترامب، وبالتالي فهم بصدد تأمين مستقبلهم مع غيره اذا ما أطاح بايدن بترامب، وهنا كانت ايضًا الورقة الصهيونية العابرة للادارات والموحدة للفرقاء الأميركيين.
تبدو "اسرائيل" مستفيدة من توازن الضعف الأميركي العربي، ولكنها استفادة تكتيكية نظرية، بينما تعلم أن التوازنات على الارض اختلفت.
ربما لم تنعكس التوازنات الجديدة على الأوضاع السياسية بعد بالاقليم، وربما ينتظر انعكاسها مواجهات، ربما تكون قريبة، والاحرار والمقاومون جاهزون لها.